CET 11:28:11 - 04/09/2009

مساحة رأي

بقلم: القس/ أيمن لويس
عبارة شهيرة تطلق على المسيحيين في بلادنا، ولست أعلم وربما غيري من أين مصدرها، وإن كنت أرى أن منشأها ليس من المسيحيين حيث أن المسيحي لا يحب كلمة نصراني (فالنصرانية بدعة منقرضة، تختلف في العقيدة عن المسيحية) إلا أن هذه العبارة ’تسمع بين الحين والآخر حتى أن المسيحيين أنفسهم يرددونها أحيانًا وإن كان القصد مختلف بين هذا وذاك، فقصد المسيحيين منها لوم أنفسهم على تقصيرهم وسلبيتهم في كثير من المواقف التي تهاونوا فيها في حق أنفسهم وكانوا سلبيين أمام ضياع حقوقهم وسكوتهم على بعض المظالم التي يتعرضون لها في مشاكل الحياة الاجتماعية مع الآخر.

ٳذًا فالجبن المقصود به هنا هو الخوف والسكوت وعدم الصمود والجهاد السلمي القانوني لاسترداد الحقوق المغتصبة والدفاع الفكري عن الازدراء والتشويه لإيمانهم وعقيدتهم، ومعظم المسيحيين يستقر في داخلهم أنهم فئة مضطهدة ولا أقول أن هذا الاضطهاد منظم ومخطط له من قبل القيادات والنظام وإن كان مسكوت عنه، إلا أن الواقع يؤكد أن الثقافة السائدة في المجتمع هي رفض الآخر والتحيّز الطائفي.
وحتى كلمة اضطهاد مختلف عليها وجعلناها كلمة نسبية، فهناك مَن يرى أن المتاعب والضيقات والمضيقات والتجاهل والتحيز والقمع والتهميش والاستئصال هي اضطهادات، وآخرون وهم السواد الأعظم في المجتمع  يرى أنها مجرد مشاكل وبعض المطالب المسكوت عنها لأن الاضطهاد في مفهومهم لا يكون اضطهادًا إلا إذا كان بممارسة السحل والتنكيل بصورة جماعية هنا وهناك في نفس الوقت وعلى كافة الأصعدة والمستويات، وهم يصفون الذي يرونه أنه مجرد حالات فردية حتى وإن كان يقوم به جماعات ومجموعات في أماكن متفرقة ومساحات زمنية متقاربة وهناك فئة ثالثة ترى أن الأقباط يحصلون على حقوقهم تالت متلت حتى أن الدكتور زغلول النجار يعلن في المرئيات أن هامة النصارى ارتفعت أكثر من اللا زم، وهذا يجعلنا أن نفكر هل نحن كمجتمع لدينا تعريف واضح لمعنى كلمة الحضارة ومفهوم التحضر أم أننا نستخدم هذه الكلمات على سبيل العبث واللهو؟!!

فمن المعروف أنه كلما أرتقت الشعوب حضاريًا وثقافيًا كلما أرتقت معها المشاعر الإنسانية وعلا شأن قيمة الإنسان فتبرز وتترسخ مفاهيم حقوق الإنسان في المجتمع بين كل فئاته الثقافية والقيادية وتصبح مطالب العدل والمساواة والديمقراطية والحرية... الخ... هي التوجه الطبيعي في سلوك أفراد المجتمع.
إذًا فالاختلاف في مجتمعنا على صياغة أو تعريف ما هو الاضطهاد إنما هو إعلان عن المستوى الثقافي الذي لا تستطيع قامتنا أن ترتفع فوقه لتصل للمفهوم المتعارف عليه عالميًا، والعجيب والذي له كل العجب أن مجتمعنا المصري قد فاز بجدارة بأنه أكثر شعوب العالم تدينًا ومن المفروض أن الأديان هي التي تسمو بالمشاعر والمفاهيم وتقود إلى الرقي الحضاري إلا أن الملاحظ هنا أنه مع تنامي الحالة الدينية يقابلها تدني في السلوك الحضاري!، ومنذ فترة يشغل فكري البحث عن الأسباب التي جعلتنا نحن المسيحيين نوسم بهذه الصفة الكريهة، وللوهلة الأولى ودون عناء التفكير أرى أن هذا الضعف والاستسلام الانهزامي سببه عاملان أساسيان.

