بقلم: د. ماجد إسرائيل
الفئات التي يُختار منها البطريرك
توالى على كرسي البابوية (117 بابا)، وقد تم اختيار البطريرك من فئات متعددة منها العلمانيين، والرهبان، ومطارنة الإيبارشيات، والأساقفة العامين وهذا ما سوف نوضحه فيما يلي.
2– الرهبان:
- تعريف الرهبنة
الرهبنة في المسيحية هي حياة الوحدة والزهد والنسك والصلاة والتسبيح بجانب العمل اليدوي بقصد التبتل مع اختيار الفقر طوعًا، كما أنها فلسفة الديانة المسيحية والجامعة التي تخرج منها مئات البطاركة والأساقفة الذين قادوا الكنيسة بالحكمة، فلكي يكون الإنسان راهبًا ينبغي أن تكون له ميول للفلسفة والحكمة، لأن حياته كفاح وحرمان وإنتاج من أجل هذه الرسالة السامية، التي يدرك خلالها أن فضيلته باطلة إن كان ضياؤها لا يتعدى جدران النفس البشرية ولا ينعكس على البشرية كلها ليغمرها بمعرفة الله.
- تاريخ نشأة الرهبنة
يرجع تاريخ نشأة الرهبنة في مصر إلى مطلع القرن الرابع الميلادي، حيث انتشرت المسيحية في ربوع البلاد، وبدأت في بادئ الأمر حركة دينية مستقلة عن الكنيسة، ولكنها سرعان ما أصبحت جزءًا أساسيًا من النظام الكنسي، حتى إنها انتقلت إلى سائر أنحاء العالم المسيحي، على أيدي الراغبين فيها بحضورهم من دول أوربا وآسيا وتسلمهم مبادئها وتعاليمها على أيدي الرهبان المصريين ونقلها لبلادهم؛ فكان لمصر فضل على العالم في معرفة الرهبنة.
ولقد أسهمت عدة عوامل جغرافية ودينة واقتصادية في انتشار الرهبنة في مصر، ويتمثل العامل الجغرافي في طبيعة مصر الجغرافية من حيث الأرض والمناخ، فهي تتمتع بالصحارى الواسعة –الصحراء الشرقية والغربية وشبة جزيرة سيناء– وكانت تلك الصحارى مأوى يلجأ إليه الرهبان والمتعبدون، هذا فضلاً عن مناخها المعتدل الذي شجع الراغبين في الرهبنة على الخروج من مدنهم وقراهم والذهاب إلى الصحارى.
ويصف أحد الرهبان ذلك في الأبيات التالية قائلاً:
أنا في البيداء وحدي ليس لي شأن بغيري
لي جحر في شقوق التل قد أخفيت جحري
أما العامل الديني فإنه يتمثل في النظر إلى الرهبنة على أنها نوع من الاستشهاد من خلال النسك وتحري أمانة الذات وهجرت الشهوات، بالإضافة إلى رغبة بعض الأفراد في البعد بأنفسه عن المجتمع المليء بالمفاسد والنجاة منها، وأما العامل الإقتصادي فإنه يتلخص في الأزمات الإقتصادية التي تعرضت لها مصر منذ أوائل القرن الرابع الميلادي، مما أدى إلى انتشار الفوضى وفرض الضرائب، وقسوة جامعيها وعدم قدرة البعض على تحملها ومن ثم هروبهم إلى التعبد في الصحارى.
نظام الرهبنة
تطور نظام الرهبنة إلى نوعين هما:
1- الرهبنة الانفرادية (الإنطونية)
وهي تسير على نظام التوحد والانفراد، حيث ينفرد الراهب في مغارة، يقضي حياته منعزلاً عن البشر، ويعتبر القديس الأنبا "بولا" الرائد الأول لمنهج الرهبنة الإنفرادية، وواضع نسق الحياة الرهبانية، ولكنها أصبحت زائعة الصيت على يد الأنبا أنطونيوس حيث تطورها التاريخي حيث أطلق عليها المؤرخون "الرهبنة الإنطونية".
2- الرهبنة الجماعية (ديرية)
وهي التي يباشرها جماعة من الرهبان وليس راهب واحد وتُعرف باسم "ديرية جماعية " وصاحب هذا النوع القديس"باخوم" (291-346م) المُلقب "بأب الشركة" وهو الذي أسس أول دير في طبانسي بـ (محافظة قنا) عام (318م) ونظم حياة الرهبان في شكل جماعي بحيث يعيش الجميع داخل دير واحد ويخضعون لقوانين ونظم معينة، وشعارهم الزهد والتبتل والطهارة والشركة في المسكن والمأكل والصلاة، ويبدو أن تربية باخوم العسكرية جعلت منه ديريًا صارمًا.
- اختيار البطاركة من بين الرهبان
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو.. لماذا اتجهت الكنيسة إلى اختيار البطاركة والأساقفة من بين الرهبان؟
1- بسبب ما عانته الكنيسة القبطية من متاعب في البحث عن العناصر العلمانية الصالحة لهذه الدرجات الكنسية.
2- إغلاق المدرسة الإكليربكية اللاهوتية في أواخر القرن الخامس الميلادي، وهي التي كانت تعتمد عليها الكنيسة في اختيار كوادرها.
3- عدم توفر الشروط الواجب توافرها في من يرشحون لهذه المناصب من بين العلمانية (المدنيين) في ذلك الوقت (القرن العاشر الميلادي).
4- وربما يرجع الاختيار من بين الرهبان لتلاشي حدوث صراعات ما بين العلمانيين أنفسهم.
5- وربما يرجع إلى حرص الكنيسة على وحدتها وحفاظها على عدم انقسام أبنائها العلمانيين، الذين يؤدون مهام إداريه أخرى داخل الكنيسة.
