هو رجل (علماني) بمعنى أنه لا يثق إلا بـ (1 + 1= 2)، ومن هواياته أنه يحب أن يعمل تجاربه مع الآخرين، وأنا من ضمنهم.
فقال وكأنه يخبّرني: تصور أن أمامك فرخا من الورق العادي (الإستاندر)، ثم اقطع الفرخ قطعتين وضع إحداهما على الأخرى، ثم اقطع القطعتين أربع قطع وضع بعضها فوق بعض، ثم اقطع هذه وارصف القطع الثماني بعضها فوق بعض، وامض على هذا المنوال حتى تعمل عملية القطع والرصف خمسين مرة، فماذا تعتقد أن يكون ارتفاع كومة الورق التي أمامك؟!
أخذت أفكر قليلا لأنني لم أتوقع السؤال الذي طرحه عليّ، ولكنني قلت له اعتباطا: بسيطة.. إنني أعتقد أنها لن تتجاوز: (متر واحد)، تبسم قائلا: لا إنه أكثر من ذلك بكثير جدا، فقلت له محتجا ومتهكما: مستحيل، يعني ما شاء الله (كيلومتر)، عندها تحولت ابتسامته إلى قهقهة وقال لي: كم أن خيالك محدود وقاصر.
الواقع أنني (انقمصت) وأحسست أنني تهزأت، وظهر على ملامحي شيء من التشنج، ويبدو أنه لاحظ ذلك، لهذا قال لي وهو يمد لي فرخا من الورق: هل تريد أن تجرب؟!
تناولت من يده فرخ الورق بحدة، ثم طويتها وقسمتها قسمين، وبدأت بالقطع والرصف، وعندما وصلت إلى المحاولة الثامنة لم أستطع حيث إن مساحة القطع أصبحت أقل من (واحد سنتمتر مربع)، حتى المقص الذي استعنت به لم يستطع قصها.
عندها توقفت يائسا، فنظر إلي قائلا: الله يهديك.. مشكلتك التي لم تستطع أن تتخلص منها حتى الآن هي: تحديك ومعابطتك لمن هم أعلم منك في أمور لا تفقه فيها شيئا، ونصيحتي لك: حاول أن تتخلص من هذه المشكلة.
هززت له رأسي علامة الموافقة والاستسلام.
ويا ليته اكتفى بهذا (التهزيء) وتوقف، بل استرسل قائلا للجلوس معنا: أرجوكم لا تجاملون أي قليل علم، أو خفيف عقل، أو محترف مشاكسة، يريد أن يستعرض وكأنه يقول للناس (شوفوني). إن هذا النموذج من الناس يا إخوان (مريض) وفي حاجة قصوى للعلاج اليوم قبل باكر.
وطوال كلام هذا الرجل العالم، كنت منكمشا على حالي وأردد بيني وبين نفسي: يا الله متى يسكت ويعتقني من هذا الهجاء القاسي؟!
وأخيرا سكت برهة ثم التفت لي قائلا بكل (قلاطة): إليك الجواب الصحيح (يا حضرة) يا بتاع (المتر والكيلومتر)، إن الجواب الصحيح هو: (17 مليون ميل) تقريبا.
قال ذلك وسط دهشتي وانعقاد لساني، ثم أمسك بورقة وقلم وقال: بعد القطع الخمسين يكون عدد القطع نحو (1.126.000.000.000.000)، ولما كان سمك ألف ورقة موضوعة بعضها فوق بعض يبلغ بوصة واحدة فارتفاع هذه القطع يكون أكثر من 17 مليون ميل، هل فهمت يا شاطر؟!
عندها قلت سبحان من (علم الإنسان ما لم يعلم)، ولكن ممكن آخذ الورقة التي حسبت عليها حسبتك؟!، فأعطاني إياها ـ أو بمعنى أصح قذفها بوجهي.
والله يعين من سوف يصف هذه المقالة على كتابة ذلك الرقم الفلكي بدقة، والله يعين القارئ أكثر على قراءته.. والحمد لله أنني ما زلت (بيبي علماني).
نقلا عن الشرق الاوسط |