بقلم: محمد عبد الفتاح السروري
في عدد سابق من أعداد مجلة( روزاليوسف) وعلى متن هذه الصفحة المعينة بطرح الاراء كان لي شرف الكتابة في موضوع يخص القاسم المشترك بين طبيعة العقلية (السنيه) والعقلية (الارثوذوكسيه) وكانت المقالة بعنوان (العقل الحائر بين السنة و الارثوذوكس) وللتذكرة فقط ودون الدخول في تفاصيل سبق نشرها كانت الفكرة تدور حول الارضية المشتركة التي ينطلق منها فكر كل من اصحاب المذهبيين المنتشرين في مصر وذلك على الرغم من اختلاف الديانة التي ينتمي اليها كل مذهب اى انها ليسا مذهبين في دين واحد ولكن في ديانتين مختلفتين الا انها توحدا في (النسق) والنسق المقصود هو النسق العام للتفكير الشرقي.... ويبدو اننا على موعد اخر في نفس السياق...و ان لم يكن فى نفس الموضوع
في مصرنا الحبيبة الان تياران وان كان متناقضان في الفكر والمنهج بل والاهداف الا انها ويالعجب متحدان بل ويكادا يكونان متطابقان في الاسلوب والمنطلقات الاجرائية التي يتشكل من خلالهما خطابهما العام. والتياران المقصودان هنا هما التيار السلفي والتيار اليساري وان كان التيار السلفي هو الاشد وطأه والاكثر حضوراً في الشارع المصري.
وما نقوله ليس من قبيل الانطباع العام أو المشاعر العاطفيه بل أن ما نطرحه من حجة مؤيده بالدليل والبرهان من جانبنا ومن وجهة نظرنا مع الاحتفاظ بحق (الاخر) فى ان يطرح حجته والاحتفاظ بوجه نظره والدفاع عنها لان الحقيقة المطلقة لا يملكها الا الله وحده.
ولتكن البداية مع التيار السلفي (وليس المقصود هنا الفكر الدينى على وجه العموم).. هذا التيار الذي فارق الواقع وآب الي الماضي بدلا من أن ينطلق نحو المستقبل واتخذ من افعال وأقوال السلف (الصالح من وجه نظرهم) أتخذ منهم نبراسا لا يحيدون عنه حتى لو كان القول اوالفعل المنسوب اليهم قد أصبح لا ينتمي للعصر الحاضر باي حال من الاحوال...
فما إن تتابع كتاباتهم أو ان تسمع شرائطهم أو تشاهد برامجهم المبثوثة في القنوات الفضائية الا ويخالجك شعور بالذهول من هذه العقليات الرهيبة التي لا فائدة من التحاور معها أو مناقشتها المفارقة هنا أن التيار السلفى يناهض اشد المناهضة الفكر الصوفي وهذا معلن ومعروف الا ان السلفية انفسهم يقعون في نفس المحظور الذي يقع فيه المتصوفه من تقديس البشر ورفع أقوالهم وافعالهم لما فوق البشر و اذا كان الصوفية يطلقون على ائمتهم (الاقطاب) فان السلفيه يطلقون على ائمتهم (جمهور العلماء) وهذا في حد ذاته تعدي على عقولنا لاننا لا نعرف على وجه التحديد ما هي ملامح هذا الكائن الهلامي المسمى بجمهور العلماء.
ناهيك عن استئثار فئة مذهبية معينة والسماح لنفسها باطلاق مسمى (جمهور) على فئة من العلماء تؤيد ارائها واستثناء باقي العلماء من هذه الفئة.
والطرح الا جرائي الذي يطرحه التيار السلفي هو باختصار وجوب العودة الي ما كان عليه السلف من حال حتى يتنسى لنا ان نصل الي ما وصلوا هم اليه من عز ورفعه الشأن واننا يجب ان ناخذ بنفس المنهج ونفس المنهجيه التي ساروا هم عليها حتى نصل الي نفس النتائج وفي هذا الطرح مربط الفرس وبيان ما نبغي قوله... فالوصول الي حالة العزة التي كان عليها السلف يستلزم بطبيعة الحال استرجاع نفس الحالة العامة التي كان يعيش فيها هذا السلف والحاله العامة المقصودة هنا هي الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بل والحالة العامة لنفسية المجتمع انذاك حتى يكون هناك تطابق في المعطيات وبالتالي فان الشخص ا لذى يؤيد الفكر السلفي في حقيقة الامر ينتظر وصول ملائكه بشرية حتى تستطيع أن تعود الي كامل المنظومة التي كان عليها السلف ولكن السؤال ترى هل سيرجع الاعداء الي نفس المنظومة التي كان عليها اعداء السلف وماكانوا فيه من حال وقتذاك.؟
أن الفكر الذي ينطلق منه التيار السلفي في طرحة العام فكر (ملائكي) إن جاز التعبير فهو يفترض أن أناس اليوم يستطيعون أن يعودوا للحالة التي كان عليها السلف وهذا في حد ذاته مشكلة لانه من قبيل المحال .... هذا غير أن هذا الفكر نفسه ليس عليه اجماع من جمهور المسلمين على اختلاف مشاربهم... السلفيه ينتظرون ملائكة بشرية تتجرد تماماً من معطيات الحاضر لتعود الي الماضي... هذا الماضي الذي يعد من وجه نظرهم الامل والامان.
