بقلم- د. أمجد ثابت معوض
1
ـ "بنتك مش مخطوفة يا سيد، بنتك أسلمت وأشهرت إسلامها، بنتك إتزوجت على سنه الله ورسوله".
لم ينتظر ضابط أمن الدولة أن يبتلع الرجل ريقه من هول الصدمة وأكمل قائلاًَ:
ـ" بنتك حامل يا سيد وهي بنفسها هتقولك الكلام اللي إنت سمعته دلوقتي"
كانت كلماته بمثابة مطرقة ضخمة فوق "نافوخ" الرجل العجوز الذي أراد أن يمسك في عنق الضابط ولا يتركه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة ولكنه تمالك نفسه وقال:
ـ "دي عيلة يا أفندم، دي يا دويك 15 سنه بس".
صمت برهة ثم أكمل:
ـ "وكنتم فين الوقت ده كله جابين تقولوا لي دلوقتي، بنتك حامل؟"
ـ "وكنت فين حضرتك وبنتك دايرة على حل شعرها بتقابل الواد برة بعد المدرسة".
أحس وقتها الرجل العجوز إن الدنيا كلها تدور به حاول أن يتكلم ولكن الكلمات تحشرجت في حنجرته حاول أن يجر رجليه بعيداًَ ولكن رجليه كأنهما شدتا إلى قنطارين من الحديد لقد نسى أن يأخذ حبة الضغط ونسى جرعه الانسولين أيضاًَ، إنه يبلغ من العمر 58 عاماًَ لماذا لم يمت في الثلاثين من عمره؟ لماذا بقى حتى هذا العمر حتى يكره اليوم الذي ولد فيه؟ لم يستجب لضربات قلبه المتزايدة إلا دموع عينيه المنهمرة... ثم سقط مغشياًَ عليه في مكتب أمن الدولة
2
أخيراًَ فتح عينيه في المستشفى تلفت حوله فوجد إمرأته وإبنته الكبرى وولديه, الصمت يملأ المكان لا أحد يجرؤ على الكلام الكل يحني رأسه في خجل الكل يلوم نفسه.
نعم كانت تقابله وهم يعرفون لكنهم يعرفون أنه مسيحي لقد ذهب معها مرة للكنيسة يا لجراءته بل يا لوقاحته لم يكن يعلمون ان إسمه أحمد بل إنه جورج لقد كانوا يسمعون عن تلك القصص وإختفاء الفتيات كانوا يمصمصون شفاهم في غيظ ويقولون "لنا الله" لم يدر بخلدهم يوماًَ ما أنهم سيشاركون في الرواية وان المسرح سيكون تحت سقف منزلهم والبطلة إبنتهم، لم يقطع الصمت إلا صوت فتح الباب- دخلت الممرضة لتقيس الضغط
ـ " كويس الضغط كويس، إحنا إتحسنا خالص ألف سلامة لك يا حج"
أحس الرجل بالكلمة كأنها سكين يطعن به في قلبه طالما تقبلها بسرور من قبل في البيت والعمل والمواصلات والبيع والشراء "إتفضل يا حاج، كوباية شاي للحج، نورت يا حج"، لكنه الآن أحس كم هي ثقيلة وصعبة، أحس إنه يكرهه، فهم الإبن الأكبر من نظرات عيني والده مدى حنقه، إستدرك الأمر بسرعة قبل أن يزيد الضغط ثانية.
ـ "مقدس عم (...........) المقدس
_ "مقدس، حج كلنا اخوات الدين لله .. ربنا يبارك لينا فيك يا مقدس ألف سلامة"
إخوات ... هه ... لقد سئمت نفسه هذا الكلام السخيف لو حقاًَ اخوات أعيدوا لي إبنتي، اخوات نسيج واحد، بلد واحد عنصري الأمة وتذكر مائدة رمضان العام الماضي والتي حضرها مع قدس أبونا.
" أنا هأدور عليهم في كل حتة وكل بلد مش هسكت غير لما ألاقيهم وأقتلهم بنفسي".
هكذا نطق الأبن الأصغر برعونته المعتادة.
قال الإبن الأكبر:
ـ أنا شايف إننا معدلناش قعاد هنا خالص، أفتكر لازم نعزل من البلد ونشوف مكان تاني أنا سبت الشغل.
تلفت الأب نحوي إبنته الثانية ليسمع رأيها ولكنها لم تتكلم فقط إنهمرت في البكاء لاحظ الأب إنها لم تعد ترتدي دبلة الخطوبة لم يسأل ولم يعلق بشيء هو في إيه ولا إيه.
قالت الأم وهي تبكي:
ـ "بنتنا مخطوفة.. بنتنا متربية أحسن تربية، بنتنا متعملش كده أبداًَ، أنا عايزة بنتي... رجعوا لي بنتي".
وبصعوبة بالغة في فراش المرض، نطق الأب المكلوم بصوت يكاد يسمع
ـ" بنتنا ماتت.. بنتنا ماتت ... ماتت وإندفنت".
