بقلم / ماهر ميشيل
نحمده وبخاطرها من الأسماء القديمة التي تطلق على الأنثى في مجتمعنا، وخصوصاً الريفي ويبدو لنا أن إسم نحمده هو إسم فيه تسبيح وشكر لله تعالى، فكل ما تنادي على "نحمده" المفروض أنك تشكر وتسبح الله، أما إسم "بخاطرها" إسم يثير الضحك والفكاهة وكأن البنت التي يطلق عليها هذا الإسم تعيش "بمزاجها" أو كما يحلو لها.
لكن المثير للتعجب والذي أدهشني جداًَ عندما قرأت عن المقصود من هذه الأسماء ، قرأت الآتي بالنص في سلسلة قضايا المرأة التابعة لموقع زواج سعيد جداً في جزء "الإغتصاب" للكاتبان: نعيم عاطف وآمال توفيق:-
(من هي الأنثى المظلومة المقهورة الذليلة المهانة؟ هل هي طفلة الجاهلية الموءودة يوم ولادتها؟، هل هي المرفوضة من والديها التي أطلقوا عليها إسم "بخاطرها" أو "نحمده" بمعنى أن قبولها نوع من التسليم بإرادة الله في الشدائد والمحن؟)
وكأن ولادة بنت في الأسرة ليس أفضل شيء، وكما نحمد الله في السراء نحمده أيضاًَ في الضراء فنسمى البنت "نحمده" على أساس أننا نحمده على هذا الضرر الذي أصابنا "وقدر الله وما شاء فعل"، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
جميل أن نحمد الله ونشكره فهذا أمر يريده الله منا أن نشكره في كل شيء لكن أن نتأسف على أنه لم يرزقنا ولداً ونسمي البنت "نحمده" فهذا حمد في باطنه تذمر وحمد غير مقبول منا لأننا نفرق به بين خليقة الله ، فالولد خليقته والبنت أيضاً خليقته.
أما عن "بخاطرها" فهو أشد إهانة وإساءة للمرأة من "نحمده" فعندما تشعر بالآسي أو بالفشل من شيء ما بعد تكرار المحاولات عدة مرات تقول "خلاص بخاطره" وكأني أقول إني لا أريد هذا الشيء ولكنه تم رغماً عني فأقول "بخاطره" أو "بخاطرها" رسالة رفض لهذه المخلوقة الأنثى التي أرسلها الله عطية ثمينة وأنا وأنت كآباء وأمهات نرفضها ونسميها "بخاطرها".
لماذا هذه التفرقة الشديدة بين البنت والولد؟ والتي تؤيدها بعض الأمثال الشعبية مثل "لما قالوا دي بنية وقعت الحيطة عليا ولما قالوا دا ولد أتشد ضهري وإتسند"، "هَمّ البنات للممات"، "البنت بنص عقل" ، "البنات خسارة وبدهن نظارة"، "سترة البنت جوازها"، "أبو البنات أبو المصايب"، "عقربتين على الحيط ولا بنت في البيت"، "أبو البنات مهموم حتى الممات".
زد على كل ذلك عبارة نرددها كثيراًَ وأنا شخصياًَ لا أفهم لها معنى محدد وهي عبارة "الراجل راجل والست ست" والتي تعبر عن وجود هوة كبيرة بينهما وأن أحدهما أعلى بكثير من الآخر، والرجل من طبقة عليا أما الست من الطبقة الدون!!
عندما خلق الله حواء خلقها من ضلع آدم (بجوار قلبه) وغنّى آدم فيها أول قصيدة شعر عندما قال "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي" وقال الله عنها أنها "معيناًَ نظيره" (نظير آدم) أي مساوية له في كل شيء في المكانة وفي القيمة وفي الحقوق وفي الواجبات فهي من فصيلة "الإنسان" الذي رفـّعه الله وأعطاه سلطاناً على كل المخلوقات ليكون سيداًَ عليها والإنسان – ذكر أو أنثى – مخلوقين على صورة الله ومثاله في أنه يملك إرادة حرة، عاقل، ناطق، مفكر، منتج ، إجتماعي، له روح ونفس وجسد سواء كان ذكر أم أنثى.
الإختلاف الوحيد والفارق بينهما هو ما يخص الجانب الجسدي، وذلك لإختلاف الأدوار والإثنان يتحدان معاًَ لتحقيق مشيئة الله في الأرض "اكثروا واثمروا واملأوا الأرض".
فليس عيباً ولا عاراً أن يرزقك الله بأنثى، فهذا التفكير هو "إهانة" ليست موجهة للبنت بل موجهه لله نفسه صانع هذه البنت، عندما يرفض شخص هديتك فطبيعي أن تشعر بالإهانة لأن الرفض ليس موجه للهدية بل لمقدم هذه الهدية، فالله هو الذي أعطاك "حواء" أم كل حي، فلا ترفضها وتقول: نحمده أو بخاطرها!!