أولاً: الفهم الخاطئ والتفسير المغالىَ فيه في بعض النصوص بالوحي المتعلقة بواحدة من القيم الأساسية في اﻹيمان المسيحي وهي قيمة التسامح والغفران. فيتربى المسيحي في البيت والكنيسة على تَعلُّم قيمة التسامح والغفران والسعي لصنع السلام وهذا خضوعًا لوصايا الكتاب المقدس واقتداءًا بشخص المسيح، والنصوص الواردة بالكتاب المقدس في هذا الشأن كثيرة جدًا وفي العهدين.

فقيمة التسامح في اﻹيمان المسيحي هي منهج ومادة متكاملة في التعليم العقائدي..

وللتدليل نذكر بعض من هذه النصوص: "الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط" (أم 15: 1)، "ٳن كان ممكنًا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس" (رو12: 18)، "لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير" (رو12: 21)، "الذي إذا شٌتم لم يكن يشتم عوضًا وإذا تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل" (1بط2: 23)، "ومن قال لأخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (مت 5: 22)، "وأغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين ٳلينا" (مت5: 12)، " طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون" (مت 5: 9)، "يا رب كم مرة يخطئ ٳليَّ أخي وأنا أغفر له هل سبع مرات؟ قال له يسوع: لا أقول سبع مرات بل سبعين مرة سبع مرات" (مت21:18 ،22 ).

وفي قصة إبراهيم ولوط (تك13: 5-13) ونجدها في بدايات الكتاب المقدس كإعلان من إله السلام عن طبيعة الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها أتباعه في الحياة الدنيا، فإذ بنا نجد لوط ابن أخي إبراهيم وعبيده يثيرون المشاكل ويزرعون الخصام بسبب الأطماع المادية في المقابل نجد أن سعى رجل الله إبراهيم لصنع السلام يعلو على رغبة امتلاك الأرض قائلاً للوط لا تكن مخاصمة بيني وبينك. إن ذهبت شمالاً فأنا يمينًا وإن ذهبت يمينًا فأنا شمالاً، إذًا فالإعلان النبوي يعلمنا بالوصية المباشرة وبالعبرة من سلوك الآباء الصالحين أن المسيحي مطالب بالسلوك بمبدأ التسامح وصنع السلام في كل جوانب حياته مع الحكام والجار والآخر، والمسيحيون مطالبون بالمبادرة بصنع السلام وليس فقط التحرك برد الفعل، بمبدأ ﺇن جنحوا الآخرين للسلم بل مطالبون بالسعي لتحقيق السلام حتى وﺇن كانوا الأعلون وفي موقف القوة والانتصار، وصنع السلام لا يتحقق ﺇلا على أرضية التسامح والغفران.
ومن المدهش أننا نجد حتى المسيحي غير الملتزم بتعاليم الكتاب المقدس يسلك بطريقة عفوية وبالفطرة في كثير من المواقف مسلك التسامح والغفران، لما تربى عليه وأستقر في وجدانه وفي اللا وعي حتى في المجتمعات الغربية رغم اندفاعهم في تيار التحرر وعدم التزامهم بمبادئ الأخلاق المسيحية التي بٌنيت على أسسها قيمهم التي هي حجر الأساس في رقي حضارتهم الإنسانية وهي المصدر الرئيسي للمطالبة والتمسك بحقوق الإنسان وممارسة العدالة والديمقراطية والصدق وقبول الآخر.
ورغم عدم التزامهم بممارسة العبادات والفرائض والطقوس العقائدية نجدهم يجنحون في مواقف حياتهم اليومية للميل لصنع السلام وسلوك الوداعة وتجنب الاستفزاز والتحكم في مشاعر الغضب. وهذا يجبرنا لإثارة موضوع في غاية الأهمية.
من هو العدو للإنسان المسيحي؟ فليس عدو المسيحي هو عدو دينه، فالعدو الحقيقي للإنسان المسيحي هو إبليس وأعوانه، ومفهوم الجهاد هو الحرب ضد نوازع الشر وليس مع أخيه الإنسان.
وعندما نتكلم عن فضل المسيحية في دعم القيم الإنسانية فنحن نعني ما نقول استنادًا لنصوص كتابنا الذي نؤمن به ولا تحمل معانيه أي لبس أو تناقض، ويحدثنا علماء النفس عن كيفية تكوين الجهاز العقائدي داخل الإنسان الذي من خلاله ينتج النسيج الفكري الذي يحدد توجهات الإنسان وأفكاره وسلوكه ورغم أن العملية معقدة إلا أن الخلاصة ببساطة أن التجارب أثبتت أن التعليم الموجه منذ التنشئة وباستمرارية بمرور الوقت يتمركز في اللا وعي وبتعاقب الأجيال تؤثر هذه الأفكار العقائدية في التركيب الجيني داخل الإنسان وفي التركيب الكيميائي في الدماغ وفي تكوين الشبكة العصبية التي تربط بين المخ والجسم وهي المسئولة على توصيل الإشارات ومنها يخرج المخزون الذي يقبع في اللا وعي إلى الوعي فيكون صورة المنتج النهائي.
لهذا نجد أن التعليم الديني عن التسامح تراكميًا جيل بعد جيل، يجعل الإنسان المسيحي يولد بميول فطرية لتجنب العنف والشجار أضف إلى ذلك البعد البيئي المستمر الذي يقود لحالة من التشبع يصبح معها من الصعب على الإنسان الخروج منها.

