بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
أيها المصريون والمصريات.. أبشروا خيرًا حتى إذا كنتم مش دريانين، أنتم تعيشون في كنف وتحت رعاية دولة رشيدة قامت بكافة واجباتها ومسؤليتها الدستورية نحوكم جميعًا وخلّصت كل حاجة خلاص، فقد أرست أسس العدالة والرخاء وقضت على الأمراض والأسقام بكافة أنوعها، وقضت تمامًا على أمية من لا يعرفون القراءة والكتابة وجهل وضحالة حاملي البكالوريوس والليسانس والماجستر والدكتوراه, وفتحت كل العقول المغلقة النائم منها والمتيقظ بإعلام حر شريف صادق وإبداعات أدبية تناطح السحب في قيمها الإنسانية السامية، وارتفعت بالفنون حتى تسامت كل النفوس قاطبة وتحلت بأرق العواطف وازدانت بأرقى مشاعر الحب الخالص التي اكتنفت الخليقة بأكملها حتى الحمار ذات نفسه، عبر عنها الشعراء والمغنين بأعذب بيوت الشعر وأجمل الألحان.
نظرت السلطات المهيبة إلى إنجازاتها فسعدت وشرعت في الاسمتاع بهذه المعجزات الخارقة التي أتمتها بكل كفاءة وأمانة ومن غير ما حد يسرق ولا مليم أو يهلب ولا تعريفة بخرم أو من غير خرم (لا تنسوا أننا نحن المصريين إللي خرمنا التعريفة ودهنّا الهوا دوكو)، وبعد أن اشتدت سطوة مصر وامتد نفوذها وعظمت مهابتها بين الأعراب والعجم على السواء, وبعد حج مبرور إلى بلاد العم سام والتبرك بكرامات مولانا باراك بن حسين بن أوباما, واستعادة ما كان وولى بين المحروسة وبلاد الكاوبوى من ود كان قد تآكل, نظرت الدولة المجيدة إنجازاتها الإعجازية في فترة تعد ومضة عين في تاريخ مصر المديد, فانفرجت أساريرها وقالت في عقل بالها كدة بقى كله آخر تمام, وحان الوقت للفرفشة والإنسجام.
ولعظم الحرص على ألا يفوتكم أيها الشعب المحظوظ أي لحظة أنس أو انشكاح, قررت السلطة السنية أن تشرككم -على طريقتها المعهودة- في مهرجانات الأفراح والليالي الملاح, خد عندك:
قررت الدولة الاستمرار في التخلي عن أقباط مصر وألا تسمح لوجع الدماغ الصادر عن أنينهم ودلعهم المِرِئ أن يعكنن عليها القعدة الحلوة. فكان من المحتم أن يستمر الطناش المتين الذي توالت وتعاقبت عليه الأزمنة والأحقاب بالرغم من شكوى الضحايا بأن الهزار بقى تقيل عليهم حبتين.
امتدت اللعبة إلى المسلمين أيضًا وقُبض على من شبه للحكومة -حارسة الفضائل والآداب وربيبة بن عبد الوهاب- أنهم مفطرين، فأُخذوا إلى معاقل العدالة والفضيلة، ويجيء التبرير الرسمي لهذه الولاية المسلوبة من الديان أكثر قبحًا من الذنب, فقد قيل أن الإفطار العلني خلال شهر رمضان "يؤدي إلى المشاجرات"! فحذار من أن ينقط غسيل منشور على الجيران. فلو قامت شمطة لهذا السبب العضال فستُساق الأطراف المعنية إلى فنادق وزارة الداخلية لدك المزيد من العصي في الأدبار. أما الأزمة الكبرى فستكون, لا قدر الله, عند عدم توافر الأعداد الكافية من العصيان للتعامل مع جموع المتخانقين فى طوابير العيش.
ليس من غير المألوف أو المتوقع أن تلجأ دولة جندت كل قوى الشر فيها للحفاظ على نظامها القائم بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة, والعمل على استنساخه عندما تأتي الساعة. دولة تلتحف بدستور متناقض. دولة يأمر المعلم فيها تلميذه "عبده" أن "يوطي" حتى يسهل له أن يعصف ببرائته, هذا بعد أن كان "جد عبده" -الله يرحمه- يقف إجلالاً وتبجيلاً لمعلمه. دولة أصبح اغتصاب الفتيات القاصرات والتغرير بهن أمرًا ترعاه السلطة وتؤازره حتى يزيد عدد الليمون.
فما رأيكم زاد فضلكم في دولة تنهج هذا المسار؟ تتفنن في تسلية روحها وهي تضطهد خيرة مواطنيها وأكثرهم حبًا للوطن وإخلاصًا له. دولة تعمل بلا كلل أو خجل من أجل إخضاع كنيسة مصر الوطنية العريقة لرئاسة أحد زبانيتها وعملائها فيصبح شريكًا لها في الفساد والإفساد. وتلجأ إلى أحقر الطرق وأكثرها تدنيًا لهدم الكنيسة الوطنية من الداخل بعد رحيل الأسد الجالس على الكرسى المرقسي.
هذه الأقوال أيها السادة ليست من فعل بارانويا حادة أصابت العبد لله, بل تستند إلى مؤشرات وحقائق لا تخطر ببال ولا تطوف بخيال الإنسان الصالح القويم، ولكنها للأسف الشديد واقع يسري بيننا خلف الظهور في تكتم ووضاعة يترفع عن ممارستها أعتى المجرمون.
وعندما يتعاظم اضطهاد الدولة لأقباط مصر, تلك الدولة التي عقدت العزم على إنهاء الوجود القبطي في مصر وأعلنتها مدوية على رؤس الشهود, وعندما يصبح رأس الكنيسة الوقتي من جنودها المطيعين, عندئذ يصبح من المحتم على من ينوي الحفاظ والتمسك بإيمانه المسيحي أن يستعد لعصر جديد للشهداء: عصر الشهداء الثاني في تاريخ الفبط الذي بدأ بتولي العسكر السلطة في مصر. |