بقلم: أكرم هارون
في مقالي السابق خلصنا إلى ما يلي:
1- الفارق بين دول العالم المتقدم ونحن -من حيث نظرتهم إلى الإنسان- وماله وما عليه وإلى أن أعظم قيمة هي الإنسان، وإيمانهم بحقوق الإنسان هي قيمة عليا وحقوقه يجب أن يحصل عليها.
2- كل من هم في موقع القيادة والإدارة بداية من أي رجل في موقع قيادته لبيته مرورًا بالمدير أو صاحب العمل في عمله انتهاء بأعلى مناصب الدولة، لا تطالب طرفك الآخر في العلاقة بتنفيذ واجباته قبل أن تعطيه كامل حقوقه وإلا ما تفعله وتقوله هو شيئًا من الهراء.
وحول النقطة الأخيرة يدور حديثي، وفي هذا اليوم سيكون تركيزنا على أول وأصغر علاقة في المجتمع وهي العلاقة الأسرية، وأنا أثق أن الكثير جدًا من النساء سيعلو صوتهم هنا قائلين ومطالبين أزواجهم (اعطني حقوقي أولاً... يا زوجي).
أحبائي... رغم أن العلاقة الأسرية هي أصغر العلاقات في المجتمع إلا أنها أهم العلاقات على الإطلاق لعموم المجتمع، فببساطة أي مجتمع يتكون من مجموعة كبيرة من العلاقات الأسرية، وإذا ما كانت العلاقة الأسرية سليمة وصحيحة لا ينصلح حال المجتمع كله.
بالطبع سينتفض كثيرون هنا ممن يحاولون إخفاء رؤوسهم في الرمال قائلين إن العلاقة الأسرية في مجتمعاتنا الشرقية والعربية هي أفضل العلاقات على الإطلاق، وسيعللون ذلك بمطالبتنا بالنظر إلى بلاد العالم المتقدم وأن الأخلاق هناك منحلة والعلاقات الاسرية متهدمة، وهاك ردي عليهم علمًا بأن هذا ليس دفاعًا عن الدول المتقدمة ولكن هو رغبة في تقدمنا نحن ولنلحق بركاب العالم المتقدم وعدم البقاء قي محطة التخلف.
أولاً: يا سادة.. ليست جميع بلاد العالم المتقدم بلاد منهدمة في علاقاتها الأسرية، وليست جميع بلاد العالم الثالث ناجحة في علاقاتها الأسرية، ولاحظوا أن مجتمعاتنا الشرقية ترفض دائمًا الغور في أسبار العلاقات الأسرية ودائمًا ما يلجأون لإخفاء أي أخطاء أو مشاكل في هذه العلاقات.
ثانيًا: حتى ولو كانت هذه البلاد صاحبة علاقات أسرية متهدمة، فنحن نكون أوفر حظًا منهم إذ رأينا مجتمعات خاضت تجارب ولها نجاحات ولها أيضا إخفاقات، فلنأخذ منهم ما هو صحيح ومناسب لعاداتنا وتقاليدنا وهي في النهاية قيم ومعايير أخلاقية ودولية، ولا تنسوا أيها المعارضون الأشاوس أن هذه البلاد مهما كان من أخطائها فهي في ركب التقدم بدرجات بعيدة عنا.
نعود لموضوعنا الأساسي وهو اعطني حقوقي أولاً... يا زوجي. وهنا أضع عددًا من الحقوق اللازم إعطائها للزوجة في مجتمعنا وإن كان يجب أن نسلم ليس كل الأزواج يبخسوا حقوق زوجاتهم، ولكن أقول ثانية ومرارًا بأننا نركز على ما هو ظاهرة وقاعدة وليس الاستثناء، وأعتقد أن الكثير يوافقني أن الحقوق المهدرة للزوجات في مجتمعنا هي الغالب الأعم واعتبرها تمثيل مجسد لحقوق المرأة عامة في المجتمع.
أولاً.. حق الاعتراف بزوجته كشريك حياة:
كثيرًا ما يستخدم المجتمع تعبير شريك الحياة سواء بالنسبة للزوج أو الزوجة، وإذا ما دققنا في هذه التسمية نجدها بالغة الأثر ولها صدى كبير علي نفوسنا.. شريك الحياة: يالها من كلمة جميلة في التعبير عن العلاقة بين الزوج وزوجته.
إن كلمة شريك الحياة تنتج آثارًا ونتائج هامة في العلاقة بين الطرفين، تأتي كلمة شريك من الفعل يشارك أي يقاسم، ويشارك تدل على علاقة الشراكة بين أي طرفين والتي تحتاج كل الوضوح والصراحة والشفافية بين الطرفين، عدم الإنفراد بالرأي في أي موقف خاصة في الأمور المصيرية، التخطيط المشترك لتعظيم الربح الاجتماعي والأسري، الحوار والنقاش والتفاهم وإعمال العقل للوصول إلى الرأي السديد أيًا كان صاحبه من الطرفين، الثقة الكاملة والمشتركة بين الطرفين وكلاهما يسعي للأفضل لصالح سفينة حياتهما.
