بقلم: عماد توماس
(1)
الخبر المنشور على موقع جريدة الشروق الجديد عدد الأحد الماضي 30 أغسطس 2009 بعنوان "حملات للقبض على المجاهرين بالإفطار في شوارع أسوان" لم يسترعىَ انتباه عدد كبير من القراء ولم ينال حظه من التعليق والتعقيب، فالأمر جد خطير وهي سابقة ربما تحدث لأول مرة في تاريخ مصر الحديث، فنحن أمام حدث جلل لا يقوم بتنفيذه دعاة الحسبة أو المتشددين دينيًا لكن خطورته كما ذكر الخبر أن "يقوم رؤساء مباحث مراكز أسوان بتنفيذ حملات يومية بالشوارع للقبض على المجاهرين بالإفطار في نهار رمضان!! حيث وصل عدد المجاهرين الذين تم القبض عليهم منذ بداية شهر رمضان إلى 155 شخصًا. وأكد مصدر أمني مسئول أن الهدف من تلك الحملات هو ضبط الأمن العام بالشارع لتخفيف حدة الجريمة والمشكلات احترامًا لشهر رمضان الكريم".
لا لأعرف لماذا تذكرت عند قراءة هذا الخبر جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسعودية وهي هيئة رسمية سعودية مهمتها "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وتحرص على تطبيق الشريعة الإسلامية في الشوارع، كما توصف من قبل بعض وسائل الإعلام بـ "الشرطة الدينية". ولا أعرف هل رياح الوهابية ستطل علينا هذه المرة من جنوب البلاد (أسوان)!!
نفهم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون بالعبرة والموعظة أو بالقدوة الحسنة والحوار الموضوعي لكن أن يتم بالملاحقات الأمنية والقبض على المواطنين الذين كل جريمتهم أنهم مفطرون جهرًا والدعوة أن هذا يخفف حدة الجريمة قول نرى أنه يخالف الحرية الفردية للفرد، التي تعني -من ضمن ما تعني- أنها القدرة على إتيان فعل ما أو الامتناع عنه، فأن يصوم الفرد أو يمتنع عن الصيام فهذا شأنه فله رب يحاسبه، وبالطبع لا ندعو للمجاهرة لكننا ندعو لعدم المزايدة وادعاء الجهاد على حساب "المفطرين"!! كما أننا لم نسمع أن الدستور أو قانون العقوبات نص على معاقبة من يجاهر بالإفطار في رمضان!!
وماذا عن السائحين الأجانب هل يقدر أحد أن يقبض عليهم؟ وماذا عن المواطنين المسيحيين هل يؤمرون بالصيام فرضًا وإكراهًا؟
قال لي بعض العائدين من رحلة مصيفيه في شرم الشيخ أنهم تعرضوا لبذاءات وتطاولات لفظية من بعض من المواطنين المسلمين بسبب ذهابهم للبحر في نهار رمضان!!
المدهش أن هذا الخبر يأتي مع إجازة دار الإفتاء للاعبي منتخب مصر لكرة القدم بالإفطار في مباراتهم القادمة المصيرية مع رواندا في تصفيات كأس العالم.. وكأن رجال الشرطة أصبحوا أكثر حرصًا على الإسلام من دار الإفتاء!!
(2)
يعود الحديث مجددًا عن هوية مصر، هل نحن نعيش في دولة مدنية أو دولة دينية؟ أم دولة "هجين" تخلط ما بين الديني والمدني.
الدولة المدنية التي نشدو لها لا تنصب نفسها حامية حمى الدين، ولا تعطي صلاحيات لتعقب "المجاهرين" بالإفطار، فالأمر شان خاص والصيام المقبول عند الله ليس الامتناع عن الأكل والشراب فقط لكنه الامتناع عن التعرض لحياة الناس والحكم عليهم بما لم ينزل الله به من سلطان!!
أن مهمة الدولة المدنية هي الحفاظ على حقوق المواطنين المتساوية في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو العرق.
الدولة المدنية الحقيقة هي أن يُحكم الشعب بالدستور الذي اقره الأغلبية من خلال انتخابات حرة ونزيهة.
الدولة المدنية الحقيقة لا تزايد على مواطنيها بقرارات وقوانين جائرة تدغدغ بها المشاعر الدينية للأغلبية بدعوى مراعاة شعور الأغلبية وضبط الأمن العام. وهو أمر مردود عليه بأننا لم نسمع عن النهي ومنع مرور السيارات الفاخرة في شوارع المحروسة لأنها تثير مشاعر الفقراء راكبي المواصلات العامة الذين يتعذبون يوميا فيها!! أو حتى منع إعلانات التلفزيون عن المدن السكنية الفاخرة في بورتو مارينا أو غيرها بدعوة مراعاة شعور الأغلبية!!
يخبرنا "جون لوك" في كتابه المعروف "محاولة في الدولة المدنية" الذي وضعه عام 1690، إن جميع البشر هم بالطبيعة أحرار ومتساوون ومستقلون لذا لا يمكن إخراج أحد من هذه الحالة وإخضاعه لسُلطة آخرين بدون قبوله ذاته الذي يمكنه من الاتفاق مع بشر آخرين على الانضمام والاتحاد في مجتمع من أجل حفظهم ومن أجل أمنهم المتبادل من أجل راحة حياتهم، من أجل تمتعهم الهادئ بما هو ملكهم الخاص، ومن أجل حمايتهم على نحو أفضل من إهانات الذين يريدون الإساءة إليهم وإلحاق الضرر بهم".
الحرية والمساواة هي أصل الدولة المدنية والتي بدونها يصبح المواطن من الرعايا والحر عبد!! |