CET 13:06:24 - 27/07/2012

مقالات مختارة

بقلم : عادل حموده - الفجر

الرئيس يفجر انتفاضة الزبالة فمن يقضى على الفقر والفساد والبطالة؟!
شعار الثورة المقبلة: «علينا وعلى حكامنا يارب !

يتبادل المصريون التهانى بحلول شهر رمضان بنفوس مسدودة.. مكسورة.. فلا هم طيبون.. ولا بلادهم سعيدة.
 
إن جملة «كل عام وأنتم بخير» تبدو هذه السنة مثل ورقة نقد مزيفة.. غير قابلة للصرف.. أو مثل شهادة زور.. غير قابلة للتصديق.. أو مثل الظهور علنا بوجهين.. ما ينطق به اللسان لا يصدقه القلب.. أو مثل الضحك بشفتين جافتين.. إحداهما من خشب والأخرى من بلاستيك.
 
لو أصر أحد على أن ينطق أمامك بهذه الجملة أسحبه إلى المحكمة بتهمة البلاغ الكاذب.
 
إن لغة الخير يجب أن تكون بمساحة الخير.. وإلا تحول الكلام إلى رشوة علنية.. اللغة لا تنفصل عن حال الناس.. ومتاعبهم.. وأحزانهم.. ومخاوفهم.. وإلا فقدت ذاكرتها.. وحواسها.. وتأثيرها.. وقدرتها على الفعل والانفعال.
 
كيف ننطق بكلمة خير.. وكل ما حولنا شر؟.. كيف نأمل فى السعادة.. ونحن غارقون فى التعاسة؟.. كيف نتمنى الرخاء.. ولا تبيع المخابز سوى خبز وفطائر الشقاء؟
 
لقد تجاوزنا مرحلة البلطجة.. والخطف.. والسب.. والتجاوز.. وطلب الفدية.. وقطع الطرق.. وسرقة البيوت.. والتحرش الجنسى.. والقتل باسم اللحية.. والسطو على سيارات الأموال.. وإجبار سلطات القانون على الإفراج عن المحكوم عليهم فى قضايا المخدرات.. وبيع الترمادول علنا.. بجانب أقسام الشرطة.. تجاوزنا مرحلة الفوضى وتهريب السلاح وإعلان دولة الباعة الجائلين الذين فرضوا إرادتهم على السوق والمرور.. وإمبراطورية البناء على الأراضى الزراعية.. وبناء المدن الجديدة بتلال القمامة.
 
تركنا هذه المرحلة بكل ما فيها من انفلات فردى إلى مرحلة أخطر وأسوأ.. مرحلة الخراب الجماعى.
 
لم نتوقف طويلا عند حادث وضع فلنكات خشبية على الخطوط الحديدية لقلب القطارات.. وقتل من فيها.. حادث أسود.. شرير.. مذهل.. يدخلنا فى المرحلة الجديدة من الانفلات.. التدمير الجماعى.. إذا لم يأت قطارى فى موعده دمرت القطارات التى تسبقه.. لا يهم الأموال المهدرة.. ولا النفوس التى ستقتل.. ولا الخدمات التى ستضعف.. المهم أن ننفذ ما نريد.. ونفرض ما نشاء.. فأنا وبعدى الطوفان.
 
وحدث أن هدد عمال شركة أبوقير للأسمدة بإيقاف مبردات التنكات العملاقة لغاز الأمونيا إذا لم يستجيبوا لمطالبهم.. وإيقاف المبردات يعنى تفجير الغلايات.. ونشر سحب كثيفة مسممة فى سماء الإسكندرية.. تقتل.. وتكتم النفس.. وتلوث البيئة.. وتضعف الصحة.. وتزيد من المرض.. والمثير للدهشة أن توقيت التهديد تزامن مع زيارة محمد مرسى لحضور حفل تخريج دفعة جديدة من الكلية البحرية القريبة من المصنع فى منطقة الطابية.. ولم يجد الدكتور أسامة الفولى محافظ الثغر سوى أن يتعهد للعمال بتنفيذ مطالبهم كى يتجنب الكارثة.. لكنه.. كان يعلم بأنه لا فى صلاحياته ولا فى قدرات رئيس الجمهورية تنفيذ المطالب.. فتقدم الرجل باستقالته فى حالة نادرة من حالات احترام الذات والمنصب.
 
ولو كانت حكمة الرجل أنقذت البلاد من مصيبة هذه المرة فإن استمرار الترهل السياسى والضعف الأمنى والحكم العشوائى والعجز الحكومى ستدفع جماعات المطالب غير المحققة إلى هدم المعبد.. فوق رءوسنا.. ورءوسهم.. لا يهم فليس لديهم ما يخسرونه.. عليهم وعلى أعدائهم.. فماداموا لم يحققوا التعادل بينهم وبين غيرهم وهم على قيد الحياة فليحققوه فى سجلات الوفاة.
 