اما التيار الاخر الذي نتحدث عنه هو التيار اليساري والتيار اليساري وبأختصار هو ذلك الفكر الذي يدعوا الي الاشتراكه في جميع مناحى الحياه والى ملكيه الدولة لوسائل الانتاج وشمولية الدولة في التدخل حياة الشعب... هو ذلك الفكر الذي يجعل من التخطيط المركزي و التدخل الكامل للدولة في حياة الناس أهم منطلقاته (راجع رواية 1948 لجورج أورويل).
وإذا كنا ذكرنا أنفا اننا نجد معاناه وعنت شديد في الحديث مع العقليات التي تتبني الفكر السلفي فاننا نجد ايضاً نفس المعاناة مع العقليات اليسارية على الرغم من أن اليسار والسلف طرفى نقيض الا انهما يتوافقان في انكار الواقع تمام التوافق...
فلا يزال التيار اليساري حتى يومنا هذا يتحدث بنفس العقلية التي كان يتحدث بها في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم.
وما نقوله هنا ليس من قبيل الانطباع العابر بل هو مؤيد أيضاً بالحجة والبرهان ويكفي ان تتحاور مع اي عقلية تتبني الفكر اليساري الا وتجد نفسك امام حالة من حالات الفصام التام عن حياتنا ا وعما يموج به العالم من احداث وتغيرات فلا يزال الكثير من (اليسارية) ينتظرون ثورة الطبقة العاملة وينتظرون الحكومة المركزية التي سوف تحقيق جنة الاشتراكية على الارض ولا يزالون بدورهم ينتظرون الملائكة التي سوف تقوم بقيادة القطاع الاقتصادي للدولة نحو الرخاء والرفاهية هذه الملائكة البشرية التي سوف تنفي عن نفسها كل صفات الجشع والسلطه والنفاق وتذوب ذوباناً كاملاً في الخطة المركزية لتحقيق رخاء الشعب وتحقيق نبؤه ماركس.
المفارقة هنا ان هذا الفكر كانت له تجربة بالفعل سواء في مصر أو الدول العربية أو الدول الاوربية والدول الشرقينة ايضاً وباءت جميع تجاربه أما بالفشل الاقتصادي أو الانهيار السياسي أو الهزيمة العسكرية ومع هذا يصر اصحاب هذا التيار على التمسك بكل مبادءه تمسكا يكاد يكون مرضياً... والعجيب في الموضوع ايضاً اننا في مصر على سبيل المثال قد جربنا تسيد هذا الفكر على مقدرات الدولة ولم نجني منه الا كل خراب وهزيمة وعار وليس هذا فحسب بل ان المضحك في الموضوع ان الثورة العمالية لطبقة البروليتاريا تحققت بالفعل في هذه الايام التى يسبها التيار اليساري وما نراه ونقرأه ونشاهده من حركات اعتصامات واضرابات لم يكن يتأتى لها أن تظهر في العهد الاشتراكي البائد واذا حدث فنحن نعلم جميعاً مصير كل المشتركين فيها سواء كانوا قيادات أو أعضاء أما الان فالذين يقومون بالاضرابات والاعتصامات نجوما في الصحف والقنوات الفضائية هذا غير أن الدولة نفسها واجهزة الامن لا تتعرض لهم الا اذا قاموا بعمل ضد القانون العام لدرجة اننا شاهدنا مشهداً لم يكن يتصور أحد أن يشاهده في دولة عربية والمشهد الذي اعنيه هو نزول وزير المالية الدكتور بطرس غالي الي موظفين الضرائب العقارية المضربين عن العمل وغنى عن التذكير أن الوزير المذكور معروف بشرا سته ضد معارضية... وليس هذا فحسب بل الدولة اصبحت تستجيب احيانا لمطالب المعتصمين والمضربين عن العمل.. أي أن الدولة( الحالة )تحقق فيها جزء من اجزاء الجنة الموعودة التي يبشرنا بها التيار اليساري هذه الجنة التي لم ير هذا المجتمع أيا من ثمارها في ايام مجد وهيمنه اليسار على مصر.......
