بقلم: د. عبدالخالق حسين
ستُجرىَ الانتخابات البرلمانية الثالثة في شهر كانون الثاني القادم. ومن الاستعدادات الجارية لهذه الانتخابات أمران مهمان: الأول، صدور لائحة قانون الانتخابات، والثاني، التحالفات السياسية الجديدة بين الأحزاب والكتل، والذي نتركه لمقال قادم..
لائحة قانون الانتخابات
أصدر الناطق الرسمي لمجلس الوزراء، الدكتور علي (الدباغ: مقترح قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي) يوم 12 أيلول/ سبتمبر الجاري، والمزمع طرحه على مجلس البرلمان للقراءة والمناقشة والتصويت. والغرض من هذا القانون كما جاء في المقترح هو "لتنظيم وإجراء انتخابات حرة ديمقراطية نزيهة تكون بعيدة عن التأثيرات الخارجية كي تضمن النجاح والارتقاء بهذه التجربة إلى المستوى المطلوب ضمن الأطر القانونية وبموجب المعايير الدولية المعتمدة والتي تساعد على إتمام الانتخابات بشكل شفاف ومرن يضمن حقوق المواطن العراقي في اختياره لممثليه في البرلمان".
وقد أثار مقترح القانون انتقادات من قبل بعض المعلقين لعدد من مواده. ومن قراءتي لهذا المقترح وجدت فيه سلبيات وإيجابيات من وجهة نظري الشخصية، وهي موضوع مقالنا هذا.
السلبيات
لنبدأ بالسلبيات أولاً: وضع المقترح بعض الشروط التي يجب توفرها في المرشح لعضوية البرلمان، منها: أن يكون حاصلاً على شهادة جامعية لا تقل عن شهادة البكالوريوس. في رأيي ورأي آخرين، هذه نقطة سلبية. وقد أجاد الأستاذ طعمه السعدي في مقال له حول هذه المسألة، وأنا إذ أتفق معه فيما يتعلق بالشهادة الجامعية، واعتبرها كشرط سلبي وقاسي من شروط الترشيح. والشرط الآخر المثير للجدال هو، أن لا يقل عمر المرشح عن الخامسة والثلاثين سنة.
فيما يتعلق بالشهادة الجامعية، ورغم قيمتها الأكاديمية وأهميتها المهنية في مجال الاختصاص، وهي مرغوبة وحسنة إضافية فيما لو توفرت في المرشح، ولكني أعتقد أنها (الشهادة الجامعية) لا علاقة لها بالخبرة السياسية ولا دور لها بنجاح السياسي في أداء عمله في البرلمان أو حتى في الوزارة. فمعظم رؤساء الحكومات البريطانية من حزب العمال في الخمسينات من القرن المنصرم، لم يكونوا من حملة الشهادات الجامعية، وكذلك السيد جون ميجر، رئيس حكومة المحافظين البريطانية في التسعينات، كانت شهادته لا تتجاوز المرحلة المتوسطة، وقد عمل فترة كجابي في باصات النقل في لندن، ثم موظفاً بسيطاً في بنك قبل أن يبدأ نشاطه السياسي في حزب المحافظين الذي تدرج فيه إلى أن صار نائباً برلمانياً، ثم وزيراً للمالية في أواخر عهد رئاسة السيدة تاتشر، ثم خلفاً لها كزعيم للحزب، ورئيساً للوزراء لستة أعوام.
نفهم من ذلك، أن كفاءة الإنسان الفكرية والسياسية والاجتماعية، لا علاقة لها بشهادته الأكاديمية والمهنية. فأنا مثلاً، مهنياً طبيب جراح، فما علاقة شهادتي المهنية بثقافتي الفكرية والسياسية والاجتماعية؟ كذلك هناك مفكرون كبار في البلاد العربية مثل الراحل عباس محمود العقاد، الذي ألف أكثر من 80 كتاباً في مختلف مجالات المعرفة، يستحق على كل منها درجة دكتوراه، حسب اعتراف بعض النقاد، ولكنه لا يحمل أكثر من شهادة الدراسة المتوسطة. وهناك الألوف من هذا القبيل.
إن الخبرة العملية وخاصة في مجال السياسة، يكتسبها الإنسان من خلال مدرسة الحياة ونضالاته وتجاربه الشخصية، وليس من شهاداته الجامعية. لذلك أرى إسقاط هذا الشرط، أمراً ضرورياً، وأن يكون المطلوب من المرشح للبرلمان أن يعرف القراءة والكتابة، وربما من الأفضل أن لا تقل شهادته الدراسية عن مرحلة المتوسطة أو الإعدادية كحد أدنى، إضافة إلى الشروط الأخرى مثل تاريخه المشرف في خدمة الشعب، والسيرة الحسنة... وغيرها الشروط المطلوبة التي وردت في مقترح القانون.