ثانيًا: واقع يعيشه المسيحيين عبر عقود مما يعانوه من الممارسات العدوانية والتعدي والتحيز من شريحة الأغلبية، والغريب أن الآخر يستمرأ قيمة التسامح في المسيحية ويتمادى في الجور والتشدد مستهزءًا معتبرًا هذه القيمة ضعف وجبن استنادًا للتفسير الحرفي للآية القائلة "مَن لطمك على خدك الأيمن حول له الآخر أيضًا" (مت 5: 39) والتي يفهمها الطرفان خطأ -المسيحي وغير المسيحي- كما لو أن المسيحي ملطشة يستمتع بتلقي الصفعات واللكمات! مع أنها صياغة رمزية تعبر عن ما يجب أن يتحلى به المسيحي من تسامح ومسالمة وعلى هذا القياس كثير من النصوص التي يتم تفسيرها بطرق خاطئة.
المهم فالسلوك الاجتماعي العدواني ضد المسيحي مع العامل السابق الذي ذكرناه نتج عنه فقدان الأمل في الحصول على حقه بدرجة من العدل والمساواة وجعلت كثير من المسيحيين يصابون بالجُبن في مسلكهم في المجتمع، وهناك كثير من المشاهد تعبر عن حقيقة جُبن المسيحيين، فمن جُبن النصارى أنهم لا يعبرون عمّا يضايقهم وما يرفضونه في قرارة أنفسهم من الأحداث الدائرة حولهم والاكتفاء بالفضفضة والجعجعة والتباكي داخل الجدران المغلقة مثل ضيقهم من وجود المادة الثانية في الدستور لأنهم يرون أنها أحد الأسباب في تجاوز حقوقهم ومثل سكوتهم وعدم إعلان رفضهم الصريح للمطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية حتى على المسيحيين والاكتفاء بتقديم إجابات دبلوماسية لا تخلو من النفاق، وسكوتهم عن كل ما يقدم في الإعلام الرسمي من انتقاد لعقيدتهم ولإيمانهم وعدم السماح لهم بأي فرصة للرد حتى لمن يسألهم من الآخر في أمور إيمانهم خوفًا من اتهامهم بالتبشير، ومثل إجبارهم وأولادهم على دراسة الدين والتاريخ الإسلامي.

