بقلم: القس رفعت فكري سعيد
كنت الأسبوع الماضي كتبت في هذا الموقع الثري بموضوعاته مقالاً تحت عنوان "زوجة واحدة تكفي" تعليقاً على ما كتبته دار الإفتاء على موقعها الإلكتروني عن أن المسيحية لا تمانع في تعدد الزوجات, وقد علق بعض القراء الأعزاء على المقال وتضمنت التعليقات بعض الأسئلة وقد وعدت القراء بالإجابة عليها في مقالي القادم، وها أنا أفي بوعدي بالرد وقبل الدخول في موضوع زوجة واحدة أم تعدد زوجات لابد أن نضع إطاراً نفكر من خلاله:
أولاً: من المهم أن نعرف أن هناك علماً مهماً اسمه علم التفسير فلا يجوز لأي أحد أن يفسر الكتاب المقدس وفقاً لهواة دون أن يكون فاهماً لقواعد علم التفسير, فعند تفسير أي نص لابد أن نعرف الخلفية التاريخية لهذا النص ومن الكاتب؟ ومن هم المكتوب إليهم؟ ولماذا كُتب؟ وهل هناك ظروف معينة دعته للكتابة أم ماذا؟ وماذا عن النص في لغته الأصلية.......الخ.
ثانياً: لابد أن نفرق بين إرادة الله وبين ما صنعه البشر, فالله سبحانه لا يمكن أن يخطئ أما البشر فهم خطاة وكثيراً ما تأمرهم نفوسهم بالسوء والأنبياء جميعهم بشر أصابوا وأخطئوا، فمنهم مَن عصى ربه فغوى ومنهم من قتل واعترف قائلاً فعلتها إذ وأنا من الضالين, وهناك من هَم بارتكاب الفحشاء لولا أن رأى برهان ربه, هناك من كان ضالاً وهداه الله وهناك من استغفر ربه فغفر له..........الخ ولكن يبقى الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة –أقصد السيد المسيح– فهو الوحيد الذي لم يفعل خطيئة ولا وجد في فمه مكر لأنه هو القدوس الطاهر المعصوم من كافة الخطايا والذنوب حيث أنه الوحيد الوجيه في الدنيا والآخرة والممسوح من الأوزار والآثام.
ثالثاً: وفقاً لما تقدم نستطيع أن نقول أن أنبياء الله الذين تزوجوا بأكثر من زوجة واحدة لم يفعلوا هذا الأمر بأمر إلهي ولكنهم فعلوه بإرادته الخاصة وذلك لأنهم عايشوا ظروف عصرهم الذي كان ينظر إلى المرأة إما على أساس أنها متاع وظيفتها تسلية الرجل أو على أساس أنها مستودع لإنجاب الأطفال لا أكثر, وبالتالي فإن هؤلاء الأنبياء تعاملوا مع المرأة وفقاً للثقافات الاجتماعية التي كانت سائدة في عصورهم آنذاك ولم نجد في أي نص من نصوص الكتاب المقدس أن الله وافقهم على ما فعلوه أو أنه سبحانه مدحهم على تعدد الزوجات.
رابعاً: أما بخصوص النص المذكور في 1 تيموثاوس والفصل 3 الآية 2 "فعلى الأسقف أن يكون منزهاً عن اللوم, زوج امرأة واحدة" وكذلك النص المذكور في نفس الرسالة والفصل 3 الآية 12 "ليكن الشمامسة كلُ بعل امرأة واحدة مدبرين أولادهم وبيوتهم حسناً" فهذه النصوص لا تعني أبداً أن تعدد الزوجات مباح لكل الناس ولكنه ممنوع فقط للأسقف والشماس, فهنا ينبغي أن نعود إلى قواعد علم التفسير والخلفية الحضارية لهذه النصوص الكتابية وهنا سنكتشف أن معظم الناس -الذين لم يكن الإيمان المسيحي وصل إليهم– كانوا يتزوجون بأكثر من امرأة وعندما وصل إليهم الإيمان المسيحي آمن كثيرون منهم بالمسيحية واقتنع بها وتكونت من هؤلاء الناس تجمعات كنسية وأرادوا أن يوجد بينهم من يقودهم ويرشدهم ويعلمهم, أرادوا أن يوجد من ينظم شئونهم الروحية والإدارية.
وكان من المفضل أن يكون القادة والمدبرين والأساقفة والشمامسة من نفس المكان, لذلك قال الرسول بولس لتيموثاوس لابد أن يوجد أساقفة وشمامسة ولكن ليكن الأسقف والشماس زوج امرأة واحدة وليس أكثر أي أن الشخص الذي سيُختار لخدمة الكنيسة لا يجب أن يكون شخصاً مزواجاً حيث أن هذا الأمر لا يتفق والإيمان المسيحي، وهذا ليس معناه أن المسيحية وافقت على التعدد ولكن من آمن بالمسيحية وهو متزوج بعدد من الزوجات –قبل إيمانه بالمسيح– لم يطلب منه أحد أن يترك زوجاته حتى لا يحدث دمار داخل الأسر وحتى لا يتشرد الأطفال ولكنه لا يصلح لوظيفة الأسقف أو الشماس في كنيسة المسيح.
خامساً: بخصوص مثل العذارى الحكيمات والجاهلات, فهذا المثل عندما حكاه السيد المسيح لم يكن يتحدث عن الزواج مطلقاً ولكنه كان يتحدث عن ضرورة الاستعداد لمجيئه ثانية ووفقاً لقواعد علم التفسير فإن المثل لا يحمل إلا معنى واحداً وليس له إلا هدف واحد, فالمعنى الذي يحمله مثل العذارى هو ضرورة السهر والاستعداد لمجيء المسيح ثانية وليس تعدد الزوجات.
وختاماً.. إن إرادة الله منذ البدء زوجة واحدة, فلو كان سبحانه يريد تعدد الزوجات لكان خلق لآدم أكثر من حواء, فالكون في بداية الخليقة كان يحتاج لإعمار والأرض كانت تحتاج لمن يملأها ولكنه على الرغم من كل هذا لم يفعل إلا ما أراده حرصاً على المرأة وعلى مشاعرها, فكما أن مشاعر الرجل لا تقبل أن يشاركه أحد في امرأته بنفس القدر فإن مشاعر المرأة –ككائن مساو للرجل تماماً في كل شيء_ لا تقبل أن تشاركها امرأة أخرى في زوجها!!
وأود أن أقول لكل من يطالب بتعدد الزوجات، أليس من حق المرأة أيضاً أن تطالب بتعدد الأزواج؟!! |