CET 00:00:00 - 10/09/2009

مساحة رأي

بقلم: جوزيف جرجس
كان في إحدى المدن الصغيرة قرية نائية يسكن بها مجموعة من الأهالي المسالمين وكان لهم شيخ كبير المقام يحبه يحترمه الجميع في القرية. عبر السنين والأجيال كانت تختار القرية دائمًا رئيس لها، يكون له كلمته على الصغير والكبير، ليس بالسلطة والعنفوان ولكن بالمحبة والبذل، فكان يساعدهم في كل مشكلة يتعرضون لها على قدر ما يستطيع وكان على استعداد ليس فقط لبذل كل ما لديه ولكن أيضًا لبذل حياته من أجلهم إن كان هذا سيسعدهم أو سيحل مشاكلهم. ولهذه المحبة الباذلة التي كان يعطيها للصغير والكبير، لمن يحبه وأيضًا لمن يلعنه، كان الكل يحترمه ويطيعه في كل شيء. كانوا يطيعوه حتى وإن بدى لهم ما يقوله في ظاهره ليس في مصلحتهم، فهم لهم ثقة غيرمحدوده فيه وفي بعد نظره. ولهذا فإنهم حتى إذا لم يفهموا مغزى بعض الأشياء أو القرارات إلا أنهم في النهاية يطيعونه.
بجوار هذه القرية النائية المسالمة كانت هناك قرية كبيرة نسبيًا. هذه القرية كان لها أيضًا رئيس. عدد سكان هذه القرية كان أضعاف أضعاف عدد سكان قريتنا المسالمة ورئيسها الحكيم. أما رئيس القرية الكبيرة كان إنسان متغطرس متكبر وعدواني، كثيرون من أهل هذه القرية -وإن لم يكن جميعهم- كانوا أيضًا هكذا ولكن بدراجات متفاوتة، هذة القرية كانت تُدار من خلال رئيسها العدواني وأيضًا عدد من المعاونين الذين لا يختلف غالبيتهم عنه. أهالى القرية المسالمة كانوا يخافونهم لأنهم كانوا يحاولون استغلالهم وسلب حقوقهم سواء بطريق مباشر أو غير مباشر. رئيس القرية المسالمة كان على دراية كبيرة بما يستطيعوا أن يفعلوه من شر في أهل قريته، فكان يتعامل معهم بما يُسمى أسلوب الحكمة الذي كان كل من سبقوه على مر الأجيال يتعاملون به، وكان هو الأسلوب الذي توارثته هذه القرية المسالمة على مر الأجيال.

أهالى القرية المسالمة لم يكونوا على درايه حقيقية بحجم الضغط والابتزاز المباشر والغير مباشر الذي كان يتعرض له رئيس قريتهم، فهم كانوا يشعرون به وفي بعض الأحيان يتابعوا بعض أشكال الضغوط والابتزاز. ولكن الحجم الحقيقى لهذه الضغوط لم يكن يعلمه غير القريبين جدًا منه من العاملين معه.

في المنزل الكبير لرئيس هذه القرية المسالمة كانت هناك خزينة حديدية كبيرة مقسمة إلى خرائن صغيرة، كل عائلة في القرية كان يخصها إحدى هذه الخرائن الصغير، كل الممتلكات الثمينة التي كانت تمتلكها العائلة كانت تضعها في هذه الخرينة وتغلق الخزينة بالمفتاح الخاص بها، كل عائلة كان لديها مفتاح خاص بها ولم يكن في استطاعة أحد غيرها أن يفتحها. لكن كان هناك مفتاح رئيسي، بهذا المفتاح يمكن فتح كل الخزائن الموجودة، هذا المفتاح كان يحمله فقط رئيس القرية ولا أحد غيره. كل عائلة كان لديها المفتاح الخاص بخرينتها وتستطيع فتحها في أي وقت تريد. فقط الرئيس كان يمكنه فتح الخزائن جميعًا، هكذا جرى العرف وهكذا تعودوا.