لقد استهترنا بمطالب الناس.. القينا بها من الطابق التاسع والتسعين.. ولا تزال عالقة بين السماء والأرض.. أفلتت رجلاها عن حافة الشرفة الضيقة.. ولم تجد شرفة بديلة تتعلق بها.. فلم يكن أمام أصحابها سوى السقوط والانتحار.. لكنهم قرروا الموت على طريقة التفخيخ والأحزمة الناسفة.. الرجل يموت أمامه عشرة.. والجنيه الذى أفقده يكلف غيره مليونا.
 
ناس جائعة.. خائفة.. ضائعة.. مظلومة.. يائسة.. لا تجد فى سواد ليلها الطويل شعاع نور.. لا تجد فى حكامها غير المحترفين قرار خير.. لا تجد فى مستقبلها القريب أو البعيد لحظة أمل.. لا تجد فى كل السياسات والحكومات المتتالية سوى الثرثرة والمنظرة.
 
حرضونا على الثورة فأسقطنا النظام.. طالبونا بالتضحية فقدمنا الشهداء.. دعونا للانتخابات فوقفنا فى طوابير طويلة تحت الشمس والبرد بالساعات.. استولوا على مكان الإمام فصلينا وراءهم.. قالوا إنهم أهل الله فأطلقنا لحانا.. لكنهم.. أيضا.. وعدونا بالمن والسلوى فلم نجد منهم سوى الفقر والجوع والمرض.. هم كاذبون.. منافقون.. مضللون.. محتكرون.. مجرمون.. منافقون.. فلماذا نبقى عليهم.. لماذا لا نحرمهم مما حرمنا منه؟.. لماذا لا نذيقهم مما نحن فيه.. الخوف.. والحرمان.. وعدم الأمان؟.
 
خلال الانتخابات أفرط محمد مرسى فى الوعود.. أوهمنا بأن فى يده عصا سحرية.. ستزيل القمامة لتبرق الشوارع.. ستنظم المرور لتسابق السيارات الريح.. ستعالج المرض ليسترد الشعب المنهك صحته ويفوت فى الحديد.. ستقضى على البطالة ليجد كل شاب وظيفة دون واسطة أو رشوة أو محسوبية.. ستحقق العدل.. فلا يقهر مظلوم.. ولا يسجن غارم.. ولا يفر مجرم.. ستزيل العشوائيات.. وينقل سكان القبور إلى قصور.. ستأتى بحكمة عثمان بن عفان وإيمان أبى بكر الصديق وحزم عمر بن الخطاب وجرأة على بن أبى طالب.. لكن.. كل ذلك كان صرحا من خيال فهوى.
 
انكشف الرئيس الإخوانى على حقيقته.. ضعيف.. عاجز.. متردد.. مناور.. لا تعرف من يفكر له.. ولا من يرشده.. وربما كان يتكلم بلسان غيره.. لكن مؤكد أنه يتفرغ للصراع على السلطة.. ويصر على التكويش عليها.. ويترك الشعب.. نصير الحاكم وسنده وقوته يعانى وحده.. يشكو ربه وحده.. وعندما فتح الله عليه.. هددنا بنفاد صبر الحليم.. توعدنا بأن نلقى بسيف القانون ما نمتلكه بقوة الديمقراطية.. الديمقراطية تعطينا الحق فى أن نحرمه من أن يكون فرعونا جديدا.
 
وبثورية بلا حدود.. أعلن الرجل انتفاضة «الزبالة».. تمخض الجبل فولد فأرا.. خرج علينا بثوب رئيس فوجدناه يتصرف مثل مسئول النظافة فى حى.. فلو كانت القمامة المسئولية الاستراتيجية العليا للرئيس فمن ينقذ الأمة من متاعبها المزمنة ومشاكلها القاتلة؟
 
ولن يمسك محمد مرسى بمقشة ويبدأ بنفسه.. كل ما فعل هو أنه ألقى بما وعد بتنفيذه على غيره.. ليبدأ هو وجماعته فى غرف العسل.. والغرق فيه.. عاد من السعودية ليجد تشريفة من تشريفات مبارك على طول الطريق.. فلم يعترض.. تضاعفت الحراسة التى رفضها عليه.. فصمت.. وجاء برجال أعمال ليديروا رئاسته.. نسى الانتقادات التى وجهها هو نفسه للنظام السابق.. ويمكن القول إنه تفوق عليها.. احتاج مبارك ثلاثين سنة ليصل إلى ما وصل إليه.. ولم يستغرق مرسى سوى ثلاثين ساعة كى يكرر المأساة.
 
الزبالة لنا.. والزبدة للإخوان.. هل هناك مبرر لتفجير مصر يأسا.. وقهرا.. وفقرا.. وعجزا.. أكثر من ذلك؟

نقلا عن الفجر

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع