بقلم: محبة مترى
من القراءات المحببة الى قلبى في الكتاب المقدس قصة يوسف في سفر التكوين التي كلما اعدت قراءتها توقفت كثيرا عند هذا الجزء الرائع المؤثر عن يوسف في تكوين ( 45 :1 )
" فلم يستطع أن يضبط نفسه لدى جميع الواقفين عنده فصرخ أخرجوا كل انسان عني فلم يقف أحد عنده حين عرف يوسف أخوته بنفسه فاطلق صوته باكيا فسمع المصريين وسمع بيت فرعون وقال يوسف لاخوته انا يوسف. أحى ابى بعد. فلم يستطع اخوته ان يجيبوه لانهم ارتاعوا منه".
أخذت اتأمل فى كلمات الوحى المقدس تعايشت مع يوسف, شعرت بشعوره, بكيت معه, بركان من المشاعر المتناقضة انفجر بداخله, امتزج فيها الحزن بالفرح, والالم بالأمل, جرح غائر فى القلب مع سعادة اللقاء , لسان حاله يود لو يقول كلمات كثيرة ولكنه يحتاج الى ثلاثة عشر عاما اخرى هي عمر معاناته منذ ان باعه اخوته الى لحظة لقائه بهم ليصفها, اختنقت الكلمات وحل محلها صوت البكاء علي غدر اقرب الاحباء له أخوته واقرب الناس الى قلبه, لم يؤذهم يوما بل احبهم ولم يتوقع منهم غدرا, كم من المرات تسائل وهو ملقى في ظلمات السجن بين جدرانه الرطبة عن جرمه, وهل كان هو أحلامه التى اثارت حسدهم؟ أم أن جرمه الذى لم يرتكبه هو تدليل ابيه له بعد وفاة امه؟ والذى جعل أخوته يشعرون بالغيرة والضغينة تجاهه؟
ومما زاد من الام جراحه انها ليست من القريب فقط وانما من الغريب ايضا فوطيفار الذي خدمه بكل امانة واخلاص.
كم من الليالي قضاها وحيدا يجتر ذكرياته فى بيت ابيه في حضنه المحب الذي عوضه عن فقد الام وكيف اصبح في أحضان الأسر والهوان, ولم يجد اجابة لتساؤلاته او يطيب جراحاته غير ايمانه القوى بان الله لن يتركه وان ذلك لغرض وقصد يعلمه هو وحده.
قد تكون كل تلك الافكار مرت بذهن يوسف اثناء اللقاء باخوته وجعلته يبكى متأثرا الا ان أفكار أخوته كانت أفظع فقد ارتاعوا وافقدتهم الصدمة توازنهم وربما ظنوا انه سيصدر امرا باعدامهم الفورى, ولكن يوسف بمحبته وتسامحه شعر بما يجول بدواخلهم ونطق بهذه الكلمات:
" أنا يوسف أخوكم الذى بعتوه الى مصر والآن لا تتأسفوا ولا تغتاظوا لانكم بعتونى الى هنا . لانه لاستبقاء حياة ارسلنى الله قدامكم لان للجوع فى الارض الآن سنتين . وخمس سنين ايضا لاتكون فيها فلاحة ولا حصاد. فقد ارسلنى الله قدامكم ليجعل لكم بقية فى الارض وليستبقى لكم نجاة عظيمة. فالآن ليس انتم ارسلتونى الى هنا بل الله." ( تكوين 45 : 4 - 8).
وقد ظلت حالة التوجس من أخوته تجاهه حتى بعد وفاة والدهم وقالوا لعل يوسف يضطهدنا ويرد علينا جميع الشر الذى صنعناه به وذكروا له وصية ابيهم ان يصفح عن ذنبهم وخطيتهم فبكى يوسف وقال كلماته التي تقطر بالمحبة والصفح:
" فقال لهم يوسف لاتخافوا. لانه هل انا مكان الله . انتم قصدتم لى شرا. اما الله فقصد به خيرا لكى يفعل كما اليوم . ليحيى شعبا كثيرا. فالآن لاتخافوا. انا اعولكم واولادكم. فعزاهم وطيب قلوبهم".( تكوين 50 :19 -21).
ان يوسف- وهو رمز للسيد المسيح- سامح وصفح وتجاوز مشاعره البشرية وارتفع بها الى مقاصد الله وانتظر بكل رجاء وثقة وايمان.
ما أعظمك يارب وما أعظم مقاصدك لحياتى ايها الآب المحب يامن تستخدم كل الاشياء وتجعلها تعمل معا لخيرى, يامن تبدل الشرالمتربص بى وتحوله خيرا يملأ حياتى , يا من أحببتنى وأحييتنى, يامن ضربت اروع المثل في التسامح والصفح والغفران , سامحنى وأعطني أن افهم حكمتك , غير مشاعرى الحجرية وانزع من قلبى الانانية وساعدنى اسامح غيرى كما سامحتنى بالكثير , ودع هذه الكلمات لاتغيب عن عينىّ :
" كم مرة يخطئ الىّّ اخى وانا اغفر له؟ هل الى سبع مرات؟ قال له يسوع لا اقول لك الى سبع مرات بل الى سبعين مرة سبع مرات"( متى 18: 21-35 ).
" فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت أن لاخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك وحينئذ تعالى وقدم قربانك"( متى 5 : 23).
"محتملين بعضكم بعضاومسامحين بعضكم بعضا ان كان لاحد على احد شكوى. كما غفر لكم المسيح هكذا انتم ايضا." (كولوسى 3: 13). |