CET 00:00:00 - 11/08/2009

مساحة رأي

بقلم: منير بشاي – لوس أنجلوس
مشاعرعداء الإسلام للكنائس واضحة لا تقبل اللبس، ونتائج هذا العداء أيضًا واضحة لا تقبل الإنكار. والدارس لحوادث العنف ضد المسيحيين في مصر يدرك أن معظم هذه الحوادث مرتبطة ببناء الكنائس، وعادة تبدأ بشائعة أن المسيحيين ينوون بناء كنيسة جديدة أو تحويل مبنى يملكونه إلى كنيسة وعندئذ تقوم القيامة.
وفي بلد يسمح بقدر من العلمانية والحريات حتى أنك تستطيع أن تبني ملهى ليلي (كباريه) دون مشكلة، من الغريب أنه عندما تريد بناء كنيسة تقف أمامك العقبات والمقاومات والإحتجاجات التي تصل أحيانًا إلى الإشتباكات وسفك الدماء. والمرء لا يسعه إلا أن يتساءل: لماذا كل هذا العداء بين الإسلام وبناء الكنائس؟ ماذا يخشى المسلمون من بناء كنيسة يصلي المسيحيون فيها إلى الله وتقدم المواعظ التي تبث الخير والفضيلة في الناس وتنهاهم عن الشر والظلم والعدوان؟
أما عن سبب تخوف المسلمين من بناء الكنائس فقد عبر عنه أحد شيوخ الإسلام في مقال نشر على الإنترنت قال فيه: يجب على ولاة الأمر أن لا يمكنوا (المسيحيين) من بناء الكنائس والبيع في بلاد المسلمين، لأنه مع التوسع في بناء الكنائس مستقبلاً وتكاثر النصارى في بلاد المسلمين، ينطمس معالم الإسلام ويعلو صوت جرس الكنيسة على آذان التوحيد. بل ربما يحتلها النصارى عند تكاثرهم وتمكنهم من الدولة مع ضعف المسلمين والضغط عليها من المؤسسات الغربية وبدعوى تقرير المصير، فتتحول بلاد المسلمين من أيدهم إلى أولئك النصارى، وخير دليل على ذلك ما حدث في بلاد الأندلس (أسبانيا).

حكم بناء الكنائس في بلاد الإسلام:
نتيجة لهذه المخاوف كان حكم الإسلام المتفق عليه من الفقهاء ينص أساسًا على تحريم بناء الكنائس في ديار الإسلام. أما بناء الكنائس في جزيرة العرب فهى أكثر إثمًا. وقد أوضح هذه الأحكام العالم الإسلامى إبن القيم في كتابه "أحكام أهل الذمة" فقسم هذه الأحكام بناء على أنواع البلاد التي يعيش فيها المسيحيين:
أولاً بلاد أنشأها المسلمون: لا يجوز أن تبنى فيها الكنائس إطلاقًا.
ثانيًا بلاد المشركين التي فتحها المسلمون عنوة: لا يجوز أن تبنى فيها كنائس جديدة ومصير الكنائس الموجودة يتوقف على رأي المذاهب الإسلامية المختلفة ولكن أغلبها يدعو إلى هدمها.
ثالثًا بلاد المشركين التي فتحها المسلمون صلحًا: لا تُبنى فيها كنائس جديدة ولكن يُسمح بإبقاء الكنائس القديمة التي كانت قائمة وقت الصلح.
هذه المبادئ التي تعادي الكنائس وتبث كراهيتها عند المسلمين هي ليست بجديدة، فجذورها تمتد من فجر الإسلام وستستمرطالما وجد الإسلام.

