CET 00:00:00 - 30/08/2009

مساحة رأي

بقلم: جوزيف جرجس
لقد قرأت الفتوى التي أصدرها الأزهر بناء على طلب المستشار نجيب جبرائيل رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. هنا انتهز هذه الفرصة لأتقدم للمستشار نجيب جبرائيل بالشكر على نشاطه وإقدامه وجهده في العمل الوطني من أجل كل المصريين.
أنا هنا لن أتعرض للموضوع الأصلي للفتوى ولكن لفت انتباهي فقرة في هذه الفتوى الرسمية والتي من وجهة نظري تحمل رسالة واضحة من شيوخ الأزهر الأجلاء إلى كل مسيحي مصر وإلى الكنيسة المصرية. ليس هذا فقط بل هي تحمل مطلب محدد واضح وعلني من المسيحيين ومن الكنيسة. تعالوا معي نتأمل هذه الفقرة التي وردت في الصفحة الثالثة من الفتوى:
"أما إذا أدعى المسيحيون في بلد ما أو في زمن ما أنهم على التوحيد الخالص وأنهم لا يعبدون ثلاثة ولا يعبدون أو يؤلهون يسوع في نفسه ولا ينسبون لله تعالى ولدًا فأن عبء بيان ذلك وتوضيحه للناس واقع عليهم، أما إذا قصّروا في تصحيح هذه المفاهيم فأن العذر مقبول ممن ظن فيهم غير ما هم عليه حتى يقوموا بواجبهم إزاء هذا التوضيح". 

لقد تضمنت هذه الفقرة ثلاث اتهامات وهي:

ـ عبادة ثلاثة
ـ تأليه يسوع في نفسه
ـ نسب ولد لله
لقد صاغوا هذه الاتهامات الثلاثة في أسلوب نفي ولكن سبقوها بكلمة "أدعى"، فهم يريدوا أن يقولوا الآتي:
نحن المسلمين وعلماء المسلمين لدينا اليقين إنكم معشر النصارى تعبدون ثلاثة وتؤلهون المسيح في نفسه وتنسبون لله ولدًا وبذلك فأنتم مشركين. وبذلك فأنتم تفعلون معصية الشرك بالله تعالى وعلى ذلك لا يجب على المسلم التبرع لمساعدتكم في فعل هذه المعصية، أما إذا ادّعيتم عكس ما نحن عليه بيقين فمسئولية توضيح هذا للناس تقع عليكم معشر المسيحيين وعلى الكنيسة. وإذا لم تفعلوا وقصرتم في تحمل مسئوليتكم فسنعلم نحن المسلمين ونحن علماء المسلمين أننا على حق في كل ما ذهبنا إليه من اتهامات، ويكون المسلمين على حق ليس فقط في عدم التبرع لبناء كنيسة ولكن أيضًا في محاولة عرقلة بناء الكنائس كلاً في مكانه وكلاً حسب قدرته وموقعة الوظيفي لأن أكبر معصية هي معصية الشرك بالله تعالى. وهذا سيكون إلى أن تقوموا بمسئوليتكم كمسيحيين وككنيسة في توضيح هذه الاتهامات للناس جميعًا.

إذا حللنا هذه العبارات نستنتج منها ما يلي:
- لأول مرة تخرج هذه الاتهامات بشكل رسمي في مستندات حكومية عليها ختم وزارة العدل!
- علماء الأزهر يوجّهون رسالة رسمية علنية واضحة وصريحة للكنيسة ولكل المسيحيين يوضحون فيها بما لا يقبل للشك كيف يرى المسلمين الإيمان المسيحي.
- هم هنا يرموا بالكرة في ملعب الكنيسة والمسيحيين ويحملوهم مسئولية ما يحدث لأنهم تقاعسوا عن توضيح إيمانهم إن كانوا بالفعل لا يؤمنون بثلاثة ولا ينسبون لله ولدًا ولا يؤلهون المسيح في نفسه.
- علماء المسلمين يتوجهون بطلب واضح للمسيحيين وللكنيسة بأن يردوا بشكل علني على هذه الاتهامات لكي يعلم كل الناس بما فيهم علماء المسلمين أنفسهم عمّا إذا كانوا المسيحيين مشركين أم لا، وعمّا إذا كان الإيمان المسيحي يدعو إلى الشرك أم لا. فقد ورد في الفقرة "فأن عبء بيان ذلك وتوضيحه للناس واقع عليهم".
- أنهم لم يطلبوا فقط توضيح هذا في كتاب موجّه لعلماء الأزهر ولكنهم قالوا "وتوضيحه للناس" أي لجميع المسلمين.
وأنا أرى أن شيوخ الأزهر لم يخطئوا إطلاقًا، فقط كتبوا ما تمليه عليهم ضمائرهم حسب ما يعتقدون ولم يفعلوا كشيخ الأزهر الذي يمارس التقية، فشكرًا لهم على شجاعتهم.