أما الشرط العمري أن يكون في الخامسة والثلاثين فما فوق، فهو الآخر يتعارض مع ما هو جار في الدول الديمقراطية العريقة التي سبقتنا في هذا المضمار، والتي يجب أن نستفيد من خبرتها في هذا المجال. فالعمر المقبول للمرشح في بريطانياً مثلاً هو 21 سنة، وعمر الناخب 18 سنة، وهو نفس عمر الناخب العراقي الذي اقترحته مسودة القانون، وليس لدينا اعتراض عليه، ولكن اعتراضنا هو على عمر المرشح. فمع أخذ اختلاف درجة التطور الاجتماعي والحضاري بين الشعبين، العراقي والبريطاني، في نظر الاعتبار، إلا إن الشرط أن سن المرشح خمسة وثلاثين عاماً غير منصف، ونعتقد أن الثلاثين من العمر في الظروف الراهنة في العراق مقبول.
الإيجابيات:
لا نريد هنا عرض جميع الإيجابيات التي وردت في مقترح القانون فهي كثيرة، ولكن هناك إيجابيتين مهمتين، وبسببهما تحاك المؤامرات ضد مقترح القانون بغية تعطيله. وهاتان الإيجابيتان هما: أولاً، العمل بالقائمة المفتوحة ورفض القائمة المغلقة. ثانياً، حظر استخدام الرموز الدينية لأغراض دعائية انتخابية.
فيما يخص القائمة المفتوحة، أعتقد أنها مسألة مهمة جداً وإيجابية يجب دعمها بكل قوة. لأن في القائمة المغلقة لا يعرف الناخب من هو المرشح الذي يصوت له، وبالتالي لا يعرف أي شيء عن سيرته وأخلاقه وسلوكه. فالناخب في هذه الحالة يرى فقط قائمة باسم التنظيم أو الحزب، أو تحالف مجموعة قوى وأفراد. بينما القائمة المفتوحة تضم أسماء المرشحين فيعرف الناخب لمن يمنح صوته. في الدول الديمقراطية كل عضو برلماني هو تحت المجهر، يراقبه ناخبوه ليحكموا على درجة نشاطه وتفانيه وإخلاصه للشعب، وهل يستحق إعادة انتخابه في الدورة القادمة أم لا.
فخلال ما يقرب الأربع سنوات الماضية من عمر الدورة الحالية للبرلمان العراقي، لم يكن جميع الأعضاء متساوين في العمل البرلماني. فمنهم الناشط المخلص المتفاني الذي أثبت جدارة في خدمة الشعب، ومنهم من كان وجوده رمزياً من أجل الامتيازات فقط حيث اتخذ من عمان مقراً لإقامته الدائمة، ومنهم له قدم في البرلمان وأخرى مع الإرهاب، ساهم في تردي الوضع الأمني،... وهكذا. وآخرون استغلوا الفرصة فلم يفوتوا فرصة من مواسم الحج إلا وشدوا الرحال للذهاب إلى بيت الله الحرام لغسل الذنوب المتراكمة، على حساب واجبهم في خدمة الشعب.
والمؤسف أن هناك نواباً كانوا لاجئين في الدول الغربية ويحملون جنسياتها، ومازالوا يحتفظون بدور سكناهم فيها، ورغم تمتعهم برواتب ضخمة من الدولة العراقية على مناصبهم، استمروا بلا خجل أو أخلاق أو وازع من ضمير، في استلام رواتب من الضمان الاجتماعي والمساعدات الإنسانية في دول اللجوء. وقد تم الكشف مؤخراً عن عدد من هؤلاء، وخاصة في الدنمارك، حيث نشرت صحافتها أخبارهم بالاسم والصورة وفضحتهم على الأشهاد. وقد جلب هؤلاء سمعة سيئة على الشعب العراقي في الخارج، خاصة وكونهم نواب الشعب، المفروض بهم أن يكونوا مثالاً في النزاهة والأخلاق و قدوة في حسن السلوك، إلا إنهم أثبتوا العكس. إن هؤلاء دفعهم جشعهم وطمعهم إلى هذا التصرف المشين، والمطلوب بنا كعراقيين، إدانة هذا السلوك اللا أخلاقي، ومنهم من اعتمر العمامة كرجل دين، فجمع بيديه السلطتين، الدينية والسياسية، ومع ذلك لم يتورع من أخذ المال الحرام. لذلك، فالواجب الوطني والأخلاقي يحتمان على الأحزاب والكتل السياسية أن تطرد هؤلاء من قوائمهم، وتمنعهم من الترشح للبرلمان أو أي منصب حكومي في المستقبل. كما ونهيب بالناخب العراقي عدم التصويت لهذا النموذج من المرشحين الذين أساؤوا لسمعة شعبنا في الخارج.
