CET 00:00:00 - 05/09/2009

مساحة رأي

بقلم: محمد عبد الفتاح السروري
(إتجاه فكري أشد خطورة من الليبرالية والعلمانية والماركسية، وكل ما عرفته البشرية من مذاهب واتجاهات هدامة، ذلك أنها تضمن كل هذه المذاهب الفكرية، وهي لا تخص مجالات الإبداع الفني والنقد الأدبي، ولكنها تخص الحياة الإنسانية في كل مجالاتها المادية والفكرية على حد سواء).
السطور السابقة هب جوهر ولب المأساة التى تتضح من خلالها ملامح الحالة العامة التي تعيشها العقلية العربية والإسلامية، فما أن تشرع في البحث عن معنى أو مرادف لمصطلح الحداثة إلا وتجد أمامك هذا الكم الهائل من التعريفات التي تأخذك بعيدًا عن واقع الحياة ومجريات الأحداث.

يمكن لأى إنسان أن يدخل على شبكة الإنترنت ويحاول البحث عن مفهوم الحداثة، وإن فعل ذلك فلن يجد أمامه إلا هذه النوعية من التعريفات التي تغيّب العقل وتلغي الواقع وتستبيح المستقبل لصالح التيار السلفي الغني عن الوصف والهدف أن العالم الآن يسبح في بحر من الحداثة، والمفارقة أن جميع منجزات هذه الحداثة يرتع في خيراتها هؤلاء الذين يرمونها بأبشع النعوت، وليس هذا فحسب بل أن أصحاب الفكر الغير حداثي يستخدمون كل منجزات الفكر الحداثي ليس فقط الوسائل التكنولوجية الحديثة ولكن أيضًا في أساسيات ومنطلقات الإقناع في الحوار، وأعني بذلك أن جوهر الحوار الديني هو التلقي من مستوى أعلى (رسول - عالم – فقيه) إلى مستوى أدنى، أما جوهر الحوار الإنساني هو المناقشة يتساوى فيها الجميع في خطوط متوازية حتى وإن كانوا يمثلون مستويات مختلفة من الطبقات الثقافية، حيث لا يستطيع أحد من هؤلاء المتحاورين أن يدّعي أنه الأكثر وعيًا وفهمًا وإلا اعتبره الآخرين تجاوزًا في حقهم، والمفارقة التي أعنيها هنا أن استخدام أساليب القناع من برهنة عقلية وخلافه هو بالفعل ما يستخدمه أصحاب التيار الضد حداثي على الرغم أنه يخالف في جوهره متن وأرضية فكرهم القائم على التلقي والتأمين (آمين) دون إعمال للعقل في المسموع.

إن الدافع من كتابة مقالي هذا هو أننى كثيرًا ما أطّلع على موضوعات قد لا يكون لها علاقة مباشرة بالدين، وكثيرًا ما يلفت نظري هو حالة التحول الحواري التي يُصاب بها المتحاورين عندما يشرعون في ربط كلامهم بالدين على الرغم من أن الموضوع المطروح قد لا يكون له أي علاقة بالدين، والكارثة الحق هي هذه الحالة العجيبة من النفور من كل شكل من أشكال التحديث في أي مجال من المجالات، ولقد أثار انتباهي المقولة التي قال بها الدكتور فتحي سرور في الحوار الذي أجراه في صحيفة الأهرام حين قال أن هناك قوى في المجتمع تقاوم التحديث، اللافت للإنتباه هنا أن الذي قال هذه المقوله ليس محسوبًا على المعارضة بمعنى أنه لو كان قائل هذه العبارة من التيار المعارض لتم فهم الأمر ولكنه غير ذلك، وهذا معناه أن التيار (الثباتي) متغلغل في صميم حياتنا والذي يعضد هذا التيار ليست السلطات الحاكمة حفاظًا على مكانتها ولكن الذي يدعم هذا التيار هو الثقافة العامة للمجتمع ككل.

