CET 00:00:00 - 24/08/2009

مساحة رأي

بقلم: يوسف سيدهم
في منتصف مارس الماضي صدر الحكم النهائي للمحكمة الإدارية العليا بتأييد حق البهائيين المصريين في الحصول علي بطاقات الرقم القومي وشهادات الميلاد لأبنائهم دون ذكر أية ديانة,إنما يتم ترك خانة الديانة في أوراقهم الرسمية شاغرة أو يتم وضع علامة-أمامها للدلالة علي أن الديانة ليست واحدة من الديانة السماوية الثلاث التي تعترف بها الدولة والتي حددتها باليهودية والمسيحية والإسلام.
وعندما صدر هذا الحكم رحب به الكثيرون من المهمومين بواقع الحريات الدينية وحقوق الإنسان في مصر لأنه يضع حدا لمحنة البهائيين مع الأجهزة الرسمية والأوراق والمستندات الخاصة بهم وبأبنائهم,تلك المحنة التي امتدت إلي آفاق مؤسفة جعلتهم يعيشون في بلدهم دون هوية وعلقت حقوقهم في المواطنة رهينة قبولهم صاغرين أن يستعيروا إحدي الديانتين المسيحية أو الإسلام ليتم إثباتها في أوراقهم الرسمية كشرط لقيام الأجهزة الرسمية بالتعامل معهم ومع أبنائهم!!...الأمر الذي وصفته إحدي المنظمات العاملة في مجال حرية الدين والمعتقد في تعليقها علي حكم مارس الماضي بقولها:...الحكم يقضي بإلغاء السياسة الحكومية القائمة علي إجبار البهائيين علي تغيير معتقدهم أو الكذب بشأنه في مقابل الحصول علي كافة الخدمات والحقوق المكفولة لهم بوصفهم مواطنين مصريين.

ولمن لا يعرف كيف يتم ذلك يكفي أن نتذكر مأساة الأب البهائي الذي فؤجئ بأن ابنته طالبة الثانوية العامة لم تتسلم رقم جلوسها في امتحان الثانوية العامة دون باقي زميلاتها في الفصل,وعندما ذهب يستعلم عن الأمر لدي إدارة المدرسة أحالته إلي الإدارة التعليمية حيث التقي بمدير إدارة الامتحانات الذي عامله بجفاء شديد مبررا عدم إصدار رقم جلوس لابنته بأنها أثبتت في استمارة التقدم للامتحان أمام خانة الديانة بأنهابهائيةمستطردا بأن إدارة الامتحانات لا تعترف بذلك وأنه ما لم تكتب ابنته أمام خانة الديانة أنهامسلمةأومسيحيةلن يسمح لها بدخول الامتحان!!!
انفجرت هذه المشكلة العام الماضي وتصدت لها بعض منظمات المجتمع المدني حيث تولت إثارتها لدي وزارة التربية والتعليم لعدم حرمان الطالبة من الامتحان أو التنكيل بها بسبب ديانتها البهائية,وكان المفترض أن تتدخل الوزارة لحسم الأمر بما يكفل الحفاظ علي حق الطالبة في دخول الامتحان بغض النظر عن معتقدها الذي أخذته عن والديها ولا يجب إدانتها بسببه مثلها مثل زميلاتها من المسلمات أو المسيحيات اللاتي ورثت كل منهن ديانتها عن والديها...لكن ماذا حدث؟

بتاريخ2008/10/29 صدر الخطاب رقم4621/2 سري وشخصي بتوقيع رئيس الإدارة المركزية للأمن التابعة لمكتب وزير التربية والتعليم موجها لمديري مديريات التربية والتعليم بالمحافظات يقول نصه:أتشرف بالإحاطة أنه نظرا لتضرر بعض المواطنين البهائيين من عدم استخراج شهادات مميكنة مثبت في خانة الديانة(-) حتي يمكنهم إلحاق أبنائهم بالمدارس,حيث إن التعليمات تقضي بعدم جواز إثبات ديانة تخالف الديانات السماوية الثلاث المعترف بها بالبلاد,وفي ضوء عدم إثارة تلك المشكلة فقد وافق الأستاذ الدكتور الوزير علي قبول شهادات ميلاد ورقية مثبت بها(-) في خانة الديانة,وعلي أن يختار إحدي الديانتين الإسلامية أو المسيحية للامتحان....

كما أن الخطاب يحمل تأشيرة بخط اليد موجهة إلي إدارة شئون الطلبة والامتحانات من مدير الإدارة يقول فيها:السيد الأستاذ مدير إدارة الخدمات الداخلية بالمديرية,للتكرم بالنشر علي جميع الإدارات التعليمية وجميع المدارس التابعة لها للعلم والاطلاع والتنفيذ كل فيما يخصه....
هذا ما تفضلت به وزارة التربية والتعليم لحل مشكلة أبناء وبنات البهائيين,أن تقبل مستنداتهم الورقية التي تثبت أنهم غير مسلمين وغير مسيحيين وغير يهود لكن بشرط إجبارهم علي اختيار إحدي الديانتين الإسلامية أو المسيحية للامتحان فيها كمادة للدين!!!...توقفت أمام ذلك متعجبا وتساءلت:هل تعلم المنظمات الحقوقية التي سبق أن انتفضت تدافع عن البهائيين بأمر هذا الخطاب؟هل تعلم أن الواقع المختل لم يتغير وأنهم مازالوا يجبرون علي الكذب بشأن معتقدهم نظير الحصول علي الخدمة؟...إن الأحكام القضائية عندما تصدر لترسخ مفاهيم ومبادئ وتؤصل حريات وحقوقا يجب مراقبة تفعيلها جيدا لحمايتها من العبث بها ومن الالتفاف حولها من جانب الأجهزة الرسمية.

فمادة الدين موجودة ومعترف بها في نظامنا التعليمي كمادة تعطي لأتباع كل دين حتي ينشأوا عارفين بأصول دينهم ومبادئه وأركانه,لكنها ليست مادة يجبر علي دراستها والامتحان فيها من لا يتبع الدين الجاري تدريسه...وإذا كانت المحكمة حكمت بوضع علامة- أمام خانة الديانة للبهائيين فذلك مدلوله أنها تعترف بوضعهم الخاص بغض النظر عن اعترافها بمعتقدهم من عدمه وبالتالي لا تجبرهم علي أن يكونوا يهودا ولا مسيحيين ولا مسلمين,فكيف تأتي وزارة التربية والتعليم في معرض اتباعها لهذا الحكم فتجبر أبناء البهائيين علي الاختيار بين مادتي الدين الإسلامي والدين المسيحي؟!!!
لقد سبق أن كتبت عقب صدور حكم المحكمة الإدارية العليا في مارس الماضي متسائلا:قضية البهائيين...هل وجدت مستقرها؟...واليوم أقولقضية البهائيين لم تبلغ مستقرها بعد.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق