بقلم: زهير دعيم
أمسكتُ مصباحي وجُلْتُ وجُسْتُ في ثنايا وحنايا حياته؛ في كلِّ نقطة وهمزةٍ وفاصلة ، وفي كلِّ قول وفعل وتصرّف .
جلْتُ طولا وعرضًا في ولادته وطفولته وفتوته وشبابه ورجولته..
جلت باحثًا عن شائبة ، عن هفوةٍ ، عن زلّة لسان ، عن تصرّف لا يليق ، عن خطيئة او ظلّ خطيئة ، أو خيال إثم ، فلم أجد..
أتراني أقول لغزًا ؟!
أتراني أغوص في عتمات الخيال ؟
أم أنّ الجواب واضح وضوح الشمس وكقلب الصّباح .
وكيف لا يكون واضحًا والولادة العجيبة ، الفريدة ، البعيدة عن زرع رجل ، والتي هلّلت لها جوقات السّماء ، وأحتفل بها عظماء الكون ومساكينه ورعاته ، وذاك النجم الفريد الذي تقدّم المجوس من المشرق ، ليقدّموا له الذهب واللُّبان والمُرّ والسّجود والتمجيد .
قرأت الكثير من السّيّر الحياتية ، وعايشت الكثيرين من الرجال ، وماشيت الكثير من الناس ، فما وجدتُ سيرة أعطر وأطهر من سيرته.
سيرة تفيض نقاوةً وطهارةً، وتشعّ أملا ورجاءً ، وتمتلئ عطاءً وبذلاً ، وتعِجُّ بالمعجزات والخوارق ، وتتسربل بالمحبّة .
جاع وهو الذي أشبع الألوف.... والبشرية كلّها .
عطِش وهو الذي سقى من ينبوع مائه الحيّ الملايين.
التحفَ الثرى وهو الذي خلقَ الملوك والقصور والحرير والبزّ والأرجوان.
حزِنَ وهو الذي عزّى الأرملة والفقير والحزين والمظلوم والباكين والبائسين والمرضى من اليهود والأمم وما زال .
صمت ولم يفتح فاه وهو الذي أوجد الحكمة وخلق البلاغة والخطابة.
أهينَ وهو ربّ المجد ، ورئيس ملوك الأرض.
جُلِدَ وهو الذي بجَلدتِهِ شفى كثيرين .
من أين لهذا الفتى هذه الحِكمة ، صرخ شيوخ اليهود وهو يحاججهم في الهيكل بعد ان نسيه أبواه مدة طويلة !!!
من هذا الذي ارتجّت المدينة كلّها وهو يدخلها راكبًا على جحش ابن أتان !!!
مَنْ هذا الذي يقول لميت قد انتنَ هلمّ خارجًا ...فلا يتباطأ .
من هذا الذي يخلق من الطين عينًا !!!
من هذا الذي يهدِّئ العاصفة والبحر ويمشي على المياه !!!
من هذا الذي لا يُجادل ، ولا يُعاند ، ويدفع الجزية وهو في حِلّ منها ، ويغفر للزانية ، ويُقوِّم المُخلّع ويشفى الأبرص !!!
من هذا الذي لا شائبة أبدًا في خُلقه وأخلاقه ومزاياه وكيانه وصورته وأحاسيسه وأفعاله !!!
من هذا الجبّار الذي ارتضى أن يصارع الشيطان في عقر داره ويجرّه مُهانًا في سراديب الهاوية !!!
من هذا الذي يفوح من سيرته النردين والعطر والأريج والشذا !!!
من هذا الذي عُلِّق ما بين الأرض والسّماء لأجلكَ ولأجلي !!!
من هذا الإله الكامل والإنسان الكامل ولكن بلا خطيئة !!!
أتراني ما زلت أقول لُغزًا ؟!!!! |