بقلم: سهيل أحمد بهجت ومن ثم تتابع مزاعم المسيري حول هيمنة المؤسسات والبيروقراطيات وتفكك الأسرة وتفكك الإنسان هي نتيجة للعقل التقليدي اليقيني الذي لا يتطرق إليه الشك والسؤال وتكون نتيجته هو النقيض -أي تفكك المؤسسات ودوام الطبقية وتماسك الأسرة الشكلي والظاهري فقط- بمعنى أن مكون الأسرة موجود لكن الأسرة جائعة ومريضة ومليئة بالمشكلات والإنسان الشرقي غير مفكك من حيث الظاهر فهو لا يطرح أي سؤال "إلحادي حسب مجتمعاتنا". كل النقاط المطروحة للنقد مسيريًا -نسبة إلى المسيري- تعكس نظرته الخاصة الفردية الخاصة النابعة من نظرته كمنتمي إلى ثقافة مهزومة وهامشية ومندثرة وبالتالي فإن من الطبيعي جدًا أن تجد في الثقافة المهزومة نوعًا من التبرير للهزيمة عبر تحميل المنتصر "الغرب" تبعات الفشل والتخلف والتفكك الذي نعانيه، فإذا كان الغرب يعيش حالة الاغتراب وتفكك العائلة والعبثية والإباحية وانهيار القيم الاجتماعية، وهو ما يعني أننا كشرقيين على نقيض تلك الحضارة بمعنى أن لدينا حالة الاستقرار والتماسك العائلي والأخلاق والتراحم أو بقية من هذه الأخلاق إذا افترضنا واقعًا أن الغرب قام بعلمنة مجتمعاتنا قسرًا حسب المسيريين، لكن هذا الشرق كان ولا زال يعيش -رغم كل تلك المحاسن الأخلاقية المزعومة- حالة التخلف والتكالب على السلطة والثروة والفساد والحروب الأهلية والانقلابات ليس في العصر الحديث فحسب بل منذ بني أمية. يصر المسيري على أن ظاهرة اللبرالية هي "غربية" انتماءًا وروحًا، وأن العلمانية ليست مرادفة للاستنارة والحداثة بقدر كونها "مادية" غربية، وهذا بالطبع تجاوز لحقيقة أن كل الأفكار تبدأ -حينما تبدأ- وكأنها خاصة بشعب أو أمة من الأمم مثلما كانت المسيحية تنتمي إلى بيئة الشرق الأوسط عند ظهورها ولكن بمرور الوقت أصبحت دينًا خاصًا بالغرب وأخيرًا أصبحت دينًا عالميًا بحق، كذلك الإسلام كان يبدو في فترة من التاريخ وكأنه دين العرب دون غيرهم لكن بمرور الزمن تنوعت تجليات الإسلام ومظاهر مثالنا الثالث هنا هو التشيع، فقد بدأ بالظهور بين العرب في العراق ولكن في فترة من الفترات ولشدة تمسك الإيرانيين به بدا وكأنه خاص بالإيرانيين والعلمانية هنا هي من هذا الصنف، إذ هي بدأت في الغرب ولكنها امتدت كتجربة سياسية ناجحة وكذلك الأمر بالنسبة لتجربة الفدرالية -رغم كونها مسألة إدارة وكونها لا تمس صلب القضايا الجوهرية الإيمانية- ولكن المفكرين في الدول العربية والإسلامية أو النخبة المقربة من الحكام تتجه باتجاه تجزئة العلمانية وتحويرها بحيث تصبح مسألة ذوقية (جوانية) تتبع رغبات الحاكم وذوقه وحاشيته التي تدعم حكمه. فما يسميه المسيري هنا "الوحدة الكامنة وراء التنوع" لا تعني بالضرورة أن الناس يمكنهم الاختيار بين هذه الوحدة الكامنة وبين أن ينخدعوا بتجليات العالم المتعددة، فالحقيقة الكامنة وراء النظرية الشاملة إذا ما أردنا أن نستخدم مصطلحات المسيري، ليست شيئًا نسبيًا يمكننا تبسيطه كما يفعل المسلمون الآن، فبمجرد أن تذكر اسم الله "خالق العالم وعلته" فإن التصور الإسلامي ينتهي مباشرة إلى استدعاء اسم الله المخطط على المساجد والجوامع ورقع الخط وليس الله الواحد الذي يظهر في أسماء متعددة وتجليات العالم المتنوعة. وتغول الدولة وتضخمها هو الآخر يمثل حلقة من حلقات اختبار الإنسانية لأنواع من التطور والرقي في النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسان لا يصل إلى استنتاج ما إلا بعد أن يختبر النظام والقانون ويمكننا أن نجد في التحولات المتموجة للنظام الأمريكي عبر انتقال الفدرالية الأمريكية من الفدراليات القوية إلى المركز القوي وانتهاءًا بالتوازن الدقيق بين صلاحيات المركز والفيدراليات (الولايات) فهذا الانتقال كان نتيجة اختبارات وتجارب أدت بالناخب الأمريكي التصويت لصالح هذا الاتجاه وذاك إلى أن انتهى الأمر إلى مرحلة التوازن الدقيق بين الولايات وحكومة المركز، وعملية الارتقاء بالإنسان وعيًا وثقافةً لا يمكن أن تنتج بدون أن ندفع الإنسان باتجاه طرح كل الأسئلة، فكيف تستطيع أن تثقف شخصًا في شئون الجغرافيا وتمنعه من طرح الأسئلة عن طبيعة الأرض وتضاريسها وتأثير الزمن على الأرض وما إلى ذلك، وكيف يتوقع المسيري أن تتطور بلداننا بدون التخلي عن نمط التفكير القديم ونمط العلاقات القديمة الذي كان يلائم المجتمعات المعزولة وذات الطبيعة البدائية والتي لم تكن عن العالم شيئًا. Email: sohel_writer72@yahoo.com |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ١ تعليق |