في إطار سعيها لفرض قوانين جديدة للرقابة تثير مخاوف من إحياء ممارسات نظام صدام
في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 انفتحت أبواب ثورة الاتصالات في العراق على مصراعيها، وفي وقت قصير طغت موجة من الأشرطة الموسيقية للمغنين الأتراك ومواقع إنترنت تجند انتحاريين ومسلسلات اجتماعية مصرية ومواقع إباحية وقصص رومانسية ومواقع إخبارية أميركية وإسرائيلية ومواقع تسلية كانت محجوبة في عهد صدام حسين.
لكن تلك الأبواب ربما تغلق مرة أخرى الآن، على الأقل بصورة جزئية، حيث تتحرك الحكومة العراقية قدما باتجاه إغلاق المواقع التي يثبت ضررها على المجتمع كما تطلب من مقاهي الإنترنت التسجيل لدى السلطات وتضغط على الناشرين لمراقبة الكتب. وقالت الحكومة التي كانت تتقدم بهدوء تجاه إقرار قوانين الرقابة الجديدة إن المنع كان ضروريا لأن المواد المعروضة حاليا في البلاد لها تأثير سيئ في تشجيع العنف الطائفي في تلك الديمقراطية الهشة وتستحوذ على عقول الشباب.
وقال طاهر ناصر الحمود، نائب وزير الثقافة العراقي: «إن الدستور العراقي يحترم حرية الفكر والتعبير لكن ذلك لا بد وأن يأتي عبر احترام المجتمع ككل والقيم الأخلاقية. ليس من السهل الموازنة بين الأمن والديمقراطية فالأمر أشبه بالمشي على الحبل المشدود».
لكن معارضي هذه المقترحات تساءلوا حول السبب وراء سعي الحكومة العراقية فرض نفس النوع من الرقابة، الذي كان من بين الأوجه السافرة للحياة اليومية في ظل حكم صدام حسين، وأشاروا إلى أنه دليل آخر على محاولة نوري كمال المالكي لتدعيم سلطاته. وسوف تضع السياسات الجديدة العراق على نفس الجانب الذي تنتهجه الدول الإسلامية المجاورة له.
وقال زيد العجيل، مدير منظمة غير ربحية تدافع عن حرية الصحافة: «إن فرض الرقابة يمثل نهاية حرية التعبير والفكر التي وصلت العراق بعد 9 أبريل (نيسان) 2003» مشيرا إلى يوم سقوط تمثال صدام حسين في بغداد. لم يكن الدستور العراقي واضحا بشأن هذه المسألة فهو يضمن حرية التعبير لكن إذا كانت تلك الحرية «لا تنتهك النظام والأخلاق». ولكن يحظر الدستور على نحو خاص المواد التي تتضمن اتهامات بالردة وهو تبرير يستخدمه المتطرفون السنة لقتل الشيعة، الأمر الذي يمثل هاجسا للحكومة العراقية التي تقودها أغلبية شيعية.
وقد طلبت الحكومة هذا الشهر من عشرات مقاهي الإنترنت التسجيل لدى السلطات الحكومية وإلا فإنها ستتعرض للإغلاق. وقال ماجد جاسم مدير شركة خدمات الإنترنت المملوكة للدولة: «إننا نعيش في أوقات عصيبة لذا فنحن بحاجة إلى ضبط الأمور». وقد تمت الموافقة على فرض الرقابة على المعلومات في الاجتماع الذي عقد في مايو (أيار) حيث طلب فيه المالكي من وزرائه تطوير وسائل لوقف المواد التي تدخل العراق ـ سواء أكانت عن طريق الإنترنت أو عبر حدوده ـ وتحض على العنف أو تتضمن محتويات جنسية. وفي يوليو (تموز) أوصت لجنة حكومية بصياغة قانون يمنح الإنترنت الرسمي حق مراقبة ومقاضاة المنتهكين. ومن بين المواقع التي تم حظرها، بحسب تقرير اللجنة، تلك المواقع التي تتضمن مواد عن «المخدرات والإرهاب والمقامرة والمقالات الهدامة عن الإسلام والردة». كما أجرت الحكومة العراقية ربيع هذا العام اتصالات بعدد من الناشرين الذين لا يزالون في المجال وطلبت منهم إعداد قوائم بأسماء الكتب التي يطبعونها ومحتوياتها. وسيتم الاحتفاظ بمحتوى هذه الكتب في وزارة الثقافة التي تعد هي الأخرى وثيقة يوقعها الناشرون ويتعهدون من خلالها بعدم توزيع الكتب التي تراها الحكومة غير مناسبة. وقال الحمود: «هذه الكتب التي تعتبر خطرة جدا وتدعو إلى تشجيع الانتحاريين وتفسر البهجة والسعادة الخلود الذي سيلقاه من يقومون بالعمليات الانتحارية. لذا كيف يمكننا التعامل مع ذلك؟ سنطلب من الناشر التوقيع على وثيقة يتعهد فيها بعدم نشر أي من تلك الكتب في العراق. إننا لسنا وزارة أمنية لكن بإمكاننا المساهمة في تحسين الموقف الأمني وجعل الناشر يشعر بأنه ملتزم باحترام القانون وأنه سيعاقب ما لم يفعل ذلك».