إن مجتمعاتنا الشرقية تميل باستمرار للتعامل مع الزوحة كطرف أقل في الحقوق مهما ادعى الأشاوس، ولنضرب مثلاً بسيطًا: الزوج يحصل على البراءة إذا ما قتل زوجته وهي في حالة تلبس بالزنا بدعوى أن ذلك دفاعًا عن الشرف بينما الزوجة ستسجن في حالة قتل زوجها في حالة تلبس بالزنا، إنها فضيحة أخلاقية يندى لها الجبين وعار علينا أن يكون في مواد القانون المصري مثل ذلك، للأسف إن العلاقة الجميلة بين الزوجين كشركاء حياة تتحطم على صخرة القانون بمثل ذلك وتجعل الزوجة طرف أقل في الحقوق وليست بمثابة الشريك إنما شريك من الدرجة الثانية.
ثانيًا.. حق الاحترام والتقدير:
الاحترام بين أي طرفين في أي علاقة لا بد من أن يكون متبادلاً وليس بدرجة أعلى لأحد الطرفين وأقل للطرف الآخر، الاحترام والتقدير هو إلزامي علي الزوج إن كان يريد المثل من زوجته، ليس من العدل أن يتعامل الزوج مع أقرانه وأصدقائه باحترام وتقدير لشعور كل منهم ويفعل ذلك بدرجة أقل مع زوجته، فلتنتهِ كل ألوان القهر للزوجة بدءًا من السخرية مرورًا بالشتائم والإهانات وصولاً إلى الضرب والإيذاء الجسدي، فحق الزوجة في الاحترام حق لا يُنتقص ولا يُمتهن، في رأيي أن من يضرب زوجته هو أقل من الحيوان شأنًا.
ثالثًا.. حق الاعتراف بقدراتها:
لكل شخص قدرات وإمكانيات خاصة، والزوجة ككائن إنساني نصف المجتمع بالتأكيد له قدرات خاصة وتتميز بها عن وليفها وليس الزوج الرجل دائمًا هو الافضل، والواجب على كل زوج أن يلاحظ الإمكانيات والقدرات التي تتميز بها زوجته عنه ويساعدها على تنميتها وتقويتها والاستفادة منها لخير سفينة حياتهما لا أن يحاول كما في مجتمعاتنا تدمير هذه الإمكانيات وتقليص هذه القدرات خوفًا من أن يُشار لها بالبنان ويدخل هو في دائرة النسيان، للأسف أن الزوج في مجتمعنا يخاف أشد الخوف أن تتقدم زوجته عنه في أي أمور كأن تصل إلى منصب كبير أو أن يُقال عليها من المحيطين عليها أنها أفضل وأحكم وأعقل منه، بل الأشد إيلامًا أن الناس تسعى لترسيخ هذه الثقافة.
يا سادة.. إن الحكمة الشائعة التي تقول أنه وراء كل رجل عظيم امرأة يجب النظر لها بشيء من التحليل، لأن من يدفع إنسانًا للنجاح فبالضرورة أن يكون الشخص المحفز أقوى وأعظم من ذلك العظيم، وعليه يجب استكمال الحكمة إلى وراء كل رجل عظيم امرأة أعظم منه.
رابعًا.. حق الحرية الشخصية:
من حق الزوجة أن تتمتع بقدر كبير من الحرية الشخصية في الفعل والتصرفات، وطالما تواجدت الثقة المشتركة بين الطرفين وأيضًا الاحترام المتبادل فالطبيعي أن يترسخ أيضًا في وجدان الزوجات حق الحرية المسئولة، أيها الأزواج.. إن أعطيتم زوجاتكم الاحترام والتقدير اللازمين واعترفتم بأنهم شركاء حياة وسلمتم يقدراتهم فمن الطبيعي أن يستكملوا حقوقهم بحق الحرية الشخصية، وإذا ما وضعنا في اعتبارنا أن هذه الحقوق السابقة انتجت كيانًا نفسيًا متزنًا وشخصية عاقلة مبدعة، بالتأكيد ستكون الحرية المعطاة لهم حرية مسئولة يراعون فيها تعاليم الله وقيم المجتمع وحبهم واحترامهم لأزواجهم.
إن الحرية قيمة عظيمة تطاحنت من أجلها شعوب ودول ضد جيوش جرارة من أجل الحصول عليها، وأقل شيء أن تحصل عليها الزوجات وأن يكون لهم الحرية الكاملة في القول والتفكير والتعبيرعن شخصيتاهم ومكنون دواخلهم والتصرف في كل ما يندرج تحت بند شئونهم الخاصة، لا أن يقحم الزوج نفسه في كل أمورهم الحياتية في العمل وبين الأصدقاء والأقارب فارضًا وصايته الخاصة على زوجته.
مما سبق توضيحه تبقى لي كلمة أخيرة متمثلة في سؤال:
أيها الأزواج.. لو أعطيتم هذه الحقوق لزوجاتكم، هل ستجدوا وقتًا لتذكير زوجاتكم بواجباتهم؟ إنني أرى أن بيتًا نشأ على مودة وحب وتفاهم وأعطى فيه الزوج لزوجته حقوقها المسلوبة (بفعل ثقافة مجتمعية رديئة ينبغي أن تتغير)، لا أعتقد أنه سيجد وقتًا للعراك والجدال الساخن حول واجبات كل طرف.
وللحديث بقية.... |