مازلنا نعيش لحظات تاريخية تعاد فيها صياغة المشهد السياسي ومن ثم يتشكل ويكتمل جنين وطن جديد, وما من شك أننا ننتقل من مرحلة الارتباك التي أعقبت ثورة بحجم 25 يناير
إلي مرحلة انتقالية حاسمة ودقيقة بتأسيس الجمهورية الثانية القادرة, حال نجاح العبور إليها, علي التواصل مع المد الحضاري العالمي ووضع الوطن علي طريق التطور والتنمية والانطلاق الي مكانته التي يستحقها.
الأمر الآن يتطلب قراءة واقعنا بحرص وعيون مفتوحة ومصارحة تلتفت للثعالب الصغيرة التي تتسلل عبر سياجات الثورة لتفسد الكروم, بما يهدر مكتسبات تتحقق بدم غال وشهداء من خيرة أبناء الوطن. فبينما تنتعش الروح المصرية مجددا عبر عرس انتخابات الرئاسة يخرج علينا سارقو الفرح, بعقل بارد وروح مفارقة للمصرية, يسممون الأجواء بتصريحات أظن أنها تستحق أن تحيلهم للنائب العام بتهمة اهدار الاندماج الوطني واختطاف وطن وترويعه. فجأة وبدون مقدمات يمتلئ الفضاء الإعلامي والسياسي والعام بتصريحات بعض من المحسوبين علي تيارات الإسلام السياسي يوجهون فيها اللوم للمصريين المسيحيين (الأقباط) بأنهم صوتوا لصالح المرشح الرئاسي الفريق أحمد شفيق. الأمر الذي دفع به إلي مرحلة الإعادة بحسب زعمهم, ويحسبون هذا خيانة للثورة ويطالبونهم بالاعتذار, هكذا, وغير خاف علي أحد أن في هذا افتئات علي الأقباط ومناقضة لأبسط مبادئ الديمقراطية التي طالما تغنوا بها ولها عندما حملتهم الي مقاعد البرلمان بغرفتيه, فضلا عن كونه فرض وصاية تفتقر للشرعية علي الأقباط وإعادة انتاج لاستعلاء طائفي لا نقبله علي ارضية المواطنة. من المفارقات أن يؤسس هؤلاء موقفهم الانتخابي علي اختيار المرشح القادر علي إقامة شرع الله, بحسب تعبيرهم, وهذا حقهم وفق قواعد الديمقراطية, ويدفعون الناخبين في هذا الإتجاه بينما يحاكمون الأقباط علي موقفهم المبني علي تخوفات موضوعية من هذا التوجه وفي ذاكرتهم الجمعية تراكمات عملية سجلها التاريخ لجرائم استهدفتهم في اموالهم وأرواحهم عبر ما يقرب من نصف القرن وتحديدا منذ أحداث الخانكة (القليوبية) 1972 وحتي احداث الماريناب (اسوان) 2012, وكان الأوجب أن يكونوا المبادرين بالاعتذار للأقباط وفق ما يطالبون به علي غير حق, خاصة وهذه الجماعة كانت في مقدمة من تبنوا منهج العنف وفقا لما أقروا به في مراجعاتهم الشهيرة.
خطورة هذا الطرح أنه يختطفنا إلي اجواء الإصطفاف الديني في الشأن السياسي ويعيد انتاج المشهد الملتبس كما حدث في استفتاء التعديلات الدستورية والذي صارت فيه الموافقة هي الطريق الي الجنة والرفض هو رفض للدين ومعاداته, حتي كدنا ان ندخل الي مصادمة دموية, ويتكرر المشهد مجددا في الإنتخابات البرلمانية بحدة تنتج لنا مشهدا مرتبكا واداء متراجعا داخل البرلمان كان من نتيجته أن تراجعت الكتلة التصويتية التي دفعت بأطياف تيارات الإسلام السياسي الي مجلس الشعب من 11 مليون صوت إلي 5.5 مليون اختاروا مرشح الجماعة, فبدلا من تحليل المشهد وصولا للأسباب الحقيقية راحوا يكيلون ما يرونه تهما للأقباط ويحملونهم اخفاقات ادائهم السياسي.
خطورته ثانيا, أنه يضعنا علي حافة مواجهة مفتعلة في لحظة غائمة وملتبسة ومتوترة, ويذهبون إلي ما هو أبعد فيعلن قيادي منهم أن مليوني ونصف شاب مسيحي صوتوا للفريق شفيق!! ولا نعرف من أين جاء بهذا الرقم علي سبيل القطع, وكيف يفسر لنا أن هناك من أعلن علي جوانب أخري أن نحو مليون صوت مسيحي ذهبوا الي المرشح الرئاسي حمدين صباحي ومثلهم تفرق بين ثلاثة مرشحين آخرين علي قائمة المرشحين المدنيين!!, فلو كان هذا صحيحا لكان معناه أن تعداد الأقباط قد تجاوز العشرين مليونا.. خطورته ثالثا, أنه يزعم أن موقف الأقباط السياسي يأتي ككتلة تصويتية موحدة بالمخالفة للواقع الذي يتأكد فيه توزعهم وتباينهم شأنهم شأن كل المصريين, وفقا لمواقعهم الاجتماعية والاقتصادية والفكرية, فهل يختلف فقراء المسيحيين في انحيازاتهم ومطالبهم واحتياجاتهم عن فقراء المسلمين, وكذلك الحال مع رجال الأعمال والموسرين, وهل يختلف شباب ماسبيرو عن رفقائهم في التحرير وسبيكتهم في القائد ابراهيم؟.
خطورة هذه التصريحات رابعا, أنها تعزل الأقباط عن موقعهم الوطني وتقزمهم إلي فصيل سياسي منبت الصلة بالوطن ويأتمر بأوامر الكنيسة, التي يري من أطلق قذائف تصريحاته أنها صاحبة التوجيه السياسي للأقباط, رغم التحول الموضوعي الذي أكدته الكنيسة بعد25 يناير وخروج الشباب المسيحي خارج أسوارها واندماجه مع رفقائه وأبناء جيله في ميادين مصر, حيث اختلطت دماؤهم وتلاحمت أرواحهم فداء لمصر. ولم يلتفت أصحاب التصريحات إلي تأكيدات الكنيسة الصادقة بأنها تقف علي مسافة متساوية من كل المرشحين, وفي تناقض بين وواضح يعودون فيطالبون الكنيسة بتوجيه رعيتها للوقوف وراء مرشحهم, في انتقائية برجماتية بل وانتهازية فجة.
هل يمكن أن نقرأ هذه التصريحات علي أنها تمهيد لتديين انتخابات مرحلة الإعادة؟ وهل يقدر اصحابها تبعات ذلك؟ وهل يقدرون فداحة اصرارهم علي الانتقاص من حقوق مواطنة الأقباط, وهل يستوعبون استثمار المتربصين بالوطن لما يقولون؟ وفي كل الأحوال يبقي رهاننا قائما علي القوي المستنيرة التي تدرك أهمية التأكيد علي اندماجنا الوطني مدخلنا الصحيح لنهضة حقيقة وابتعاث جديد للروح المصرية المتجاوزة لدعاوي الانشقاق, وكفانا السنين التي أكلها جراد الطائفية والتطرف.. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت | عدد التعليقات: ٢ تعليق |