بقلم: ماجد سمير
"ماليش نفس اشتغل" قالها سعيد الذي يؤكد دائمًا أنه اسمًا على غير مسمى وأن حياته لا تمت إلى السعادة بأي صلة، وفكر مرة أن يذهب إلى السجل المدني ليغير اسمه إلى حزين أو كئيب أو على حد تعبيره أي حاجة منيلة بستين نيلة، سعيد خرج من باب دكانه وقعد على الكرسي المتواجد خارج الدكان دائمًا.
وأشار لعليوة صبي القهوة المواجهة للدكان من الناحية الأخرى من شارع السد بالسيدة زينب واضعًا أصبعه الإبهام أمام فمه بما يعني أنه يريد شيشة، وأضاف موجهًا حديثه لمهدي صاحب محل الأحذية المجاور لدكانه أقعد يا مهدي نشرب شاي ونظر لصبيه في الدكان وقال: اعمل لنا يا بني كوبايتين شاي، وسحب كرسي تاني ووضعه بجواره مشيرًا لمهدي بالجلوس.
جلس مهدي في نفس اللحظة التي وصلت فيها الشيشة امسكها سعيد وسحب نفس طويل تلاه سحابة دخان جعلت مهدي يسعل ويقول إيه دة أنت بتشوي سمك ولا بتشوي بطاطا كل دة دخان، دة أنت باين عليك مخنوق قوي يا صاحبي، مالك فيه إيه يا سعيد؟؟ رد سعيد قائلاً: ياه يعني مأنتش شايف وحاسس باللي إحنا فيه من صباح ربنا ومحدش قال لنا أنتوا فين فاتحين والحال واقف طب هانعيش إزاي ونصرف منين؟
وابتسم وأكمل كلامه وقال الله يرحمك يا با، قال لي يوم ما اشتريت المحل دة، هو في حد يفتح محل في شارع اسمه "السد" دة حتى يبقى فال وحش وحال المحل هايبقى "سد" زي اسم الشارع!
رد مهدي وهو يمسك صنية الشاي من الصبي ويعطي سعيد كوبه وبضع الصنية على الأرض وياخد الكوب الثاني ويرتشف رشفة كبيرة بالرغم من سخونة الشاي وقال: أبوك والله كان عنده حق، العملية "سد" بشكل مالوش حل، وأنت كمان بتبيع أدوات صحية يعني رزقك بيبتدي لا مواخذة أول ما البلاعة "بتتسد" أبتسم سعيد ونظر لصديقة يا أخي دة حتى عبد الحليم حافظ مستقصدني.
رد مهدي متسائلاً: أزاي، فرد سعيد قائلاً: العندليب لما غنى وطني قال "الحكاية مش حكاية "سد" ولما قلب عاطفي قال: طريقكك يا ولدي "مسدود .... مسدود ...... مسدود" وانفجر الاثنين معًا في الضحك.
واستمر الحديث بينهما بهذا الشكل إلى أن وصلت الساعة العاشرة مساءًا، فوقف سعيد وقال للصبي بخشونة: اقفل ياد وتيجي بكرة بدري، في الوقت نفسه قام مهدي ودخل محله وهو يقول لسعيد: سيبها على الله بكرة تفرج.
أشار سعيد ملوحًا بيده ما يعني تحية السلام ومشى متجهًا لأول الشارع ليأخذ أي مواصلة لمنزله، فجرى نحوه عليوة مناديًا عليه وهو يعبر الشارع: يا عم سعيد.. يا عم سعيد أنت هاتمشي من غير ما تحاسبني، نظر له سعيد وقال وهو مستمر في السير بكرة..... بكرة هي الدنيا طارت...... مكونش حجرين عمي من نشارة الخشب اللي بتطفحها لنا أنت والمعلم بتاعك.
سعيد الذي لم يكن سعيد استمر في السير وهو يحدث نفسه غير مبالي بنظرات الناس إليه، ورأسه تعمل وتدور طارحة عدد من الأسئلة لا إجابة لها كلها تنحصر في إطار احتياج الفلوس سواء للموردين وموعد استحقاق ثمن البضاعة للمحل، أو قرب السنة الدراسية ومصاريف المدارس والدروس الخصوصية للثانوية العامة لأولاده الكبير داخل ثالثة ثانوي والوسطى ثانية ثانوي والصغير في الإعدادية، والضرائب و....و.....و..... كلها متطلبات وبنود لا يعرف كيف سيتعامل معها وقال نفسه أزاي الحاجات دي ها تتسد؟، فجأة ضحك بصوت عالي وقال حتى الديون كمان ها "تتسد". |