العهدة العمرية:
في العهدة العمرية التي أقرها الخليفة الثاني عمر إبن الخطاب في صلحه مع مسيحي الشام والتي أُطلق عليها شريعة أهل الذمة قد ورد فيها ما تعهد به المسيحيين للمسلمين:
في أول بنودها: أن لا يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرًا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب.
وفي البند الثاني: ولا يجددوا ما خرب منها.
استمر العمل بهذه المبادئ خلال تاريخ الدولة الإسلامية وخلافاتها بدرجات متفاوتة من التعنت تتوقف على هوى الحكام حتى عصر الخلافة العثمانية. في بداية الخلافة العثمانية كانت معاملة أهل الذمة سيئة فكانوا يجبروهم على دفع الجزية مع ممارسات تحقيرية كثيرة مثل عدم ركوب الخيل وإجبارهم على السير في يسار الطريق وعدم لبس العمائم أو لبس الملابس الملونة واستعمال زي مميز. بالإضافة إلى حرمانهم من شرف الخدمة العسكرية كمواطنين أصلاء.

الخط الهمايوني:
مع ضعف الخلافة العثمانية وإزدياد نفوذ الدول الأوروبية المسيحية حدث ضغط على الخليفة العثماني السلطان عبد الحميد لتحسين أحوال أهل الذمة الذين يعيشون في الإمبراطورية. وبناء عليه صدر الخط الهمايوني في سنة ١٨٥٦ الذي كان يعتبر خطوة تقدمية في ذلك الوقت والذي نص على ضمان بناء الكنائس وترميمها بأمر وموافقة السلطان نفسه. كما نص على إعفاء الكنائس من الضرائب. بالإضافة لهذا نص الخط الهمايونى على بنود كثيرة منها:
• المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.
• السماح لأعضاء كل ملة باختيار بطريركهم الذي تكون فترة انتخابه لمدى الحياة. ولا يجوز نزع سلطته إلا من كنيسته.
• تشكيل مجالس من رجال الكنيسة والعلمانيين لإدارة شؤون الملة وهي ما عرفت بإسم المجالس الملية.
• عدم إجبار أي شخص في الإمبراطورية على ترك دينه.
• مناصب الدولة المدنية والعسكرية تكون بالكفائة بدون تمييز في الدين.
• إلزام كل الموطنين بالخدمة العسكرية.
على الرغم من وجود بنود جيدة في هذا القانون ولكن إستمرت معاناة المسيحيين نتيجة عدم الجدية في تطبيقها. أما البند الخاص ببناء الكنائس بموافقة الباب العالي فمع مرور السنين أصبح عبئًا على المسيحيين أن يحصلوا على الموافقة ليس فقط عند بناء الكنائس بل حتى عند مجرد الحاجة إلى ترميم بسيط للكنيسة.

الشروط العشرة:
وفي محاولة لوضع ضوابط لبناء الكنائس تمنع الإشكاليات القائمة وضع العزبي باشا وكيل وزارة الداخلية في سنة ١٩٣٤ شروط بناء الكنائس في مصر وهي:
١. تقديم سندات ملكية الأرض المراد البناء عليها.
۲. لا تبنى كنيسة بالقرب من المساجد أو الأضرحة الموجودة.
٣. لا تبنى الكنيسة وسط تجمعات سكنية من المسلمين.
٤. توضيح ما إذا كان المسلمون لا يمانعون إذا كانت الكنيسة وسط تجمعات سكنية للمسلمين.
٥. توضيح ما إذا كانت هناك كنيسة أخرى لنفس الطائفة بنفس المربع السكني.
٦. توضيح المسافة بين البلدة المراد البناء بها وأقرب كنيسة موجودة.
٧. توضيح عدد أفراد الطائفة الموجودة بالبلدة.
٨. إذا كانت الكنيسة المراد بنائها قرب ترع أو جسور أو منافع عامة. يجب أخذ رأي تفتيش الري أومصلحة السكة الحديد أو المصلحة المختصة.
٩. عمل محضر رسمي لكل التحريات المطلوبة.
١۰. يقدم مع الطلب رسمًا هندسيًا (خريطة) بمقياس ١۰۰۰/١ للموقع موقعًا عليه من كل من المهندس ومعتمد من رئيس الطائفة الدينية.

