«عيد سعيد، أعاده الله عليكم باليمن والبركات».. هذه واحدة من مليار رسالة قصيرة تداولها المصريون بمناسبة عيد الأضحى المبارك، كما جاء فى خبر نشرته الشروق، وتداولته مواقع ووكالات إخبارية فيما بعد. ويقول الخبر إن ملايين المشتركين فى شبكات المحمول الثلاث أرسلوا رسائل تهنئة أنفق فيها المصريون 400 مليون جنيه. وهناك حسبة أخرى تشير إلى أن حجم الإنفاق على التهانى زاد على 700 مليون جنيه.. وهو مبلغ هائل يفوق خيال من يظن أن هذا الشعب يعانى. وهو يعانى بالفعل اقتصاديا كما تشير البيانات الحكومية والإعلامية. لكن سوف يدهشك مشهد الشعب الذى يعانى وهو خارج بعربات محملة بكل أشكال البضائع من المولات والمحال الاستهلاكية الكبرى.. وسوف تسأل نفسك: من أين هذه الأموال؟ وقد تأسف لأننا شعب مستهلك قليل الإنتاج، ولو كنا كثيرا مثل الشعب الكورى واليابانى والماليزى والإندونيسى والأيسلندى لما كانت نسبة البطالة وصلت 12،6% فى آخر تقرير للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء من حجم قوة عمل بلغ 26.839 مليون مواطن؟
هكذا حرق المصريون 400 مليون جنيه فى الهواء، وهو مبلغ يكفى لبناء مستشفى حديث، أو جامعة، أو مجموعة مدارس، أو بناء مصنع، أو إصلاح آلاف الأفدنة للزراعة، وياحبذا لو كانت قمحا. أو تشغيل آلاف العاطلين عن العمل فى مشروعات متنوعة.. ولأننا شعب يقضى نصف عامه فى إجازات واحتفالات وأعياد، (ربنا يزيد ويبارك فى أفراحنا) سوف نجد أن حجم ما ننفقه على رسائل التهنئة التى نتبادلها فى المناسبات قد يتجاوز مليار وربما مليارى جنيه كل عام.. تخيلوا نحن شعب يعانى، هكذا نرى أنفسنا، ونئن بسبب تلك المعاناة، ومع ذلك نحرق أكثر من مليار جنيه أو مليارين فى تهنئة بعضنا البعض بقدوم شهر رمضان المبارك، وبالعيد الصغير، والعيد الكبير، وعيد العمال، والعام الهجرى، والعام الميلادى، ومولد النبى، والذهاب للحج والعودة من الحج، وعاشوراء، والإسراء والمعراج، وأعياد الميلاد للأهل وللأصدقاء، وعيد السادس من أكتوبر والسابع من يناير، وعيد الجلاء، وعيد النصر، وعيد ثورة يوليو، وثورة 15 مايو، وثورة 25 يناير (شعب ثائر)..
هل يمكن أن نفكر فى إيقاف هذا السفه فى الإنفاق.. ألا يستحق الأمر حملة قومية وإعلامية لإيقاف هذا النزيف المالى المهدر لمجرد تبادل التهنئة.. ألا يستحق منكم جميعا أن تبادروا بالتوقف عن إحراق ملايين الجنيهات والتبرع بها إلى مستشفيات وفقراء لا يجد بعضهم قوت يومه؟
أحب الناس. وأتبادل مثلكم رسائل التهنئة بالأعياد والمناسبات. ولكننى من اليوم أعلن للأهل والأصدقاء والمعارف أننى توقفت. وأنتهز هذه المناسبة بتقديم التهنئة لكل قائمة (الكونتاكت) بالأعياد القادمة واللاحقة.. كل عام وأنتم بخير. عيد سعيد. سنة سعيدة. عقبال مائة سنة. حج مبرور وذنب مغفور.. زفاف سعيد. ربنا يتمم بخير. مبروك الشهادة الابتدائية وعقبال الإعدادية.. وأعتذر مقدما على السهو والخطأ.
نقلاً عن الشروق |