هذا رغم أن دستور هذه القرية لم يكن ينص على أن من مسئولية الرئيس القيام بمثل هذه المهمة على العكس من ذلك، فمسئولية الرئيس كانت وما زالت هي قيادتهم وإرشادهم وليس المحافظة على ممتلكاتهم. بالنسبة لرئيس القرية الحكيم كان هذا المفتاح الرئيسي حمل كبير على كتفيه ومسئولية جسيمة يحملها ليلاً نهار. أهالى القرية المسالمة كانوا يضعوا كل غالي وعزيز لديهم في أمانة رئيسهم دون أن يعرفوا حتى قيمة ما بداخل خزائنهم. هكذا كانت ثقتهم في رئيسهم. هذه الثقة كانت تزيد من المسئولية الواقعة على عاتقه، في الحقيقة لم يكن أحد منهم يتخيل مدى ثقل هذه المسئولية التي عليه سوى هو شخصيًا.

القرية المجاورة ورئيسها العدواني ومعاونيه كانوا على علم ودراية بهذه الخزائن، المشكلة الكبرى أنهم كانوا أيضًا على علم بقصة المفتاح الرئيسي الموجود مع رئيس القرية المسالمة والذي به يستطيعوا فتح كل الخزائن وسلبها كلها أو على الأقل جزء كبير منها. ولأن أغلبية أهالي القرية المسالمة لم يكن لهم دراية كافية بالقيمة الحقيقية لممتلكاتهم في خزائنهم زاد هذا من طمع القرية المجاورة فيما يملكون.
وهكذا كانوا أفراد من أهالى القرية المجاورة وأيضًا رئيسها ومعاونيه يمارسوا باستمرار محاولات ابتزاز وسرقة لممتلكات أهالي القرية المسالمة. فكانوا يضغطوا على الرئيس الحكيم ليستخدم المفتاح الرئيسي لفتح الخزائن فيتمكنوا من سلب جزء من محتوياتها، كان الرئيس الحكيم يفعل ذلك لا لخوف على نفسه أو على حياته ولكن لخوفه من ما يمكن لهم فعله في رعيته.
كم كان يتمنى أن يسحب منه أهل قريته هذا المفتاح الرئيسي ويحطموه ويدافع كل منهم عن مفتاحه بنفسه، فتصبح بذلك محاولة الاستيلاء على أكبر عدد من المفاتيح صعبة جدًا لأنه في هذا الوقت عليهم مواجهة ليس فقط شخصًا واحد ولكن كل أهالي القرية، كذلك حتى إذا نجحوا في الاستيلاء على مفتاح واحد من أحد أهالى القرية سيدوي هذا في القرية كلها وسيعلم الجميع ما فعلوه مما يجعل باقي أهل القرية على حذر، ومع تكرار الاعتداءات وكفاح كل واحد عن مفتاحه ومساعدتهم لبعضهم البعض سيرتفع صوتهم وسيسمع في كل القرى المجاورة. هذا سيجعل بعض أفراد القرية المجاورة التي تعتدي عليهم يتحركون لنجدتهم ويقفوا في وجه أهل قريتهم ويقولوا لهم كفى... ماذا فعل أهالي هذه القرية المسالمة حتى نسلب ما يمتلكونه؟ ومع الزمن قد يخرج جيل جديد من كلا القريتين يكون قد تعلم كيف يعيشوا سويًا في سلام. الجيل الجديد في القرية المسالمة يتعلم الصمود والكفاح والدفاع عن مفتاحه على قدر ما يستطيع، والجيل الجديد في القرية المجاورة سيتعلم من صمود ودفاع أهالي القرية المسالمة أنه ليس من حقهم سلب جيرانهم. أما إذا بقى المفتاح الرئيسي في حوزة الرئيس الحكيم فسيبقى الوضع على ما هو عليه، وسيبقى سلب الحقوق لهم سهلاً جدًا لأنهم لا يحتاجوا الضغط على أهالي القرية فردًا فردًا لابتزازه وسلب مفتاحه ولكن يكفي الضغط على شخص واحد فقط وهو رئيسهم الذي يحمل المفتاح الرئيسي على عاتقه ويظل يحلم أن يأتي وقت ويستيقظ أهل بلدته ويسحبوا منه هذا المفتاح ويحطموه، ليبدأ كل واحد منهم في الدفاع عن حقه بنفسه.
فهل سيأتي يومًا ويستيقظ أهالي قريتنا المسالمة ويفهموا أن رئيسهم سيكون من أسعد الناس إذا هم فعلوا هذا.

دعونا نحلم بهذا اليوم...

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق