جاءتنى تجرّ أذيال الخيبة.. تحمل فوق كاهلها أثقال الندم بعد أن تركت زوجها وأطفالها وراحت تلهث خلف سراب الحبّ مغيّبة عن الحقيقة إرضاءً (للأنا) دون استشعار لمسؤولية أمومة.. لتسقط فى أتون الحسرة بعد أن خسرت الزوج والأبناء والحبيب وعزّة النفس فى أسوء نمط من أنماط الخسارة، وأسوء صفقة باءت عليها بالتعاسة والتفكير بالثأر والانتقام سواء من الذات أو من الآخرين..
لأتوقف عند مقولة المسيح عليه السلام (ماذا تربح إذا كسبت العالم وخسرت نفسك؟) فأجد نفسى أمام الكثير من أنماطٍ تدور فى حلقة مكسبٍ وخسارةٍ، بعضها يتصف بالأنانية المفرطة فى تحقيق الأغراض على حساب الآخرين، واعتزاز ذاتىّ للحطّ من ذواتهم مولّدا الحسد والغيرة وانعدام الثقة..
وبعضها لذلك الذى يخسر نفسه فاقدا الهدف والطموح ليكسب الآخر... وهكذا أغرق فى منظومة استفهامات تتماهى وتدور حول هذه المقولة لتقفز صور كثر من حالات تستعذب العبودية وخسارة الكرامة وإراقتها على أرصفة الضعف والخوف والنفاق.. فكم من حالة يشمئز منها الكبرياء يتمّ فيها بيع النفس لصاحب مال ومنصب مقابل مكان بين حاشية وندمان؟
وما إن تنقلب الأحداث حتى يتمرغ فى أحضان رياء شديد لسيّد جديد لتصيح المزادات هل من مزيد؟ والأمثلة على ذلك عديدة، فمن موظفٍ مرتشٍ إلى مديرٍ مُستَعبَدٍ للكِبر و(يا أرض اتهدى ماحدش قدى) إلى طاووس برتبة وزير أو مسؤول يستعبده الغرور والظلم، وما إن تقع الواقعة حتى يتقلب حزناً على خسارة النفس ومن عانوا من عنجهيته.. ومن هؤلاء إلى صورة أخرى لعبيد متنازلين طَوْعا عن أفكارهم ومعتقداتهم لإرضاء ثلة ما.. وهكذا تتجسد الصور لأجِدَنى أمام (بانوراما) تبدأ من أول خطوة وصولا إلى عرش السيادة وخيلاء العظمة والاستبداد والتحليق فى عالم أساطير مرصوف بنرجسية بشعة وتماثيل عجَبٍ وأختام بيعةٍ مزيّفةٍ..
حتى آخر خطوة لمسرح أحداث (دراماتيكية) معلنة نهاية الجولة بأبشع وأسوء خسارة على المستوى الإنسانى، تبدأ من القمّة، حيث النظام، وتنتهى بالأساس المتمثل بالمجتمع والقيّم والحضارة.. والأمثلة على ذلك كثيرة قديما وحديثاً.. فكم من مستبد باع نفسه وشعبه ووطنه مقابل حفنة مصالح شخصية ونشوة قبولٍ وحضْوةٍ من كؤوس عظماء القوة والسطوة؟ وكم من قوم باعوا أنفسهم لشيطان الهوى على حساب رضا الله؟ وكم من نفس بيعت إرضاء لشهوة جسد رخيصة وإشباعاً لرغبة انتقامٍ وطعنة غدر؟!
من باع نفسه باع كرامته وحريّته وخسر خسرانا كبيراً.. فالحرية طبيعة وفطرة بل هى الوجود كما وصفها (كروتشه).. فهل تخسر نفسك لتكسب العالم؟ أم نبدأ ثورة من الأعماق وانتفاضة كبرياء وانضباط ذاتى وتغييراً حقيقياً وتنشيط إلهام وإرادة وتعزيز ثقة لتحويل الخسارة إلى مكسب والهزيمة إلى نصر والحلم إلى حقيقة؟
إليك
روحى وروحك توأمان من قبل الوجود.. قبل أن تكون وأن أكون... قبل أن تضيع الخطوة فى زحمة الهاربين إلى منافى الخوف.. قبل أن تشهق حرارة الوجد.. وتطفئ أكفّ الليل الشمس المضرجة بدماء العاشقين.
روحى وروحك توأمان هائمان فى ظلمة الملل وشراسة الصمت والنوايا العارية من الحقيقة.. والأمانى المستغيثة تطلب الانفصال.
ننفصــــل.. روحك تطبق على روحى كابوس يكتم الأنفاس.. ننفصــــــــل... لأنطلق يمامة فى فضاءات أمان.. تحمل راية حرية مطرزة بنشوة حياء.. ننفصـــــــــل.. فروحك آيلة للسقوط فى غياهب الغدر.. اجتاحها طوفان صقيع.
وسوس نرجسية يحفر على صفحتها أخاديد خداع.. ننفصـــــــل..قبل أن تسلب رومانسية روحى العذراء.. قبل أن تغتصب بكارة بسمتك.. وتغتال طفولة نظرتك.. وتذبح البشائر الراقدة على جبهتك.. قبل ان يستحيل
حزن عينيك إلى فرح عاهر وبهجة خطيئة سكرى.. ننفصـــــــل.. قبل أن تختنق الكلمات فى فم القرار المرّ وحنجرة الندم.. قبل أن تنزلق كبريائى تستجدى شموخك الوهمىّ.. قبل أن أذوب.. أذوب قطرة فى بحر نزقك المفتعل.. قبل أن يحيلنى الشوق جنينا فى رحم الخضوع..قبل أن ينفجر بركان دموع وتشتعل نيران تمرد وانتفاضة..
قبل أن أستيقظ من حلمىّ المزروع فى غابات الطهر قبل الزمان.. قبل أن تنتفض غيبوبتى غضباً يرسم ندوب عار.. قبل أن تتمزق أستار صمتى وتتقطع أوصال التوسلات.. ننفصــــل.. هل من طبيب مبدع؟ يجتثك من تنهيدتى المترنحة؟ يقتلعك من الأعماق؟ هل من خنجر يقتطعك من الروح؟.. هل من معجزة تصنع نهاية أسطورة العمر؟
*نقلاً عن المصري اليوم |