هنا أوجّه حديثي إلى المسيحيين داخل وخارج مصر وإلى الكنيسة داخل وخارج مصر، ها هم شيوخ الأزهر يذكرونا بمسئوليتنا ويدعوننا لتوضيح إيماننا لكل الناس بشكل علني لكي تعلموا مدى أهمية ذلك. أقص عليكم ما حدث منذ بضعة شهور في المدينة التي أعيش بها في ألمانيا:
لدينا في المدينة جامعة كبيرة يأتي إليها كل عام وفد دراسي من مصر يقوموا بعمل ماجستير أو دكتوراه. مجموعة من المصريين المسلمين ينظمون لقاء شهري بينهم يتحدثوا فيه عن أمور عقائدية إسلامية، في الجامعة يدرس أيضًا مصريين مسيحيين منذ عدة شهور جاء الشخص الذي ينظم هذا اللقاء الشهري الإسلامي وتكلم مع أحد المسيحيين في الجامعة وهو صديقًا لي وقال له:
"إننا ننظم لقاءًا شهريًا نتحدث فيه عن أمور دينية إسلامية. إننا نريد ترتيب لقاء عن المسيحية. نحن حتى الآن نتلقى كل معرفتنا عن المسيحية من مصادر إسلامية. إننا نريد هذه المرة أن نتعرف على المسيحية من المسيحيين أنفسهم".

وسائله بكل احترام عمّا إذا كان عنده استعداد لعمل محاضرة عن المسيحية للمجموعة المسلمة. فقال له نعم إذا كنتم تريدون بالفعل فأنا على استعداد بشرط أن تعطوني الفرصة لمدة نصف ساعة القي فيها ما يشبه المحاضرة بعد ذلك يمكن لكم طرح الأسئلة بشرط أن تكون الأسئلة أسئلة استفهامية وليست تقييمية.
تحدث صديقي معي في هذا وسألني إذا كنت أريد الاشتراك معه، وبالفعل كنا أربعة التقينا ثلاث أو أربع مرات قسمنا العمل بيننا وقرأنا في الكتب وجهزنا محاضرة على الكمبيوتر معضدة بالمراجع لمن يريد الاستزادة،  كما جهزنا صفحتين لخصنا فيهم ما نريد أن نقوله لكي يأخذوها معهم.
لقد كانت أول مرة يحدث فيها مثل هذا، كنا متوقعين أن ندخل في مجادلات عقيمة التي هدفها التشويش فقط. لقد جهزنا أيضًا أوراق وأقلام لكل واحد لكي يكتب الأسئلة التي يريدها ليطرحها في نهاية المحاضرة حتى لا يقاطعنا، وقمنا بعمل المحاضرة الأولى تحت عنوان الله في الإيمان المسيحي وجوهر الحياة المسيحية. وبالفعل لم يقاطعنا أحد حتى انتهت المحاضرة التي ألقاها صديقي، ثم وقفنا سويًا لنرد على الأسئلة.
لن تتخيلوا كيف كان الحوار راقيًا على مستوى فكري عالي، لقد كانت الأسئلة عقلانية منطقية قمنا بالرد عليها بشكل تحليلي منطقي. لم يحاول أحد فقط المجادلة.

مرة واحدة حاول واحد أن يصيغ سؤال تقيمي، فقاطعته ولفت نظرة إلى هذا. لقد استمروا حوالي ساعة بعد المحاضرة يوجهون لنا الأسئلة وكانت أسئلة على قدر كبير من الذكاء. فمثلاً: إذا كان المسيح هو الله الظاهر في الجسد فلماذا قال على الصليب "الهي الهي لماذا تركتني" هكذا كانت نوعية الأسئلة.
لقد قلت لهم في النهاية أن ما حدث اليوم لم يحدث منذ 1400 سنة، فقالوا لا لا لا نعتقد هذا. هناك موقفين لهم دلالة كبيرة جدًا ولهم علاقة كبيرة بوضع المسيحيين في مصر وحقوقهم المفقودة.