6- وربما يرجع إلى حكمة إلهية من الله.
على أية حال لجأت الكنيسة في أواخر القرن العاشر الميلادي إلى تعيين البطاركة من بين الرهبان –على نحو ما رأينا –عندما كانت تتعثر في الحصول على من يصلح لهذه الدرجات من بين العلمانيين.
ولما كان من مستقر في القوانين الكنسية طوال العشرة قرون الأولى الميلادية، أي منذ ظهور المسيحية الحق الكامل لأهل الأيبارشية في اختيار راعيها، فقد صار من حقهم الطبيعي أيضًا أن يكون لهم معرفة مباشرة بالمرشحين من الرهبان للمفاضلة بينهم لاختيار الأصلح منهم للمناصب الكهنوتية الشاغرة سواء لكراسي الأسقفية أو للكرسي البابوي البطريركي.
ومنذ ذلك الوقت صار خلط بين الرهبنة والكهنوت وتدريجيًا انعكست الأمور إلى نقيضها تمامًا، فبعد أن كانت القاعدة هي اختيار الأساقفة والبطاركة من العلمانيين والاستثناء من الرهبان، صارت القاعدة هي اختيارهم من بين الرهبان والاستثناء من العلمانيين، وإن كان شرط بتوليتهم أي عدم زواجهم قبل الترشيح قد صار أساسًا للتزكية سواء كانوا من الموظفين أو العمال أو التجار من الفقراء أو الأغنياء، وإن ظل الرائد في الاختيار هو مدى توافر شروط الاختيار.
- أسباب الاعتراض على اختيار الرهبان بطاركة:
- الخلط بين نظامي الكهنوت والرهبنة كان سببًا من أسباب تدهورهما معًا، الأمر الذي تعاني منه الكنيسة وسوف تظل تعانى لأجيال عديدة حتى يتم الفصل بينهما تمامًا، لكي ما تعود الرهبنة نظامًا نسكيًا، والكهنوت نظامًا شعبيًا رعويًا.
- خروج الرهبان من أديرتهم للخدمة في كنائس العالم، بقدر ما هو ممنوع طبقًا لقوانين الرهبنة الأصلية، فهو تحطيم مرعب لركن من أركانها، ونكثًا لعهد الراهب مع ربه.
- ويدلل المعارضون على ذلك أن البابا "كيرلس الرابع" البطريرك رقم (110) (1854-1861م) المعروف بـ (أبو الإصلاح) أصدر منشور يتضمن ما يلي:
(1) عدم مغادرة الرهبان أديرتهم ألا بإذن منه.
(2) عدم أقامة الرهبان في المدن أو القريبة من العمران.
(3) عدم تعيين الرهبان بأي كنيسة خارج أديرتهم.
(4) عدم أخذ اعترافات العلمانيين من الرجال والنساء المترددين على زيارة الأديرة.
(5) عدم قبول زيارات في منازل العلمانيين أو المبيت لديهم، لما في ذلك من إفساد للنظام الرهبنة.
- الحلول المقترحة من جانب المعارضون للحد من تغلغل الرهبان في الوصول إلى البطريركية وهي:
1- تعود الرهبنة إلى طبيعتها النسكية؛ فإن الأمر يقتضي عدم رسامة الرهبان في أي درجة كهنوتية تزيد على رتبة الشماسية إلا في حدود احتياجات كل دير للممارسة الفعلية للطقوس الكنسية داخله والخاصة برهبانه.
2- لا بد من تصفية الأوضاع الحالية الناجمة عن خدمة الرهبان خارج أديرتهم أوفى كنائس الايبارشيات المختلفة في مصر وبلاد المهجر واستبدالهم بكهنة متزوجين.
3- إنهاء حالة التمييز في معاملة الروساء الدينين ما بين الكهنة الرهبان والمتزوجين، وتفضيل هولاء على أولئك في أمور متعددة، بعد أن أصبح الكهنوت تابعًا لرئاسات رهبانية الأصل (نقصد الأساقفة والمطارنة).
على أية حال وبالرغم من محاولات المعترضين على إقصاء الرهبان وإبعادهم عن كرسي البابوية، إلا أن التاريخ الكنسي القبطي يسجل لنا أن من بين (177) بطريركًا كان هناك (71) بين الرهبان، ومن مجموعة أديرة متعددة نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر دير الأنبا مقار، دير الأنبا أنطونيوس، البراموس، الزجاج، السريان، المحرق، الأنبا بيشوى، الأنبا صموئيل المعترف، دير جبل فطرة، دير يحنس كاما، دير ستران، ابيفانيوس.
والجدول التالي يوضح بعض أسماء هؤلاء البطاركة كما يلي:
م |
اسم البطريرك |
البطريرك رقم |
فترة رئاسته بالتاريخ الميلادي |
الفئة النوعية |
1 |
كيرلس الأول |
24 |
412-444 |
من الرهبان |
2 |
يؤانس الأول |
29 |
496-505 |
من الرهبان |
3 |
بنيامين الأول |
38 |
623-662 |
من الرهبان |
4 |
سيمون الأول |
42 |
692-700 |
من الرهبان |
5 |
مرقس الثاني |
49 |
799-819 |
من الرهبان |
6 |
شنودة الثاني |
65 |
1032-1046 |
من الرهبان |
7 |
بطرس الخامس |
83 |
1340-1348 |
من الرهبان |
8 |
متاؤس الرابع |
102 |
1660-1675 |
من الرهبان |
9 |
ديمتريوس الثاني |
111 |
1862-1870 |
من الرهبان |
10 |
كيرلس السادس |
116 |
1959-1971 |
من الرهبان |
للمراسلة والإستفسار
maged_israel@yahoo.com |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|