الفكر الإسلامي الذي يتسيد الساحة الآن هو فكر سلفي يُقدس العودة لما كان عليه الأقدمون، وهذا معناه أنه ضمنيًا يرفض فكرة الحداثة شكلاً وموضوعًا لأن في ذلك هدمًا لمشروعه المطروح.
ولنستعرض سويًا ما يقوله أصحاب الفكر السلفي ورأيهم في الحداثة كمفهوم (فالحداثة إذًا من منظور إسلامي عند كثير من الدعاة تتنافى مع ديننا وأخلاقنا الإسلامية، وهي معول هدم جاءت لتقضي على كل ما هو إسلامي دينا ولغة وأدبًا وتراثًا، وتروج لأفكار ومذاهب هدامة، بل هي أخطر تلك المذاهب الفكرية، وأشدها فتكًا بقيم المجتمع العربي الإسلامية ومحاولة القضاء عليه والتخلص منه، وإحلال مجتمع فكري عربي محله يعكس ما في هذه المجتمعات الغربية من حقد وحنق على العالم الإسلامي، ويروجون بكل اهتمام وجديه من خلال دعاتها ممن يدعون العروبة لهذه المعتقدات والقيم الخبيثة بغرض قتل روح الإسلام ولغته وتراثه).

ومن آرائهم أيضًا (يذكر د. محمد خضر عريف في معرض حديثه عن الحداثة وتعليقه على بعض الدراسات التي صدرت حولها من غير مفكريها وروادها في الوطن العربي في كتابه الحداثة مناقشة هادئة لقضية ساخنة قائلاً: "إننا بصدد فكر هدّام يتهدد أمتنا وتراثنا وعقيدتنا وعلمنا وعلومنا وقيمنا، وكل شيء في حاضرنا وماضينا ومستقبلنا").
هذا غيض من فيض ومجرد استعراض بسيط لنوعية الكتابات المكتوبة عن الحداثة، ويتضح فيها إضمار هذا الكم الهائل من الكراهية للحداثة وأهلها وإعمال كل معاول الهدم لكل محاولات تجاوز الواقع لما هو أفضل باستخدام أساليب هي في حد ذاتها خلاصة تجارب بشرية ومنتجات فكرية لعقليات سمح لها المناخ العام في بلادها بارتياد آفاق أوسع مما سُمح لنا (هذا على افتراض أنه قد سُمح لنا بأي شيء)، وإذ بنا نحول القضية برمتها إلى قضية دينية بدلاً من أن نتعامل معها على أنها إشكالية حضارية تخضع للمعايير الإنسانية العامة من حيث النتائج والأهداف دون أن ندخلها في غير سياقها الطبيعي، وهذا ما كنت أقصده عندما تحدثت عن هذه الحالة من حالات التحول الحواري الذي يصيب البعض.

إن قضية الحداثة قضية إنسانية عامة وهي متشعبة في كل المجالات في الفن والأدب والسياسة والفكر، هي أسلوب ونهج وليست غاية في حد ذاتها كما أنها لا تمثل دينًا بشريًا مستقلاً، بل قد تأتي نصرة الأديان من خلال منهجها إذا برع المدافعين عن الأديان في استخدام طرائقها.
الحداثة مثل العولمة.. لا أحد يستطيع أن يتجاهلها إلا بتجاهل الحياة نفسها، لا أقول أنها مفروضة على الجميع ولكن الكل شاؤا أم أبوا يندرجون تحت لوائها فهي الواقع ذاته، هل يستطيع أحد ان يتجاهل الواقع ويحيا في عالم موازي من صنعه الخاص؟ المؤسف أن الإجابة نعم.. والدليل القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية والكتيبات والأشرطة التي خلقت عالم آخر غير الذي نحيا، فبأى عقلية يمكن أن يفهم هؤلاء الكثر أن ما يحيون ليس الواقع؟ وبأي طريقة يمكن إقناعهم أن يدخلوا في عالم اليوم كما دخله السلف الصالح في زمانهم؟ ياله من سؤال!

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق