بقلم : عـادل عطيـة
في قرننا هذا ، حيث نعيش ونعاصر آخر ما انتجه الابداع العقلي ، يطلع جيل يَهجْم على الحياة كالسَكْران ، يريد أن أن يحتل عقلك وفكرك ؛ ليعود بك إلى أزمنة الجهل ، وارتكابات محاكم التفتيش سيئة الذكر، والتي تضرب كمثل سائر على ذروة التعصب ، والقسوة التي لا رحمة فيها ، والاضطهاد الذي لا هوادة فيه !
أزمتهم ، أزمة وجود جوهرية ، تكمن في المسافة الفاصلة بين الحياة والموت ، بين الانطلاق والقيد ، وخطورتها تنطلق من تصورهم الخاطيء في أنفسهم ، وإعتقادهم المزيّف بأنهم يمتلكون طبيعة فَوْبشرية ، وبالتالي فهم فوق الضعف البشري وأخطائه ، مع أن خطئهم وخطيئتهم العظمى ، والتي لو يدركون ، تضعهم في أقرب مرمى لنيران تكفيراتهم ، ظنهم الآثم في أن الله بقدرته وعظمته يخشى من العلم والعلماء ، ومن المنكرين والملحدين ، وأن كلماته الموحى بها ، أضعف مـن أن تواجـه حروف كاتـب ، وخيال شاعر ، وألوان رسـام ، وكادوا أن يقولوا لله : اسـترح في سمائك ونحن سـنقوم بعملك على الأرض ، وننصرك على القوم الكافرين !
ان غالبية الذين يتخذون من الدين ستاراً ، ومن الفضيلة وسيلة وحجة يهاجمون بها غيرهم من الناس ، هم رجال الدين الذين يؤمنون بعصمتهم الإلهية ، ولكن التاريخ يعيد نفسه فيـهم وبهم ويُدينهم :
ألم يتضايق قادة اليهود المتعبدون المتدينون المدققون من تعاليم السيد المسيح ، و صاروا يحنقون جداً عليه ويصادرونه على أمور كثيرة ، وهم يراقبونه طالبين أن يصطادوا شيئاً من فمه لكي يشتكوا عليه ، واستطاعوا في النهاية ، بالرشوة ، والتشجيع على الشهادة الزور لاثبات ادانته ، أن يدقوا المسمار الأول في مأساة صلبه ؛ لأنه أكد على حقيقة أن الناموس وضع لخير الإنسان وصلاحه ، لا أن يكون الإنسان عبداً له ؟! ..
وألم يأمر كلفن ، بإحراق سيرفتوس العالم ، بالمخالفة للتعاليم المسيحية ؟!..
وألم يقل الاصوليون أن العالم الإيطالي جاليليو ، كاذب كافر ملحد فاجر لا يعرف الله ، وهو أيضاً لا يعرف الكتب المقدسة ، ويجب أن يموت ؛ لأنه أكد على الحقيقة العلمية ، التي نؤمن بها الآن ، والتي تقول : أن الأرض تدور والشمس ثابتة ؟!..
وألم يصبح الفيلسوف جيوردانو بريتو ، مثلاً يضرب على الاستشهاد في سبيل الحقيقة وحرية الفكر، ومنارة مشعة على مدار التاريخ الأوربي ، بعد أن أنتصر عصر التنوير على عصر الظلام ، وضيق الأفق ؟!..
وألم تصدر جبهة علماء الازهر بيانات التكفير ضد : فرج فودة ، ونجيب محفوظ ، وسيد القمني ، وغيرهم ؛ لنكتشف بعد ذلك انهم لم يقرأوا ما ادانوه في كتاباتهم ، ولم يسبروا غور أفكارهم ؟!..
ستبقى الحسبة ، وسيبقى المحتسبون ، وستبقى محاكماتهم موقدة ولن تنطفيء أوارها أبداً ، حتي يكفوا عن كبريائهم وإستعلائهم ، ويقروا ويعترفوا ، بأن نظرتهم إلى النصوص الدينية جامدة متزمتة ، أما عند مُفكرينا ، والمستنيرون منا ، فهي روحية متحركة ؛ لانها تُعبّر عن الله الذي يتكلم ، ويعمل ، ولـه رسائل متجـددة في كل جيل ، وفي كل موقف ! ...
|