ومن مظاهر الجُبن أيضًا من يتنكر لإيمانه وعقيدته خضوعاً لعلاقة عاطفية عابرة أو استغلال الثغرات الموجودة في القانون كحل رخيص وسهل للحصول على الطلاق، أو بسبب إغراءات وضغوط مادية.
واستكمالاً لمشاهد الخزي والتخاذل نجد أن بعض المسيحيين العاملين بالوظائف يحاولون مدارات إيمانهم وعقيدتهم مهما تعرضوا لاستفزاز أو ازدراء إن لم يكن خوفًا من حدوث مشاكل فليكن بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن هذا السلوك ربما لا يجعلهم يتجاوزوه في الترقية أو العلاوة.
وعن أوضاعهم في العمل أصبح العرف السائد أن هناك سقف لا يمكن أن يتخطاه الأقباط في المناصب لمن هم يعملون بالفعل ولا أمل لفرص جديدة، وأن بعض الأفراد الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين يتم تعينهم من أجل التلميع الإعلامي ويعملون تحت ضغط رهيب، وفي محاولة إرضاء القيادات نجدهم يقسون على الأقباط خوفًا من اتهامهم بالتحيز وإقصائهم من منصبهم الذي سوف يتركنه في القريب العاجل أو بعد بضعة أشهر.
أما عن الذين يحملون لقب المفكر القبطي في وسائل الأعلام المصرية فَحَدّث ولا حرج هم أولئك المتصديين لمن يطالب من الأقباط بجزء من الحقوق أو الرافضين للتعتيم الإعلامي على حقيقة أوضاعهم ومشاكلهم وتحيز رجال الأمن وهناك من يسمعوا الازدراء من دينهم وعقيدتهم في وسائل المواصلات ولا يجرأون على تقديم الدفاع عن معتقداتهم، أو عندما يفتح الجار جهاز الكاسيت مضافًا إلى أصواتًا لميكروفانات من هنا وهناك للدرجة التي لا نستطيع أن نتحدث في بيوتنا حديثنا العادي وبعض الكنائس التي أدعى إليها أحيانًا متكلمًا. أعجز عن تقديم كلمتي بسبب الميكرفونات المقابلة خصوصًا في الأحياء الشعبية ولم يجرؤ أحد حتى الذهاب إلى المسئولين لتقديم احتجاجهم، وهناك الكثير الذي يمكن أن نقوله عن صمت المسيحيين طلبًا في السلامة والسلام ولكن أحيانًا صمتهم هو نوع من أنواع الجُبن والمداهنة أكثر منه تسامح وود فلن تقف رحى التجاوزات طالما هناك هذا الصمت.

فيجب أن يعبر المسيحيون وبصوت مسموع عن كل هذه المضايقات هنا وهناك حتى وإن كان يتم التجاهل لشكواهم وضيقهم وأن يساند المسيحي القوى الضعيف، صحيح أن هناك عدم ثقة من المسيحي في هذه الفترة من تطبيق القانون والعدالة والمساواة وذلك ليس بسبب القوانين والدساتير المكتوبة ولكن بسبب الأفراد القائمين على تطبيقها ومدى تحيزهم وانحيازهم نتيجة للثقافة السائدة والداعمة للطائفية والتي تزداد رسوخًا، ورغم كل هذا فلا داعي لليأس أو التجابن، وحيث أنه ليس من ثقافة المسيحي الخروج في مصادمات عنف وشجار جماعي منظم أو صنع قلاقل في المجتمع فمثل هذه الأفعال محرمة والخروج عن النظام والقادة حتى وإن كانوا من غير مسيحيين هو خروج على سلوك الإيمان (1بط2: 13– 18) فلابد من سعى المسيحيين لأخذ حقوقهم عبر المؤسسات القانونية باذلين أقصى جهد لتفعيل مواد القانون. 

وتبقى كلمة أخيرة لماذا كل هذا الحكى؟ طبعًا ليس المقصود التحفيز على الآخر حاشا لله، فليس هذا هو دعوتنا ولكن للتوقف عن الثرثرة في الخفاء وخلف الجدران وداخل الحجرات المغلقة، فهذا سلوك الجبناء وينتج عنه ضغينة في الصدور وبغضة وغضب ومرارة، ولا يفوتنا أنه في إيماننا لا تَقبل عبادة من يحمل هذه الصفات في قلبه (مت23:5-24). وهي أيضًا كلمة عتاب للجميع لأنه هكذا تأمرنا أيضًا كلمة الله (مت18) فالعتاب هو نوع من التواصل بين بني البشر تنادي به كافة الرسائل الدينية للتقارب والتصالح فيجب علينا جميعًا نحن أبناء هذا الوطن الغالي أن نتحول من القسوة إلى الوداعة ومن العدوانية إلى التسامح ومن الكراهية إلى الحب فهذه هي إرادة الله.

ولا يفوتنا ألا نكف عن الصلاة والدعاء لأجل هذه الأمور، ولا ننسى نحن المسيحيين أن نذكر أخواننا الذين يختلفون معنا في الإيمان بالدعاء بكل خير في صلاتنا فهذه طلبة حبيبنا رب المجد يسوع المسيح. "باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (مت 44:5) وليس هذا جُبنًا.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٩ تعليق