الله كامل ولا يصنع شيئاًَ " ناقصاًَ" فكل خليقة الله جيدة وحسنة وخاصة الإنسان "حسناًَ جداًَ" فلا نهين الله بأن ننظر للمرأة على أنها كائن "ناقص" فكل أعمال الله عظيمة ونحن نسبحه ونقول له: "عظيمة هي أعمالك يا رب" هل هذه الأعمال فقط البحار والأنهار والمحيطات والمخلوقات الأخرى وعند المرأة نقول له "غير عظيمة"؟! فلنفكر بعقولنا.
يا الله نحمدك من أجل جمال خليقتك
فأنت بارع ومبدع في كل أعمال يدك
سامحنا على نظرتنا الدونية للمرأة وإهانتك
فسميناها بخاطرها ونحمده وهي صناعتك
تتهم المرأة بأنها عاطفية، والعاطفة موجودة عند الرجل والمرأة، هناك رجل عاطفي أكثر من المرأة، حتى وإن كان معظم النساء "عاطفيات" فهذا ليس إتهاماً لها، لكنه سر جمالها فهي تحتاج للعاطفة لتحب بها زوجها أولاًَ ثم أطفالها لكي تشبعهم بالحب والحنان الذي يحتاج إليه الطفل أشد الإحتياج.
والمرأة مفكرة ومدبرة وقائده سواء في بيتها أم خارجه، فلنقرأ التاريخ ونرى الملكات والقاضيات مثال "دبورة" التي قضت لشعب الله وكانت قاضية حكيمة وقادت حروب ضد شعوب الأعداء بكل قوة وإقتدار، يعوزنا الوقت إن سردنا عن مفكرات وقائدات صنعوا فرقاً في التاريخ، فالفكر والحكمة والعلم لم يتميز بهم الرجل وحده فالإثنان متساويان فيهما بل أحياناًَ كثيرة تتفوق المرأة وخاصة في مجال العلم.
أقول لمن يفرّق بين الرجل والمرأة، البنت والولد... فكر ولو قليلاً بعقلك، ما دليلك وما هو برهانك العلمي في أن المرأة أقل شأناًَ من الرجل؟؟
لنضفر جهودنا جميعاًًَ ونعمل معاًًَ من أجل "المساواة" وإلغاء الطبقية، فليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر وأنثى لأننا جميعاًَ واحد، فالجميع واحد وكلنا متساوون.
يا رب
ساعدنا أن نغيّر من عادتنا وتقاليدنا وأفكارنا
وأن نفكر بفكرك السامي ونترك ظلماتنا
وأن ننظر للمرأة نظرة حب وتقدير وإحترام
ولا نفرق بين ذكر وأنثى في القيمة والمقام
في شهر مارس من كل عام نحتفل جميعاً بعيد الأم، ونتسابق في شراء الهدايا للأم وللحماة وللمدرسات في مدارس أولادنا ويسود جو من الحب، وتذيع الإذاعات أغاني عن الأم وبرامج تلفزيونية تكرم وتعظم من دور وشأن الأم، فالأم تستحق هذا الإكرام وأكثر منه لأنها هي التي حبلت وولدت وربت وكبرّت وعلّمت وزوّجت الإبن أو الإبنة وتعطي من مالها ووقتها وصحتها لأولادها مهما كبروا، فالأم فيض من العطاء ونبع من الحب لا ينضب ولا يجف
ولكن الغريب والعجيب، أننا طول العام نصف هذه الأم (المرأة) بأنها ناقصة عقل ودين وأنها يجب أن تُضرب وتُجهر وأنها فقط أداة للإستمتاع الجسدي بشرط أن تعطيهن أجورهن، على ما تقدمه للرجل من متعة، والعجيب أيضاً أنها عندما تُرضع إبنها أو بنتها تأخذ من زوجها "أجرة" بدل رضاعة!!
وكأن الزوج قد إستأجر هذا "المعون" المسمى بالمرأة ليأخذ من وراءه هؤلاء الأولاد ليصيروا "أولاده" وليس أولادهما معاً!!
أي إكرام هذا الذي نصنعه بهدية مهما كان ثمنها رخيصاً أم باهظاً؟؟ ونحن نُصر على إهانتها بوصفها "إمرأة".
إذا أردنا الإكرام فعلاًَ علينا بإكرامها طول العام بنظرتنا لها بنظرة المساوأة وأنها لا تقل شأناًَ عن الرجل في شيء ولا نحرمها من الميراث ولا نعطيها فيه نصف الرجل!! وأن لا نحرمها من بعض المناصب والوظائف ولا نحجم دورها في الأعمال المنزلية وتربية الأطفال.
الإكرام الحقيقي للمرأة هو في أن نزيل كل مظاهر العنف ضدها، فلا تهينني في شارع (نحمده وبخاطرها) ثم تكرمني في عطفة (عيد الأم)، فلا تعود تسمى هذه الأم .. نحمده أو بخاطرها. |