CET 00:00:00 - 31/08/2009

مساحة رأي

بقلم: نبيل المقدس
أصبحت سيرة مَن يتولي الحُكم بعد الرئيس الحالي حسني مبارك, مصدر جدل واسع بين جميع طوائف الشعب, حيث كل طائفة تبكي علي ليلاها خوفاً من عدم نوالها جزء من كعكة التغيير, وتسعي لمصلحتها أولاً لمعرفة مَن هذا المجهول الذي سوف يتبوء هذا المنصب إن كان عاجلاً أو آجلاً... كما أن التكهنات في كيفية مجيئِهِ إلي السُلطة تفاوتت بين طوائف الشعب... هل سوف يكون بالتوريث كما يحدث في أغلب الدول العربية أو بالإنتخاب المُخطط سلفاً أو بالضرب تحت الحزام وهذا يتمثل في هدم الإقتصاد المصري والبنية التحتية وإنتشار الفساد في جميع مؤسسات الدولة من قبل جماعات معينة لكي تفسح لنفسها الطريق إلي تبوء رئيسها هذا المنصب مُظهرة ً للشعب أنها (أي هذه الجماعة) هي الحل الوحيد الذي سوف تُخرجهم من هذا الدمار الذي لحق بالبلد.
نحن لسنا ضد أو مع شخص معين يكون رئيساً للبلاد... لكننا مع الشخص الذي يحمل في طياته أحلامنا بصفتنا جزء من هذا الشعب... لذلك لدينا طموحات نتمناها لصالحنا في صفات من يتقدم للرياسة حتي ولو تتواجد هذه الصفات بنسبة 15% في هذا الشخص. نحن لا نطمع في أن يكون الرئيس القادم مسيحياً , ولا نأمل بأن تكون الأغلبية في جميع مؤسسات الدولة من المسيحيين المصريين... نحن نطمع فقط في هذا الكيان الرئاسي ومؤسساته أن يكون له القدرة والشجاعة علي التعامل مع جميع الطوائف طبقاً لمقدرة كل فرد الحقيقية , وبدون تمييز وليس طبقاً لديانته.وأخيراً وهو الأهم تعديل نص المادة الثانية للدستور أو إلغائها.
هذا هو الشخص المنشود ( نظرياً ) و الذي ليس فقط يناسب المسيحيين بل يناسب أيضاً باقي الطوائف من الأغلبية والأقليات, هذا إن أراد هذا الكيان التقدم بالبلاد.
نحن نطمع أن تنفصل الديانة عن السياسة والحياة المدنية العامة... نريد من الرئيس القادم ومؤسساته أن لا يفرق بين عناصر الأمة طبقا لدستور ظاهره مدني أما جوهره دين الأغلبية.
وربما أكون مخطئاً في القول أن الحكومات السابقة والحكومة الحالية لا تتعامل مع هذه المشاكل بالمراوغة والخداع. بل كانت تتعامل وبتتعامل حتي الآن في منتهي الوضوح والصراحة بأن حقوقنا محددة طبقاً للشريعة الإسلامية كما هو مذكور في الدستور متمثلاً في المادة الثانية منه , والتي هي تُعتبر السبب الأصلي في عدم المناصفة بين الطوائف الاقلية والأغلبية في البلد الواحد.
والسؤال هنا.... هل يستطيع الرئيس القادم إلغاء المادة الثانية... الجواب.. مُحال يستطيع أي رئيس قادم أن يوصي بإلغائها... أو مجلس نيابي يتجرأ أو يلمح بإلغاء هذه المادة حتي ولو كانت أغلبيتهم يساريين أو من الأمميين... لم ولن يظهر أتاتورك مصري كما حدث في تركيا في القرن الماضي... لم ولن تتكرر كتلة مسيحية , مثلما تكونت الكتلة المارونية بلبنان منذ قرون عديدة وبالتحديد عند الغزو الإسلامي... فقد ظلوا حوالي 500 سنة في الجبال بُعادا عن الغزاة حتي جاء الوقت ونزلوا من الجبال , وأصبحت لهم كلمة مسموعة وكيان ظاهر وواضح في الحياة السياسية في لبنان. كما أنهم أصبحوا دعامة وشأن عظيم في بناء لبنان مع إخوتهم من الطوائف الأخري.. أين نحن من هؤلاء. الآن ؟؟
التاريخ القبطي يقول كم مِن المسيحيين تم تعذيبهم وقتلهم... ونحن إعتبرنا هذا التعذيب والقتل هو إستشهاد , وهذا صحيح وحق وعلي دمهم تم بناء الكنائس... لكن لا يحق لنا أن ندعوه كِفاح... لأنه كِفاح سلبي نحن الذين لم نستشهد بعد... نحن ما زلنا نعيش في هذه السلبية حتي الآن... هل يمكننا الآن ان نعوض هذه القرون العديدة في إقامة كيان مسيحي إيجابي..؟؟!! هذا هو الحل... حقوقنا لا تأتي إلا عن طريق تفاعلنا ككيان معنوي داخل الوطن الواحد الذي نعيش فيه. وأنا لا أعني أن يكون لنا مكان ورئيس وإدارة.. بل أعني أن تكون لنا أفعال وأعمال ايجابية.
