بقلم: هيام فاروق
كل إنسان يبحث عن الحب.. الطفل، المراهق، البالغ، بل حتى الشيخ.. وقد يعيش الإنسان طويلاً وعريضًا، ولكنه لا يعرف بالضبط أي نوع من الحب الذي يشعر به.. إنه يشعر بحرارة تملأ نفسه وتفيض على الناس حوله فيعلن بين نفسه وبين الناس أن هذا هو الحب.
كنت مع أولادي لشراء بعض مستلزمات العام الدراسي، وعندما تعبنا في منتصف النهار دخلنا إلى محل من محلات كنتاكي الشهير، وفي أثناء جلوسي على إحدى الترابيزات التي تتوسط المكان لمحت في الترابيزة التي أمامي فتاة منقبة ترتدي حذاءًا شديد الجاذبية ويجلس أمامها شاب كوووول خالص، وبعد دقائق قليلة كانت قد رفعت البرقع عن وجهها.. آآآآآآآآية فى الجماااااال والرقة.. لم أرى في أيديهما أي معالم لارتباط رسمي، ولكن تبادل نظراتهما الجميلة الدافئة كانت أقوى من أي ارتباط.
جُلت بنظرى خلال الزجاج الشفاف الذي يُغلف المكان، رأيت رجلاً تبدو عليه ملامح أزمة منتصف العمر -أي تخطى عمره الخامسة والأربعين- يقف وهو يتكلم مع سيدة أنيقة يبدو أنها ليست زوجته حيث اهتمامه الزائد بها وبحديثها وبتركيز نظره إليها أثناء الحديث على غير عادة المتزوجين.
ولمحت بعدها فتاة وشاب في عمر المراهقة متشابكي الأيدي رغم صغر عمرهما ويهيمان حبًا وعشقًا على حد خيالهما الصغير والغير مكتمل النضج.
سرحت كثيرًا وفكرت أن هؤلاء المراهقين غير مكتملي النضوج الفكري والعاطفى -هذا صحيح-، ولكن ما الحال لهذه الفتاة التي أمامى والشاب الذي معها.. رغم عدم ارتباطهما بشيء رسمي.. وأيضًا هذا الرجل الذي أراه خارجًا باهتمامه الشديد بهذه السيدة الأنيقة الوقورة شكلاً؟؟
رأيت أننا كشعب مصري نتمتع بالكثير من الرومانسية وكثير من الذوقيات المتبادلة بين الرجال والنساء المعتدلين فكريًا ونفسيًا بصرف النظر عن الدين واللون، ولكننا نُشبع هذه الصفات أحيانًا في غير مكانها الصحيح.. أليس صحيحًا؟؟ نتعطش إلى علاقات تبدو لنا مُشبعة في بعض الأحيان، لكنها ليست هكذا، أو ربما لها إشباع وقتي سرعان ما يضمحل.
لا أريد أن أعتب أو ألوم على أصحاب هذه العلاقات، ولكنى فقط أتساءل.. أين الحب داخل بيوتنا؟ أين كلمات التشجيع التي أصبح كل فرد يشحذها من الآخر؟ أين النظرة الأولى للزوج الممتلئة بالإعجاب والحب فى بداية ارتباطه بزوجته؟ أين فخره وتباهيه بها؟ أيضًا أين أحضاننا من ضم أبنائنا؟
كم كان إعجابى بالكاتبة المشهورة سكينة المهندس حينما سألتها إحدى المذيعات قائلة.. ما الذى تريدي إستنساخه؟ أجابت قائلة أريد استنساخ الزمن الذي كنت فيه أضم أولادي في حضني وأقبلهم، كبروا أولادي ولم يعد الدلال والحضن يحفل بهما لكثرة انشغالاتهم وتباين أوقاتهم وأوقاتنا.
حقًا كنت زمان أنعم بحضن أبي حتى بعدما تزوجت، كنت أستدفئ فيه.. أشتاق إليه، وظللت هكذا إلى أن رحل من عالمنا منذ حوالى عشر سنوات.
لم أرَ اليوم ولا أسمع من قصص الحب والإرتباط سوى التلاعب بالمشاعر.. لماذا أصبحنا نتلاعب بمشاعر الغير؟.. أإستهزاءًا بمشاعر نستمتع بصدقها من الطرف الآخر؟ أم انتقامًا لعدم حصولنا على مشاعر دافئة فى بيوتنا؟ أم فراغًا ومرضًا نفسيًا؟ لست أدري..
لماذا نتلاعب بأجمل ما يملكه غيرنا؟ وهو قلبه..
وفي خضم هذه العلاقات الغير واضحة المعالم نجد أناسًا مكسورين، انكسر شيء ما بداخلهم.. سقطوا في هوة سحيقة.. بااااااردة.. مُظلمة.. يتذوقون طعم الفقد وإنكسار النفس.. ويتوه القلب في عتمة.
أحيانًا يتخلى عنك مَن توهمته حبيبًا فى ضيقتك.. فلا وقت يضيعه معك، فتشعر أنك هُزمت.. وصُدمت.. وصُفعت صفعة قوية.. قاسية.. مؤلمة.. وتغيب شمس حبك.. وتبحث بين وريقاتك عن كلمة حلوة (أحبك) فلا تجد سوى صدى لآآآهاااات ودموع.. فما كانت تلك الكلمة سوى وهم كبير.. ككذبة أبريل.. عشتها لفترة ما لتكتشف عجزك عن الحب.. وتنظر لوجهك فى المرآة فتجد إبتسامة مكسورة.. قلب مهجور.. وحينئذ لا يتبقى منك سواك.. فتحاول جمع شتاتك.. فهناك بالتأكيد مكان جميل تستعيد فيه نفسك وتقرر ألا تقترب ممن يحاولون العبث بمشاعرك وابتسامتك ونقاء قلبك.. فهذا كل ما تملك..
جلسة هادئة مع الحبيب الذي دعانا أبناء.. الذى جُرحت يديه بين الشوك ليخرجنا من أوجاعنا وآلامنا.. هاتين اليدين التي مسحتا دموعنا ولم يكتفى بهذا بل بكى معنا متألمًا لألمنا وجروحنا التي سرعان ما يطيبها.
سلام الرب يشملكم ومحبته تحتويكم وتغطي كل ضعف واحتياج. |