CET 00:00:00 - 19/03/2009

مقالات مختارة

بقلم - عايدة رزق

‏..‏ وأنت تهرول كالمطارد من مكان لمكان للحاق بموعد مهم‏..‏ أو لاستكمال بيانات أوراق رسمية‏..‏ أو وأنت محاصر كالأسير داخل سيارتك في شارع مزدحم في ساعات الفوضي المرورية‏..‏ أو وأنت تجلس كالمنبوذ في عيادة طبيب تأخر ساعتين عن الميعاد‏..‏ أو وأنت محشور‏-‏ كمشاغب بمظاهرة‏-‏ في طابور طويل أمام أحد مكاتب الخدمات‏..‏ تذكر هذه المقولة البديعة لرالف والدو اميرسون هدئ من روعك فسوف تتساوي كل الأشياء بعد مائة عام من الآن‏..‏ إذا لم تنفعك هذه المقولة لانها تحتاج لعقلية زاهد‏..‏ فذكر نفسك بالمثل الالماني مهما طال أي شيء فلن يستمر للأبد‏..‏ وإذا سألتني‏:‏ لماذا أذهب بعيدا لألمانيا ولدي المثل المصري الصبر مفتاح الفرج؟‏..‏ سيكون جوابي ان المصريين في العقود الأخيرة باتوا يعتقدون ان الفرج لن يأتي عن طريق الصبر‏..‏ وهكذا اكتسبوا صفة لم تكن من سماتهم وهي نفاد الصبر‏..‏ ومن هنا يمكن تفسير ظواهر عديدة انتشرت اخيرا في المجتمع المصري مثل عدم القدرة علي اتقان العمل‏..‏ وكثرة حوادث السيارات‏..‏ وسرعة اندلاع المشاجرات‏..‏ كما يمكن تفسير ظواهر أخري تبدو للوهلة الأولي ان لا علاقة لها بالصبر‏..‏ مثل قلة المواهب وندوة العباقرة‏..

‏ فلو كان تواس اديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي قد نفد صبره بعد ان فشلت سبعمائة محاولة اجراها‏..‏ لكان ليل البشرية مازال يضاء بالشموع والنجوم‏..‏ كذلك ما كان يمكن لمايكل انجلو ان يدخل التاريخ بوصفه احد اعظم الفنانين في تاريخ الانسانية‏..‏ لو لم يتحل بالصبر الجميل الذي مكنه من رسم سقف كنيسة سيستيين شابيل وهو معلق علي ظهره ساعات طويلة لمدة أربع سنوات كاملة‏..‏ لذلك لم يخطئ الفرنسيون حين قالوا ان العبقرية ليست سوي قدرة عظيمة علي الصبر‏..‏ أيضا لم يخطئ الامريكيون عندما اشاروا إلي ان الموهبة هي صبر طويل‏..‏ فوالت ديزني الذي يعد احد أهم الشخصيات في القرن العشرين كان يمكن ان ينضم إلي فئة المجهولين لو كان صبره نفد بعد ان تم رفض تمويل مشروعه‏302‏ مرة‏..‏ كما ان عدم القدرة علي الصبر كانت وراء معظم الحوادث المروعة‏..‏ كالحادث الذي وقع في شيكاغو وراح ضحيته عشرة مواطنين‏..‏ وبدأ حين انحرفت شاحنة عن الطريق وقتلت ثلاثة من المارة فسارع سبعة اشخاص كانوا في المكان إلي اخراج السائق ومن معه من السيارة وانهالوا عليهم بالضرب حتي فارقوا الحياة‏..

هذا الحادث دفع إم جيه رايان إلي تأليف كتاب اطلقت عليه اسم قوة الصبر قالت فيه ان مري حياة هؤلاء الاشخاص‏-‏ وكثيرون امثالهم‏-‏ قد تغير في اللحظة التي فقدوا فيها صبرهم‏..‏ ولم يتركوا العدالة تأخذ مجراها‏..‏ اما ديفيد هاردن مؤلف كتاب تعلم كيف تصبر‏,‏ فهو يري اننا نعيش في عصر تسود فيه ثقافة ضد الصبر‏..‏ فالناس أصبحوا يعتقدون ان الانتظار يدل علي وجود خلل ما في المجتمع‏..‏ متجاهلين ان الإنسان كان وسيظل مضطرا إلي الانتظار‏,‏ وبالتالي مضطر إلي الصبر‏..‏ ففي الماضي كان ينتظر عودة الأحباب من الصيد‏..‏ وينتظر الطقس المناسب للزراعة‏..‏ وينتظر انحسار الاوبئة‏..‏ اما الآن فقد تغيرت الاشياء التي يتعين علي الانسان انتظارها‏..‏ فهو ينتظر الاشارة الخضراء للانطلاق‏..‏ وينتظر اصلاح عطل الطائرة‏..‏ وينتظر استجابة جهاز الكمبيوتر‏..‏ اما المعلومات التي لا يعرفها المؤلف فهي ان الناس في العالم الثالث ينتظرون اعواما للبت في دعاوي رفعوها ضد خصومهم‏..‏ وينتظرون سنويا علاوة تصلح حالهم‏..‏ وينتظرون أياما في طابور للحصول علي رعيف العيش‏..‏ بالاضافة إلي ان هناك بشرا يتطلب التعامل معهم استدعاء صفة الصبر‏,‏

وهؤلاء اشار إليهم مؤلف كتاب سحر البر حين قال انك لكي تمارس الصبر تحتاج إلي اوغاد‏,‏ اما الذين يتسمون بالدماثة فالتعامل معهم لا يتطلب صبرا‏..‏ وفورا سأنهي هذا المقال قبل ان ينفد صبري علي الكتابة‏..‏ وينفد صبرك علي القراءة.

نقلا عن الاهرام‏

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع