بقلم: نبيل شرف الدين
المسؤولون فى مصر ليسوا وحدهم من يمكن وصفهم بالشيخوخة التى ضربت جميع مؤسسات الدولة، بل يندرج قادة المعارضة بمختلف مشاربها تحت هذا الوصف، فمن أقصى اليسار لأكثر الجماعات يمينية، ومن الأحزاب الرسمية للجماعة المحظورة يجلس على قمة كل حزب أو حركة رجال تجاوزوا السبعين والثمانين من أعمارهم، فيما تؤكد الإحصائيات الرسمية أن سبعين بالمائة من المصريين تقل أعمارهم عن ٣٥ عاماً.
وبقليل من التأمل للمشهد السياسى الراهن سنكتشف أن هذا الفريق من «الساسة المؤبدين» بلغ بهم التشبث بالسلطة حد شن معارك ضارية ضد أى محاولة للتغيير، لقناعة هؤلاء بأن أى تغيير سيبدأ بالإطاحة بهم، بعد عقود ظلوا خلالها يمارسون أدواراً لا تنتهى بوصولهم لسن التقاعد أو حتى العجز لأسباب صحية.
وهكذا تفشت ظاهرة «المسؤول المؤبد» لتصل لكل مستويات الإدارة العليا كرؤساء الشركات والمؤسسات، حتى وصلت لأجهزة لم تكن تعرف طيلة تاريخها التمديد فوق الستين كجهاز الأمن مثلاً، وبالتالى شاع مصطلح «جمهورية المتقاعدين» للتعبير عن واقع الحال الراهن للجهاز الإدارى المترهل فى مصر.
وبحسبة بسيطة يعرفها كل العاملين فى مصر، فإن بقاء المسؤول الواحد من طبقة «المؤبدين»، يحرم مئات العاملين من الترقى، لأنه يحصل على مستحقات هائلة بحكم أقدميته التى تصل للحد الأقصى، ناهيك عن المخصصات الوظيفية، ولن نقترب من ملف الفساد، حتى لا نُتهم بإطلاق التهم على عواهنها، مع أنها واقع يعيشه ملايين المصريين يومياً فى التعامل مع شتى المؤسسات الحكومية.
القراءة الإحصائية لواقع كبار الموظفين «المؤبدين» فى مصر تشير لنتائج مضللة ومقطوعة الصلة بالواقع الفعلى، إذ يرصد تقرير حديث أصدره الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة عدد كبار الموظفين فى الدولة قائلاً: «إن شاغلى الوظائف الممتازة ٣٤٦، بينما يصل العدد فى الدرجات العليا- وهم وكلاء الوزارات- إلى ١٨٧١ و٧٥٥٠ مديرا عاما، وعدد نواب الوزراء وما فوقهم يصل إلى ١٨٥ قيادة ونسبتهم ٦.٩% من إجمالى القيادات على مستوى الدولة،
أما رؤساء الهيئات والمصالح الحكومية فعددهم ١٣٤، وقادة السلك الدبلوماسى ٢٧٢، وقادة الأمن ١٢٤، والمجالس القومية المتخصصة ٣٠٤، والنقابات المهنية والاتحادات ٢٠، والمجلس الأعلى للصحافة ٥٩، ورؤساء البنوك ٦٩، وأعضاء مجلس الشعب ٤٥٤، والشورى ٢٦٣ ليصل إجمالى عدد القيادات فى الدولة لنحو عشرة آلاف شخص.
كما تثير رواتب ومخصصات هؤلاء جدلاً، فأجورهم تبدو- رسمياً- متواضعة، رغم ضخامة مسؤولياتهم، وهو ما يدفع بعضهم للمبالغة فى الحوافز والبدلات والمخصصات، وبالتالى يجرى استنزاف الموازنة العامة بطرق التفافية يتقنونها، وهو ما يؤيد الاقتراح بفتح رواتب القيادات دون حد أقصى، ليحددها رئيس الوزراء أو الوزير المختص، لكن فى إطار التزام صارم بالقوانين، فتلغى تماماً مسألة التمديد بعد سن التقاعد، وتوضع ضوابط تحول دون احتكار الأبناء والأصهار للوظائف فى المؤسسات والوزارات، والتى بلغ تبجح بعض الجهات لحد وضع قواعد مقننة لها، تحت بند «حصة أبناء العاملين»، وهو مبدأ غير دستورى، لأنه يحول دون تكافؤ الفرص بين المواطنين، ناهيك عما يكتنفه من شبهات.
|