استعاد الثقة بقوة وينافس المستشفيات الاستثمارية
مستشفيات التأمين الصحي أصبحت بمثابة حلم لملايين المصريين، بخاصة بعدما انتفى شعار «العلاج بالمجان»، وطالت يد الخصخصة الكثير من المستشفيات العامة ومراكز العلاج، وأصبحت تدار بشكل استثماري، على غرار مستشفيات القطاع الخاص. لكن عبد الله أبو الفتوح رغم حقه في العلاج لم يزُر أيا من مستشفيات التأمين الصحي بالبلاد، لاعتقاده أنها لن توفر له الأطباء الأكْفاء أو الأدوية اللازمة، رغم أن الهيئة البالغ عمرها نحو 44 عاما تسعى جاهدة لتطوير نفسها، ومواكبة تقنيات العصر الجديدة، وحل أي مشكلة قد تعترض المشتركين فيها والذين يصل عددهم حتى منتصف 2008 إلى نحو 41 مليون مشترك، من إجمالي عدد السكان الذي يقارب ثمانين مليون نسمة.
ويقول مسؤولون بهيئة التأمين الصحي إنها تبذل جهودا متواصلة لإرضاء المشتركين بها، لا على مستوى كمية الخدمات الصحية بل على مستوى نوعيتها أيضا، وآخرها تمكن مستشفى بمحافظة السادس من أكتوبر تابع للهيئة الأسبوع الماضي من إجراء عملية قسطرة تشخيصية لطفل، لأول مرة، بعد أن كانت مثل هذه العمليات الدقيقة تتم خارج وحدات الهيئة. «الذين يقللون من شأن مستشفيات التأمين الصحي يسعون للتمهيد لخصخصته وتحويله إلى مستشفيات تهدف إلى الربح، بينما نحن نريد أن نقدم خدمات متميزة بمقابل زهيد، وهذه معادلة صعبة»، وفقا لما صرح به مسؤول في الهيئة.
ويترأس عبد الله أبو الفتوح جمعية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأصحاب المعاش المبكر في جنوب القاهرة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يذهب إلى مستشفيات أو عيادات التأمين الصحي مثل مصريين كثيرين، لعدة أسباب ذكر منها الزحام الشديد على هذه المستشفيات، مشيرا كذلك لصعوبة مقابلة المريض لطبيب متخصص داخل التأمين الصحي، عند الزيارة الأولى له، خصوصا إذا كانت الحالة الظاهرية للمريض مطمْئنة، وبالتالي قد يحدث تشخيص غير دقيق لما قد يكون يعاني منه المريض. «أعرف كثيرين من الزملاء المرضى بأمراض مزمنة مثل أمراض الكبد والسرطان يفضلون العلاج في المستشفيات الحكومية مثل القصر العيني ومعهد الكبد، وهذه يرى البعض أنها أفضل بالنسبة إليهم من الذهاب إلى مستشفيات التأمين الصحي».
ويستند أبو الفتوح في حديثه على استطلاع حكومي للرأي حول التأمين الصحي أظهر أن ثلثي المشاركين فيه ليس لديهم «تأمين صحي»، وأن 20 في المائة منهم فقط «يتبعون نظام التأمين الصحي الحكومي»، وأن 67 في المائة من الذين لديهم هذا التأمين ذكروا أنهم «لم يسبق لهم استخدام خدمات التأمين الصحي خلال العام السابق لإجراء الاستطلاع».
أما أهم أسباب عدم الاستخدام فقد تمثلت في ثلاثة، وفقا للاستطلاع، هي «عدم الاحتياج إلى خدمات التأمين الصحي»، و«سوء التعامل وعدم كفاية الأطباء»، إضافة إلى «الزحام الشديد والانتظار لفترات طويلة من أجل الوصول إلى الطبيب المختص».
