خمسة كيلو لحمة

بقلم: أماني موسى
جاء عم سعيد لعمله في الصباح الباكر وعلامات السرور والانبساط تبدو على ملامحه بشدة شديدة متشددة حتى أن أصحابه بالمكتب لاحظوا وتساءلوا عن سبب سعادته، فأجابهم خايف أقول تحسدوني.
فصرخت هنية بوجهه يا خويا قول، هيحسدوا المتعوس على إيه ولا حتى خايب الرجا وأنت المتعوس وإحنا خايبين الرجا، يعني الحال من بعضه.
ففرد عم سعيد ضهره للوراء باستعلاء مع مد الكرش لقدام وقال وهو يشير بأصابعه الخمسة في وجه زملائه جبت خمسة كيلو لحمة مرة واحدة ووصيت مراتي تشكل وتنوع وتعمل مرة طبيخ ومرة مشوي ومرة مسلوق وجبت لها كتاب فن الطبخ عشان تعمل لنا اللحمة بمزاج.
فسكت عم فرحان الساعي وبدت عليه علامات التعجب والبلاهة بآن واحد، أما الست هنية المتهنية أم لسان ونص ضحكت وقالت ليه هو عيد الأضحى جه من ورانا ولا إيه؟ أما سيد أفندي انتكة فتخلى عن انتكته ومسك في قميص عم سعيد كمن وجد لقية وقال له: قولي يا سعيد يا أخويا وحياة أبوك جبتها منين وبكام؟ عشان أجيب للعيال وأفرحهم بقالهم حوالي شهر مشموش حتى ريحتها.

فأجابهم سعيد بأنتكة: من 6 أكتوبر وأنا راكب الأتوبيس ومعدي من هناك لقيت زحمة على جزار بتاع لحمة بلدي كمان مش متجمدة، فروحت نزلت بسرعة من الأتوبيس وقلت أسال بكام ولقيتها يا سيد يا أخويا الكيلو بـ 10 جنيه بس، فجبت خمسة كيلو علطول وأم العيال مصدقتش وأنا داخل عليها بخمسة كيلو مرة واحدة.
فأنفرجت أسارير عم سيد وتبعه فرحان الساعي والست هنية المتهنية وكلهم قالوا في نفس واحد: أوصف الطريق بالظبط عشان نروح انهاردة بعد الشغل.
ولكن سرعان ما رجع سيد أفندي أنتكه للجرنان اللي كان بيقرا فيه وفتح إحدى صفحاته وتنح، وقال لسعيد: يالهوي أوعى تاكل أنت وعيالك من اللحمة دي، فنظر سعيد باستغراب لسيد وقال له أشمعنى؟ إيه قريت في جرنانك أن أكل اللحوم بيجيب النقرس ومضر بالصحة؟ متقلقش تبقى مضرة للي بياكلها كتير مش اللي بياكلها ظهورات.

فتكلم سيد أفندي أنتكة بجدية قائلاً: اللحمة دي فاسدة ومش صالحة لاستهلاك الإنسان، دي فاسدة يا سعيد ومتهربة وأدي الخبر أهو عشان تتاكد بنفسك،،،، فأمسك سعيد بالجرنان وأصيب بحالة من الحزن الممزوج بالدهشة، وصرخ يالهوي دة كلامك صح يا سيد يا أخويا دة خمسة طن لحمة فاسدة اتوزعوا وفعلاً في منطقة 6 أكتوبر، ونظر للأرض وقال: أد كدة المصري رخيص ومالوش قيمة؟ لحمة فاسدة بيوزعوها في الأسواق عشان الحمير تاكلها ومش مهم تموت ولا تغور... أهو فرصة يقل عدد الشعب عشان تقل الهموم والمسئوليات اللي شايلاها الحكومة والمسئولين؟ طيب أعمل إيه أنا في الخمسين جنيه اللي دفعتها دي؟ وصمت للحظات وبعدها قال: لقيت الحل وأبقى ضربت عصفورين بحجر.
فسارعت هنية بسؤاله عن الحل، واتصل عم سعيد بمراته وقال: ها يا حبيبتي طبختي اللحمة اللي جبتهالكم امبارح؟ فأجابته أنها بتجهزها، فأكمل سعيد كلامه قائلاً: بصي يا روحي أطبخي الخمسة كيلو كلهم انهاردة وأعزمي أمك وأخوكي على الغدا عشان يعرفوا أني مهنيكي واللحمة مش بتفارق بيتنا، بس وحياتك يا ابتسام متخليش العيال تاكل منها عشان لو قعدوا مع امك وأخوكي هيسكفونا ويخلصوها.