نقل سلطة ترميم الكنائس للمحافظين:
إزدادت شكوى المسيحيين من تباطؤ إستخراج التصاريح الخاصة بصيانة الكنائس نظرًا لأنها يلزم موافقة رئيس الجمهورية عليها حتى ولو كان هذا يتعلق بإصلاح تواليت في دورة مياة. وفي سنة ١٩٩٨ أصدر الرئيس حسني مبارك قرارًا جمهوريًا بنقل اخصاصات ترميم الكنائس للمحافظين بينما احتفظ لنفسه بسلطات التصريح ببناء الكنائس الجديدة.

القانون الموحد لبناء دور العبادة:
ولكن مع هذا لم تتحسن الأوضاع فما زالت المشاكل تحيط بهذه القضية وما زال المسيحيون يشعرون بالغبن وعدم المساواة في المعاملة مع المسلمين، وهذا ما أدى إلى إرتفاع أصوات تنادى بإصدار قانون موحد لدور العبادة الإسلامية والمسيحية. ولكن مشروع هذا القانون أخذ يتخبط بين الجهات المسئولة وعندما وصل أخيرًا إلى مجلس الشعب استمرت محاولات تأجيل مناقشته من دورة إلى دورة. وحتى الآن ما يزال حبيس الأدراج.
وحتى مع افتراض أن القانون سيتم مناقشته وإقراره في يوم من الأيام فمثل كل المحاولات التي سبقته ليس هناك ضمان أنه سيحل كل المشاكل وسيساوي فعلاً بين الكنيسة والجامع. ومن ما تسرب عنه من بنود قيل أنه سيتضمن بندًا يحدد النسبة بين عدد الجوامع وعدد الكنائس. ولا نعلم ما هو الأساس الذي سيُستخدم لتحديد هذه النسبة وهل هي نسبة التعداد المسيحي بالنسبة للتعداد الإسلامي التي لا نعرف صحتها ونشك مقدمًا في صدق أي أرقام تضعها الحكومة في هذا الشأن.

خلاصة القول أن موقف الإسلام الحقيقي ثابت وهو رفض وجود الكنائس في العالم الإسلامي. وهذا يضع حكام العالم الإسلامي في وضع حرج بين تنفيذ نصوص الشريعة الإسلامية التي ترفض الكنائس وبين تنفيذ التزامات الشرعية الدولية التي تضمن حرية العبادة وترفض أي حظر على بناء دور العبادة. وتحاول الحكومات أن تجد لها مخرجًا شرعيًا يسمح لها بالتوفيق بين الموقفين. وهنا تلجأ الحكومات الإسلامية إلى رجال الإفتاء حتى يسعفوها، وقد صرح الشيخ القرضاوي في فتوى عن حكم بناء الكنائس في البلاد الإسلامية فقال أنه جائز بشرطين الأول: إذا كان للنصارى حاجة حقيقية لذلك، والثاني: إذا أذن ولى الأمر بذلك. مثل هذه الفتوى وإن كانت قد خلقت مخرجًا للحكام المسلمين، ولكنهم مع ذلك يتعاملون بحرص مع هذه القضية لأنهم يعلمون جيدًا أنها قضية متفجرة وأنه ليس كل مسلم يتفق مع هذه الفتاوى.
وبعد هذا كله لا أدري إذا كان هناك أمل في يوم من الأيام أن يتم التعامل مع بناء الكنائس مثل بناء الجوامع في العالم الإسلامي. ولكن مع استمرار الضغوط العالمية ربما يضطر المسلمون إلى تطوير بنود الشريعة الإسلامية لتتمشى مع الشرعية الدولية. هذا خصوصًا أنه لا يوجد حظر مماثل لبناء الجوامع في العالم الغربي المسيحي. وإلا فلا أحد يلوم الغرب المسيحي إذا اتبع مبدأ المعاملة بالمثل (والبادي أظلم).
Mounir.bishay@sbcglobal.net

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٠ صوت عدد التعليقات: ٥٤ تعليق