وكان أبو الفتوح يُعالَج علاجا خاصا من خلال الشركة التي كان يعمل بها، وهي شركة البطاريات بجنوب القاهرة، قبل أن يخرج إلى التقاعد المبكر. وقال: «مسألة أين تعالج الشركة عمالها أمر متروك للشركات التي يتعاقد أغلبها مع المؤسسة العلاجية، التي تختلف عن التأمن الصحي. أنا بعد أن تقاعدت قمت بعمل بطاقة التأمين الصحي إلا أني لم أستخدمها منذ إحالتي إلى المعاش (التقاعد) منذ عام 1997 حتى الآن»، لكن أبو الفتوح يعلم أيضا أنه يمكن لهيئة التأمين الصحي التعاقد مع مستشفيات عامة وخاصة وحتى خارج البلاد حسب الحالات المرضية.
«ربما كانت الهيئة لسنوات طويلة سابقة تعاني من مشكلات نقص التمويل وندرة التخصصات الطبية»، قال أبو الفتوح، وأضاف: «ولذلك فإنها في حاجة إلى زيادة مواردها من خلال استحداث قانون خاص للتأمين الصحي ينص على زيادة الموارد المالية للهيئة بزيادة النسبة المحصلة من المؤمن عليهم، وأن تكون النسبة المخصصة من صاحب العمل ضعف النسبة الحالية، وضرورة زيادة إسهام الدولة في دعمها». واستطرد قائلا إن «الخطوة الأهم، من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد، هي فرض متحصلات على السلع الكمالية والترفيهية والسجائر والخمور والسيارات، لأن كل هذه المصادر تؤدي إلى الأمراض وزيادة العبء على هيئة التأمين، فمن جانب نقلل من عدد المرضى، ومن جانب آخر نقدم لهم خدمات أكثر جودة».
وأضاف أنه كرئيس لجمعية أهلية تتعامل مع المواطنين، فإن غالبية المرضى غير القادرين الذين يأتون إلى جمعيته لطلب المساعدة يرسلهم للعلاج على نفقة الدولة، لأن «المشكلة هي أنني حين أقول لأحد سأرسلك للتأمين الصحي يصيبه القلق بسبب ما يسمعه من شكاوى مرضى آخرين تعاملوا قبله مع هيئة التأمين الصحي، وهذا أمر غير مطمْئن. لا ينبغي أن يكون هناك قلق من مستشفيات التأمين الصحي».
وأضاف أبو الفتوح، وهو قيادي أيضا في حزب التجمع المصري المعارض: «لا ينبغي التفريط في مستشفيات التأمين الصحي تحت مسمى بيع الخدمة الصحية، وهو مصطلح بدأ يتردد بكثرة في الوقت الأخير»، مشيرا إلى حكم أصدرته المحكمة الإدارية العليا بأن الدستور أكد على حق المواطن في العلاج المجاني وأن من شأن تحويل هيئة التأمين الصحي لشركة قابضة أن يتحول العلاج إلى شكل من أشكال الربح وهو ما يخالف الدستور.
وقال رئيس هيئة التأمين الصحي الدكتور سعيد راتب إن الهيئة تعمل على وضع رؤية جديدة تعكس توقعات العميل وذلك من خلال العديد من المشروعات الجاري تنفيذها، منها تحسين الخدمة الموجهة إلى مرضى السكر من الأطفال وذلك من خلال برنامج شامل يعمل على توفير أقلام الأنسولين لـ7409 من أطفال المدارس، إضافة إلى توفير الجرعات الشهرية من خراطيش الأنسولين وشرائط التحليل، والانتهاء من تسليم 3755 جهازا لتحليل السكر بالدم، إلى جانب إجراء نحو 500 عملية زرع قرنية في 15 شهرا.
وأضاف رئيس الهيئة على موقعها الذي جرى تطويره أخيرا على الإنترنت، أن مثل تلك الإجراءات أدّت إلى تخفيض عدد قوائم الانتظار إلى النصف بعد سنوات من الركود. وقالت الحكومة إنها تعد لبدء تجربة نظام جديد للتأمين الصحي يتضمن تطوير مجالات الصحة الأولية والثانوية ورفع كفاءة المستشفيات التي ستنضم إلى النظام الجديد إضافة إلى أطر قانونية وتشريعية، لكنها أوضحت أنها ستبدأ تجربة النظام الجديد في محافظة السويس (شرق القاهرة) خلال العام المقبل، قبل أن تعممه في باقي المحافظات بالبلاد، في محاولة ـ على ما يبدو ـ للتصالح مع المرضى. |