من نافلة القول أن أي سلوك غير نزيه من قبل السياسيين في الغرب يواجه بشدة من قلب الشعوب الديمقراطية الغربية. ففي بريطانيا مثلاً، نشرت الصحافة قبل أشهر أسماء عدد من نواب الشعب البريطاني الذين أساؤوا مواقعهم، واستغلوا بعض الثغرات في القانون، فحققوا لأنفسهم وأقربائهم أرباحاً و ومنافع مادية. وقد عوقب هؤلاء بالتشهير بهم، مما اضطروا لإعادة الأموال التي كسبوها دون وجه حق بسبب الطمع والجشع، واستقال البعض منهم، وحرم آخرون من الترشح في الانتخابات القادمة. هذا المبدأ يجب تطبيقه في العراق أيضاً.
ولذلك فنحن نطالب بالعمل وفق القائمة المفتوحة كي يعرف الناخب العراقي المرشحين وسلوكهم، ولا يكفي نشر قائمة بأسمائهم فحسب، بل وحتى نشر صورهم إلى جانب أسمائهم في قائمة التصويت، لأن هناك ناخبين أميين معرضون للخديعة لا يعرفون المرشح من اسمه المكتوب، ولكن يمكن التعرف عليه من صورته.
الحملة ضد القائمة المفتوحة
وصلتني معلومات أكيدة من مصادر عليمة، أن بعض الكتل السياسية، وخاصة تلك التي خسرت مصداقيتها أمام الشعب لأدائها الفاشل خلال الدورة الحالية، وتضم عدداً من النواب الذين أساؤوا لسمعة العراق في الخارج من الذين أشرنا إليهم أعلاه، يحاول هؤلاء فرض القائمة المغلقة لإخفاء أسماء المرشحين من ذوي السمعة السيئة. ويحاول هؤلاء النواب بشتى الوسائل إفشال مقترح القانون الجديد الذي أكد على القائمة المفتوحة. ومن هذه الطرق، إتباع تكتيك عدم حضور جلسة البرلمان الخاصة بقراءة لائحة القانون والتصويت عليه، أي العمل على عدم حصول النصاب الكامل، فيتم تأجيل إقرار القانون إلى الدورة القادمة، وبذلك ينجح هؤلاء في الإبقاء على القائمة المغلقة وفق القانون القديم، وبالتالي تجديد عضويتهم في البرلمان لأربع سنوات أخرى جاثمين على صدور الشعب رغماً عنه. هذه مؤامرة يجب التصدي لها وإفشالها بجميع الوسائل، ويجب على الرأي العام العراقي الإصرار على القائمة المفتوحة. والجدير بالذكر أن المرجع الديني الشيعي، السيد علي السيستاني، أصدر قبل أسابيع تصريحاً يطالب بالقائمة المفتوحة.
حظر الرموز الدينية لأغراض انتخابية
الإيجابية الأخرى في مقترح القانون هي: ".... منع تنظيم الاجتماعات للدعاية الانتخابية في الأبنية الحكومية التي تشغلها الوزارات ودوائر الدولة المختلفة ودور العبادة ودور العلم والدراسة ويحظر استعمال شعار الدولة الرسمي والرموز الدينية وبضمنها صور المراجع في الدعاية الإنتخابية..."
ففي الانتخابات السابقة استغل (الائتلاف العراقي الموحد) صورة المرجع الديني الكبير آية الله السيستاني لأغراض انتخابية. فقد نشر بوستراً يوحي للناخب بأن قائمة الائتلاف هي قائمة المرجع الديني، إضافة إلى نشر إشاعات لخدع البسطاء من الناس من أجل استغلال مشاعرهم الدينية واحترامهم للمرجع الديني في هذا الخصوص، فيكسبوا أصواتهم لقائمتهم. وهذا مخالف لما صرح به السيد، ووكلاءه مراراً وتكراراً. كما وفي المقترح إجراءات ضد الخروقات وعقوبات صارمة ضد من يخالف القانون... الخ
هذه الصور استخدمها الائتلاف العراقي الموحد في الانتخابات السابقة في الدعاية الانتخابية
ـــــــــــ
هامش:
الدباغ: مقترح قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي
http://www.goi-s.com/view.450/ |