والحديث عن غيبوبة اليسار حديث يطول ولا يسعنا المقام هنا لذلك ولكننا نهدف فقط من خلال السرد السابق الي بيان حالة التشابه بين نسقين من الفكر لهما وجود في الشأن المصري الحالي وعلى الرغم من أنهما يتعارضان في الهدف الا انهما يتشابهان في العقلية المركزية المشتركة بينهما... هذه العقلية التي تقدس الوهم وتنتظرالملائكة وتبني قصوراً في الفراغ.....
كنت عندنا أتحاور مع اصحاب كلا المنهجين (السلفى واليساري) تأخذني الحيره والدهشة وكان مبعث هذه الحيرة هذه الحالة العجيبة من حالات التلاقي بينهما على الرغم من انها طرفي نقيض كما ذكرت فيما سبق.
هناك بديهيات قد توصلت اليها الانسانية منذ أمد بعيد وصاغتها في مقولات صارت اشبه بالثوابت الانسانية (وهي ليست ثوابت مقدسه مثل التي عند اصدقائنا السابق ذكرهم) ومن هذه الثوابت على سبيل المثال المقولة المشهورة (بأنه ليس من الحكمة اعادة اختراع الدراجه) فماذا نفعل يارب مع هذه العقليات الاسنه.. التي تصر اصراراً عجيباً على اعادة اختراع الدراجه وتصارع بكل قواها لكي تعود بنا الي المربع رقم واحد على الرغم من ان الانسانية قد تجاوزته الي المربعات ألاخرى الاكثر ثمديناً وتحضراً...
لقد انهار (الامامان) الامام (السوفيتي) والامام (الوهابي) انهاراً أمام موجات الحداثه وطوفان العولمة التي لم تجعل امام اصحاب الفكر الانغلاقي اي فرصة للهروب من قوانينها المفروضة على جنبات الكره الارضية.... لماذا ينتظر اليسارين والسلفين الملائكه؟... لماذا لا يتفاعلون مع معطيات الواقع ويعترفون بالواقع حتى يتسنى لهم التفاعل مع الحياه والاضافة اليها بدلاً من اتنظار الملائكة.... أن التيار السلفي والتيار اليساري يقتسمان سويا أسلوباً واحداً قائم على نفي الواقع نفياً مطلقاً و يمكن لاي راصد لادبيات كلا التياران أن يلاحظ هذا بيسر وسهولة وهما لا ينفيان الواقع وحسب بل انهما لا يعرفان ان للتاريخ دهاء المصطلح الذي اطلقه الدكتور فؤاد زكريا يوما ما.
هما لا يقرءان كل التاريخ ....ففى ا لواقع انا لا أعرف بأي حق يطلق اليسارى على نفسه بأنه (تقدمى) رغم أن جميع مرجعياته (رجعيه) سواء كانت في التنظير أو التنفيذ. وللامانة هناك قاسماًمشتركاً أخر بين التيارين وهو حلاوة الحديث وحسن صياغتة في قالب يصب مباشرة في وجدان المتلقى وأقول وجدان واقصد بها المشاعر والعواطف أما العقل فلسوف يقف لكل منهما بالمرصاد ومن لا يصدق فعليه أن يعود الي الماضي القريب ليرى ماذا حدث لدولة إتخذت من الفكر اليساري أو السلفي منهاجاً.
إن نظام الحكم الحالي يسمح لكلاً التيارين بالعمل والجهر... ولكلاً من التيار اليساري والسلفى ممثلين سواء في البرلمان أو في وسائل الاعلام ولكلا منهما أيضاً صحفه ومجلاته التي يعبر فيها عن افكاره.
والسؤال الذى يطرح نفسه ترى هل انصار أيا من التيارين كان سيسمح للاخر بالتواجد لو صار لاحدهما الغلبة يوماً ما لقد سمعت يوما خبراً مؤداه انة يجب الغاء نتيجة الانتجابات إذا فاز بها التيار الديني وكان هذا التصريح على لسان أحد اليسارين في على ما اذكر… وغنى عن الذكر أن السلفين.
ينظرون الي أهل اليسار على اعتبار انهم مارقون من ربقه الدين نظراً لما يمثلونه من فكر يتعارض احيانا مع الدين والشريعة.
اي ان الاثنين لا بحتملان الوجود سوياً.. انهما اساسا لايطيقان فكرة ان يتواجد كلا منهما على حده. اليس من الاولى لكل منهما ان يحاولا صياغة لغة يمكن من خلالها بعث شىء من الامل فى هذا المجتمع المكلوم بدلا من هذه اللغة الغيبيه البعيدة كل البعد عن الحاضر و المستقبل.... |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|