بقلم: البير ثابت
كثير ما نردد دائماً مثل الببغاء ، عن ضرورة احترام المواعيد ووقت العمل ، وأن الوقت ثمين ومن ذهب ، ونضرب الأمثلة على ذلك ( الوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك) .
إن احترام الوقت ليس له قيمة فى حياتنا .... نتهاون فيه ولا نلتزم به بصورة تدعو إلى الندم والشفقة .. فنذهب إلى العمل متأخرين ولدينا المبررات العديدة .... كما نغادره قبل الموعد غير عابئين بذلك الأمر ( بحجة أن المدير هو الأخر يأتي متأخراً… ويغادر مبكراً ... ونردد هو الشغل عمره ما بيخلص ؟ ) بل نذهب إلى المطارات متأخرين .. فحتى طائراتنا تتأخر في الإقلاع والوصول ( إيه يعنى .. هى الدنيا طارت ؟؟.. ).. فالتباطؤ وعدم احترام الوقت يظهر جلياً على كافة المستويات . ففى المناسبات الاجتماعية كالأفراح الكل يتأخر العروسة لسه عند الكوافير، والعرسان عند المصوراتى ، وباقات الورد والزهور تصل قبل انتهاء موعد حفل الزفاف بدقائق ، والمدعوين صابرين منتظرين ، والأسباب معظمها واهية وهزيلة . أما إذا حجزت موعد مسبق عند طبيب الأسنان تدخل بعد الموعد بساعات بعد أن تكون قد قرأت كل الصحف والمجلات في حجرات الانتظار وقاربت على النعاس ... فأصبحنا فوضويين ولا نعطي المواعيد الأهمية المطلوبة .
نزلت في أجازة قصيرة فى شهر مايو الماضي ، وفى يوم واحد تم تحديد موعد لقاء مع ثلاثة من الأصدقاء فى منزلى .. حضر أثنين متأخرين أكثر من ساعة ، الثالث اعتذر هاتفياً وطلب موعد أخر … حتى أصبح خلف الوعد ، وعدم احترام الوقت سمة من سماتنا وصار أمراً عادياً غير مقلق .... فشعارنا المرفوع والمحبوب لنا ( في العجلة الندامة وفى التأني السلامة ) .
الغريب فى الأمر أن البعض يعتقد إن تأخره عن الموعد يعطيه أهمية ويظهره أمام الآخرين بأنه شخص مهم وله ارتباطات متعددة وهذا فهم خاطئ ، فالشخص الناجح هو الذي يلتزم بمواعيده ، وإذا اضطر الشخص إلى التأخر عن موعد أو عدم الحضور فينبغي عليه الاعتذار المسبق للآخرين حتى لا يستمروا في الانتظار .
فعدم الدقة في المواعيد ليست مجرد إحدى الصفات التي تتنافى مع الذوق السليم بل تتعارض أيضا مع الأخلاق الحميدة التي هي أساس فن ( الاتكيت ) فكون المحافظة على المواعيد تدل على الاحترام والتقدير لموجه الدعوة .
لقد عبر الكاتب القدير / أنيس منصور عن عدم تقدير الزمن فى حياتنا فى مقالته بجريدة الشرق الأوسط تحت عنوان ( أنزع الساعة التى فى يدك !! ) حيث طلب أن ننزع عقرب الثواني من ساعاتنا لأننا لسنا دقيقين إلى هذه الدرجة.. واقترح بعد ذلك أن ننزع عقرب الدقائق أيضا .. فنحن لا نعرف إلا الساعات.. بل لا نعرف أحياناً الساعة الواحدة .. بل أستطرد قائلاً بأسلوب المزح أننا كل يوم نتفق.. وكل يوم لا أحد يجيء في موعده .. ويبدو أن ضرورة الاتفاق على شيء ما مجرد عادة، وعدم احتراماً هذا الاتفاق عادة أيضا.. وعدم مناقشة احترام الاتفاق عادة ثالثة.. فلماذا يحمل الناس ساعات في أيديهم ؟! ... إنها شيء للزينة أو لأننا أعتدنا أن نراها .
فسيطرة ثقافة عدم احترام الوقت من قبل المجتمع الذي نعيش فيه، وهو ناتج عن عدم استيعابنا لاهمية الوقت وتقديره ، بل هي صفة تميز الدول المتقدمة عنا لإدراكهم لقيمة الوقت واحترام المواعيد دون رقابة لأنه سلوك نشئوا عليه .
وفى هذا السياق نفسه ، سأل حكيم : ما هو الشيء الذي إذا ذهب لا يعود أبدا ؟ وكان الجواب هو الزمن .
|