لو أتي السيد جمال مبارك أو غيره سوف يتبع نفس الأسلوب الذي إتبعتهُ الرياسات السابقة معنا , وخصوصاً نحن طائفة مسالمة , ترضي بقليلها. نحن لا نُطالب بتكوين كتلة مسيحية منفصلة عن المجتمع... بل كل ما نريده تكوين هوية الفرد المسيحي , سوف لا ينظر إلينا الرئيس القادم طالما نحن بدون هوية أو دور هام نفرضه نحن علي المجتمع. ومما سهل علي الحكومات السابقة والحكومة الحالية هو حالة التبلد التي إتخذناه و التهرب من الواقع , ثم نأتي في بيوتنا وبالليل نصرخ ونولول علي ما نواجهه من بعض الأخوة من الآخرين أو بعض التصرفات غير واعية من رجال الحكومة التي تدل علي التعصب والتمييز. أو الإلتجاء إلي المؤسسة الدينية وهذا هو الخطأ الكبير في إقحامنا المؤسسات الدينية لمثل تلك الأمور.
هويتنا لا تأتي بأي حال من الأحوال ونحن منهمكين في أعمالنا وفي داخل كنائسنا أو في منازلنا... بل النزول إليهم ومخالطتهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم.... هويتنا لا تتكون طالما نحن بُعاد عن الحياة السياسية والحياة العامة... علينا تعليم وتشجيع أبنائنا الترشيح والدخول في الحياة النقابية والتشريعية والنيابية وغيرها , ولا ندع الآخرين ينفردون بترشيح من هو يعمل ضد مصالحنا... هويتنا التي هي بدون مشاركة فعالة في أخذ القرارات سوف لا يلتفت إليها الرئيس القادم , وسوف يقول ( كويس أهُ جت منهم ).
وأود أن أقول إلي هؤلاء الذين ينادون بمظاهرات حتي ولو كانت سلمية... أنها غير مجدية الآن لأننا بلا هوية... بلا كيان... أيتام بدون أولياء أمور في المؤسسات السياسية لكي يدافعوا ويأكدوا أسباب هذا التظاهر... بدون هوية أو كيان سوف يعتبرون هذه المظاهرات ضد قوانين الطواريء... علينا أن ندرك أن الكنيسة هي ليست الكيان السياسي لنا... بل هي الكيان الروحي فقط... لذلك تعشمت في هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالعلمانين الأقباط لنتخذهم مظلة لمظاهرات سلمية... لكننا إكتشفنا أنهم علمانيون يعملون ضد الكنيسة وإدارتها فقط , فخاب ظننا فيهم. ثم تعشمنا في هؤلاء الذين يدعون أنفسهم بمفكري المسيحية أن يتكلموا عن أصل المشاكل وحقيقتها أمام المؤسسات , لكننا صعقنا عندما عرفنا أنهم يصورون لها و للعالم أن [ الموضوع ما إلاّ نزاع عائلي بين رجل وإمراة وأن.. الجو بديع... والدنيا ربيع قفل على كل المواضيع قفل قفل... وسلم لي علي المترو...!.
المشكلة حتي الآن أنه لم نري علي الساحة مسيحي واحد له دور فعال أو مؤثر علي القرارات السياسية... كل ما نراه هو التباهي برجال الأعمال علي أعمالهم وذكائهم وتبرعاتهم... هذه الأعمال والذكاء ربما تأتي ثمارها لأنفسهم... ونكرر المثل الذي يقول ( القَرعة تتباهي بشعر بنت أختها ). نحن لا نريد رجال أعمال فقط... نحن نريد رجال ساسة ولا يمنع هذا أن يكون من بينهم رجال أعمال... لكننا نرجوا أن لا يتحدثوا من منطلق ثقلهم المالي ولا من أبراجهم العالية فأكيد سوف نقول وراء أحاديثهم ( آمين) , لكننا نريدهم ان يتحدثوا من منطلق ثقلهم بالوعي السياسي لطائفة تعدادها يصل إلي أكثر من 15 مليون مسيحي... فهذا الرقم لو إستغلناه سوف يثمر ويُحوّل الكثير من الأحوال لصالحنا.!!
أخيرا يزداد إيماني كل يوم علي أن هويتنا لا تُكتمل إلاّ بتشجيع أبنائنا إقتحام العمل السياسي... فهي الوحيدة التي تحدد مستقبلنا... هي الوحيدة التي تعمل علي توازن قوي الشعب... هي الوحيدة التي تعطينا الفرصة بأن نصبح قوة لها كلمة مسموعة , ونتيجة لذلك سوف يتردد كثيرا كل من تسول نفسه إلي اي عمل ضدنا ,مثل هدم الكنائس , والأحكام الظالمة , وبناء الكنائس , وغيرها من مظاهر التعصب التي تواجهنا.
هيا يا أحبائي نبدأ من اليوم في غرز أول بذرة تكوين الهوية... لكي تظهر يادوب نتائجها علي أحفادنا في المستقبل.
لا بجمال ولا بالهلال و لا حتي برجال الأعمال... المادة الثانية تنشال, إلاّ بإقتحام المُحال !!
نبيل المقدس

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٩ صوت عدد التعليقات: ٢٥ تعليق