من جهتهم يقول الناشرون إن القانون الجديد يمكن أن يكون بمثابة حكم بالإعدام على الصناعة التي كانت مزدهرة في العراق. وتقول غادة العاملي مدير «دار الفن والثقافة» وهي شركة نشر في بغداد: «شعرنا بتفاؤل بعد سقوط النظام السابق لكن بدلا من تشجيع وتفعيل دور النشر يعيقونها».
ويطلق طه الشبيب الروائي العراقي الذي وضعته أعماله على خلاف مع حكومة صدام، على الخطة الحالية: «تراجع مفزع». وقال: «إذا ما كان ذلك صحيحا فسوف أعقد مؤتمرا صحافيا أحرق فيه رواياتي وأقول إنني كنت مخطئا عندما اعترضت على سياسات النظام السابق».
أما أحمد محمود، المهندس المسؤول في شركة خدمات الإنترنت التابعة للدولة، فيحمل شعورا مختلطا حول الرقابة. وقد حمل شعورا مماثلا في عهد النظام السابق ويتذكر أنه أمر بتنقية أي موقع قد يكون ضد النظام ولو حتى من بعيد. وقال: «إننا وزارة تقنية ولسنا وزارة سياسية ووظيفتنا هي وضع النظام والأدوات لا القرار، فنحن مهندسون وتقنيون بيد أن الأمر بدأ يخرج عن السيطرة. يجب أن تعني الديمقراطية المسؤولية تجاه المجتمع وهي لا تعني عدم وجود قيود أو ضوابط. إنني لا أرغب في إيقاف شخص من متابعة شيء معين لكنني أيضا أريد أن أحمي المجتمع».
وتشير التقديرات إلى أن مئات آلاف قليلة من العراقيين قادرون على الحصول على خدمات الإنترنت في العراق لكنه أكثر رواجا بين الشباب. وتعد مواقع «فيس بوك» ومواقع المواعدة والمواقع الإباحية الأكثر إقبالا في العراق. وقال محمد سعد، الطالب الذي يبلغ من العمر 19 عاما خلال جلوسه في مقهى الإنترنت في حي الكرادة في بغداد: «أنا أحب الذهاب إلى مقهى الإنترنت لسببين الأول هو التحدث مع صديق لي، والثاني هو مشاهدة المواقع الإباحية وهو ما لا أستطيع القيام به في منزلي».
لكن بعض الشباب الآخرين قالوا إن حظر بعض المواقع أثارت إعجابهم ويرغبون في مد الحظر على تكنولوجيا أخرى أيضا. فقالت يسرا مروان، الطالبة التي تبلغ من العمر 24 عاما: «إنني أرغب في العودة إلى عصر ما قبل التكنولوجيا، فأنا لا أحب الهواتف الجوالة أو الإنترنت أو القنوات الفضائية. من فضلك أخبروا الناس أنني واحدة من العراقيين الذين يحلمون بالعيش في بساطة لتجنب الوقوع في الخطيئة». |