بقلم: مودي يوسف شحاتة
أفقت من نومي مبكرًا كعادتي كل صباح وذلك قبل أن أذهب إلى عملي بوقت كافٍ للغاية يتعدى الساعتين بكثير، وفتحت شباك غرفتي لأشتم نسائم الهواء العطرة في الصباح النادي ودخلت بعد قرابة العشر دقائق لأحتسي فنجان قهوتي الذى أحضرته لي زوجتي، ثم قمت بزيارة لدولابي لأخرج منه أفضل ثياب لديّ لأذهب مهندمًا لعملي الذي لا يبعد كثيرًا عن منزلي، وما المشكلة حتى ولو بعدت المسافة فالمواصلات متاحة بجميع أصنافها في أي وقت ولأي مكان كان، ثم تناولت بعدها إفطاري الشهي الذي يحوي جميع مصنفات الطعام الجيد من بروتينات وفيتامينات وكل ما يتعلق بهذه المصطلحات الصحية، ثم نزلت فإذ بى أجد عامل النظافة يتبسم لى بسمة توحي بأنه راضٍ تمامًا عما كتبه الله له.
أكملت مسيرتي بعد أن تبادلت تحيات الصباح مع جيراني الذين تربطني وهم علاقات المودة والرحمة، ثم ذهبت مباشرة إلى عملي الذي وصلت له قبل بدء ميعاده الرسمي بحوالى نصف الساعة ووجدت هناك باقي زملاء العمل في همة ونشاط متحفزين لبدء اليوم الجديد في العمل ليقدموا لباقى الناس أفضل خدمة برضا وطيب خاطر. وبدأنا العمل وانتهينا في الميعاد الرسمي وهو الثانية والنصف وذهبت لمنزلي مباشرة لأجد الغذاء جاهزًا وزوجتي وأطفالي بانتظارى لنتناول سويًا طعامنا، وبعد تناول هذه الوجبة الشهية إتجهنا إلى غرفنا لنقضي ساعتين في راحة تامة بعدها ذهبنا نحن كعائلة واحدة للسينما لنشاهد أحد اروع الأفلام التي تُعرض على شاشات السينما المصرية والتي ترسل رسائل تبث الإحترام والوقار والحياء في نفوس أطفالنا وشبابنا، ثم عدنا إلى منزلنا لنتناقش في النقاط المهمة التي أثرت فينا في هذا الفيلم ثم مع دقات الساعة العاشرة مساءًا ذهبنا لنخلد للنوم العميق لنهيئ أنفسنا لبدء يومًا جديدًا في الصباح التالي.
إستيقظت في الصباح التالي ولكن على صرخة مفزعة كادت أن تودي بحياتى عندما صاحت زوجتي فيّ لأقوم مسرعًا فبقى على ميعاد العمل عشر دقائق فقط، وكان عليّ أن أقوم مسرعًا لأرتدي ما أقابله من ملابس تاركًا زوجتي وأطفالي دون تحية متجهًا صوب الشارع مندفعًا لا أرى أحدًا أمامي إلا مدير عملي الذي كان بانتظاري لدى وصولي متأخرًا نصف ساعة كاملة، وبرغم أننى عللت له سبب تأخري عن العمل أن المواصلات مزدحمة جدًا ونادرًا ما تجد وسيلة واحدة تصل بها إلى العمل لكنه صاح وأعلن أنه تم خصم ثلاث أيام من مرتبي وذلك لتكرار تأخري عن العمل وعدم الحضور في الأوقات الرسمية، وقمت بمزاولة عملي كالعادة بيد مرتخية وتقاعس ممزوج بلامبالاة حقيقية وانتهى وقت العمل وذهبت، ولكن ليس لمنزلي بل لشركة خاصة لأعمل بها فترة مسائية لأوفر القوت اللازم لأفراد عائلتي التي أصبحت على وشك الضياع بسبب مصاريف التعليم والطعام والشراب والصحة وغيرها وغيرها من الأمور التي وبدلاً من أنها ترفع عنا أحمالنا إلا أنها تزيد من طين مشكلاتنا بلة، وقمت بعد انتهاء عملي في تمام الساعة الثانية عشر مساءًا أننى ذهبت لأتسوق بعض المشتريات التي أرادت زوجتي أن أحضرها إليها ودخلت منزلي في تمام الواحدة صباحًا، وجلست مسترخيًا على أريكة قديمة كانت قد أهدتها لي أمي عند زواجي، وأدركت بعد فترة وجيزة أنني لم أذق طعم الطعام طوال ساعات النهار فصرخت في زوجتي أن تحضر لي أي شيء لأتناوله، وفكرت فيما حدث لي خلال هذا اليوم المنقضي، فأدركت أن ما حدث قبل استيقاظي كان حلمًا مجرد حلمًا والواقع داهمني بصرخة زوجتي للقيام بالذهاب للعمل.
وقتها تمردت.. فلا يجب أن تقهرني الظروف هكذا، فلا راحة من العمل ولا طعام صحي وأغلبية كميات الماء التي تتناولها ممزوجة بصرف صحي أو أنها صرف صحي كامل الدسم، ولا تجد وقتًا لتجلس به مع أطفالك وزوجتك أو لتذهب لمكان ما لترفه فيه عن نفسك وعائلتك، ولا خدمات صحية أو خدمية أو إجتماعية ولا تواصل بين الجيران وبعضهم بل تجد مشاجرات ومشاحنات بين البعض والبعض الآخر على أتفه الأسباب، وأصبحت لا ترى باقي أفراد عائلتك سوى مرتين أو ثلاثة في العام الواحد على الأكثر، ناهيك عن القوانين التي تخنقنا وكميات الفواتير التي ترهق عقولنا وتنحر جيوبنا، ومشاكل ومشاكل متعددة جعلتني أشعر بأننى لا بد وأن أتحرك، ولكن وقتها كان لا بد أن أتحرك في اتجاه حجرة نومي لأغفو قليلاً لأستيقظ مبكرًا لأعاني مرة أخرى يومًا آخر يبدأ وينتهي بنفس السيناريو السابق لأيام فائتة قبله، مدركًا أن التغيير ليس مستحيلاً وأن الحياة لا بد وأن تتغير وحالي لا بد وأن يصير للأفضل، ولكن لم أستطع الرد على سؤال واحد وهو متى يمكنني فعل ذلك؟ فأنا حقًا لا أدري!!! |