* الموقف الأول:

في المحاضرة كان هناك شخص من موريتانيا. لقد سأل أسئلة كثيرة كان قد دوّنها في الورقة التي وزعناها في أول المحاضرة، بعد ما انتهينا جاء لي وقال لي الآتي بالحرف الواحد:
"لقد كنت أكره المسيحيين. منذ حوالي بضعة سنوات أحاول مع نفسي أن لا أكرهم لأن هذا يضايقني ولكني أحاول أن أتجنبهم. هذا لأني كنت اعتقد أنهم كفرة وأنهم مشركين. اليوم أنا عرفت بماذا يؤمن المسيحيين. وإذا جاء لي واحد وقال أنهم يقولون أن المسيح ابن الله سأقول له لا لا أنا الآن اعلم جيدًا ماذا يقصدون بهذا"
اعتقد أني هنا لا احتاج إلى تعليق.

* الموقف الثاني:

لقد اتفقنا على عمل محاضرة ثانية وبالفعل قمنا سويًا بالإعداد لها واتفقنا على أن أقوم أنا بعملها، فذهبت في هذا اليوم مبكرًا حتى أعد الكمبيوتر وأجهز نفسي للمحاضرة فجاء أحد المصريين وهو شاب يحضر الدكتورة في الجامعة. فوقفنا سويًا نتحدث وكنّا مازلنا بمفردنا فقال لي الآتي:
"أنا لي صديق مسيحي في مصر اتصل به كل عيد وأعيد عليه، وهو أيضًا في الحقيقة رغم أني اعزّه كنت مشفق عليه، فأنا فكرتي عن المسيحية أنها ديانة غير منطقية ولا يقبلها العقل البشري وكنت اعتقد أن المسيحيين مغيبين العقل يسيروا خلف القساوسة والرهبان بدون تفكير بعد المحاضرة السابقة عرفت أن المسيحية ديانة منطقية يمكن للإنسان أن يؤمن بها".
انظروا ما هو رأي المسلمين في المسيحية، انظروا ها هم شيوخ الأزهر الأجلاء يفعلوا كما فعلوا الطلبة المسلمين في ألمانيا ويطلبوا من المسيحيين صراحة أن يشرحوا ويوضحوا إيمانهم للناس، فهل من مجيب! هل سنقوم بالمسئولية التي علينا؟!!
المسئولية التي يذكرنا بها الأزهر اليوم في الفتوى الرسمية! من هو أول أسقف سيقوم بعمل ندوة عامة يعلن عنها مسبقًا يشرح فيها الإيمان المسيحي لكل من يأتي. ندوة عامة تكون خارج الكنيسة. مَن يحترم دينك لن يعتدي عليك، مَن يعلم أنك غير مشرك وأنك نعبد الله الواحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن ولن يكن له كفوة أحد لن يهدم كنائسك ولن يخطف بناتك القاصرات.

كل واحد منكم يمكن أن يتحين الفرصة لكي يشرح الإيمان المسيحي لمن حوله من المسلمين. أحد المسلمين قال لي أن المسلمين لديهم الإحساس أن المسيحيين لا يريدون أن يسألهم أحد عن المسيحية ويتهربوا من الإجابة أو يتغير شكلهم إذا بدأ أحد المسلمين التحدث معه عن المسيحية.
أنا قلت له لأنه خايف منك، فلنتحرر من هذا الخوف ولنفهم إيماننا المسيحي لكي نستطيع أن نشرحه بالطريقة المبسطة للآخرين. أفيقوا أيها المسيحيين قوموا بالعمل الذي جاء شيوخ الأزهر ليذكروكم به.
اصنع أنت الخطوة التي عليك والباقي سيقوم به الله.
أنا على استعداد لإرسال المحاضرات والأوراق التي قمنا بعملها حتى الآن لكل من يطلبها لكي يعمل هو بها.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ١٨ تعليق