مرة أخرى الصمت يسود المكان ومازال سؤال واحد في أذهان الجميع بل في أذهان كل من يعرف الفتاة، هل حقاًَ أسلمت الفتاة أم أنها مخطوفة؟؟
لم تعد حوادث إختفاء فتاة مسيحية قضية على المستوى الفردي فمنذ منتصف السبعينات وحتى الآن لا تخلو قرية او بندر إلا وعانى أهلها هذه المشكلة والتي باتت بالحق قضية رأي عام، وصار السؤال الذي يدور في أذهان العامة والمثقفين وتضاربت أجوبته، هل فعلاًَ تسلم الفتاة وتشهر إسلامها بإراداتها الحقيقية ام أنها تختطف وتجبر على ذلك؟
وقبل أن نجيب عن هذا التساؤل، لابد وأن نلقي الضوء على هذه الفترة في المجتمع المصري لنرى سلوكيات الأفراد من خلال ثقافة المجتمع ونركز أكثر على نقطتين في غاية الأهمية:
1- التيار الديني في البلاد والذي عمد على أسلمة كل شيء حولنا من الجامعة إلى الشارع إلى الإعلام – حتى يافطات المحلات ورنات الموبايل والذي صبغ الشارع المصري بأكلمه بصبغة دينية ظهرت بصورة واضحة في مظاهر التدين للشباب وتحجب الفتيات.
2- زيادة معدلات الإغتصاب والتحرش الجنسي والتي أصبحت ظاهرة مرعبة في المجتمعات العربية، ففي مصر أكد المركز العلمي للبحوث الإجتماعية، ان هناك في مصر لا يقل عن 20 ألف حالة إغتصاب او تحرش جنسي سنوياًَ وإن 60 % من فتيات ونساء مصر تعرضن في وقت ما لمثل هذه الأمور حتى ربات البيوت والمسنات لم يسلمن من هذا الأمر وأبلغ مثال ما حدث في وسط القاهرة في أول أيام عيد الفطر بوسط البلد والذي لقب بالثلاثاء الأسود والذي لقب أيضاًَ بالسعار الجنسي في وسط البلد.
ومن هنا نرى أن المجتمع الحالي تسوده حالة من الشيزوفرنيا ما بين شاب متدين ظاهرياًَ منحرف داخلياًَ.
لذا فإختطاف فتاة مسيحية قاصر هو النتائج الطبيعية لسلوكيات هذا الجيل ففي ظاهرها قصة بطولية رائعة لشاب يهدي فتاة إلى دين الله وفي خفاياها إنحراف سلوكي وأخلاقي يقوده شهوات شيطانية.
وقد يقول قائل:
(دي حرية عقيدة والبنات دول حبوا شباب مسلمين والحكاية كلها علاقات غرامية لا دخل الدين فيها) ومن هنا نسأل هل إنقلب الأمر حتى ان بنات الأقباط بكل هذا العدد صرن غارقين في الحب مع شباب مسلمين دون أدنى تقدير وراء عواطفهم الشخصية ودون أدنى إعتبارات لأسرهم ومبادئهم؟
وقد يقول أخر أنهم إعتنقوا الإسلام عن إيمان وعقيدة!!
وهل هذه هي الطريقة التي يرضى بها المسلمون لنشر تعاليم دينهم ومبادئ إيمانهم فلست أدري لماذا لا تسلم الفتاة إلا بعد إختطافها وهتك عرضها؟ أظن ان الإسلام نفسه ينهي عن الفحشاء والمنكر.
لذلك لابد من تكاتف المسلمين والمسيحيين جميعاًَ للتصدي لمثل هذه الأمور التي من الممكن أن تؤدي إلى قيام حرب أهلية ولعل ما حدث في قصة وفاء قسطنطين هو أبلغ مثال على هذا، يقع العبء الأكبر على المسيحيين أنفسهم للتصدي لهذه الظاهرة
1- دور الأسرة
لقد كانت هذه الظاهرة في البدء بين طبقات الأسر المهمشة او بين بنات الطبقات الراقية بنسبة محدودة للغاية ولكنها وصلت إلى الطبقة المتوسطة والتي تمثل غالبية أقباط مصر والتي تعتبر أكبر الطبقات المتماسكة دينياًَ ولهذا فللأسرة دور حاسم لردع هذه الظاهرة.
1- تنشئة الفتاة نشأه كنسية مسيحية وإعادة المذبح العائلي للأسرة
2- المسيحية تلزم الفتاة بلباس الحشمة فالكثير من الناس يعيب على المسيحيات لبسهن ومغالاتهم في إستعمال مستحضرات التجميل ويرون أن الدافع لما يحدث هن المسيحيات أنفسهن بالطبع لست أوافق، ولكني أذكر هنا ما قاله الرسول بولس من ألفي سنة (وكذلك أن النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل لا بضفائر او ذهب او لألئ او ملابس كثيرة الثمن بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بإعمال صالحة ) 1تيمو 2 :9-10
3- الحيلولة بين إختلاط الفتاة المسيحية بالشباب المسلم بل والصديقات المتعصبات دينياًَ وخاصة في أماكن العمل الخاصة كالمحلات التجارية وغيرها.
4- تخفيف عائق الإرتباط بين شباب وفتيات الأسر المسيحية كإختلاف الملل او قيمة الشبكة او غيرها.
2-دور الكنيسة
1- الإهتمام بالوسط الأسري المهمش وخصوصاًَ في المناطق النائية والتي يقطنها بضع أسر مسيحية في وسط مجتمع مسلم بأكمله ولا توجد لهم دور عبادة.
2- لابد وأن تقف الكنيسة وقفة رجل واحد للتصدي لضياع أولادها علي إختلاف المذاهب والملل، فالمهم أن يكون للمرء علاقة طيبة مع خالقه ولا يهم إختلاف مذهبه.
3- تعضيد إجتماعات الفتيات والسيدات في الكنائس وفتح إجتماعات للمشورة.
3-دور الدولة
في إحدى الولايات الأمريكية تمت محاكمة شاب إستدرج فتاة للحديث الجنسي عبر شات على الإنترنت، أبلغت الفتاة والديها الذين إستنكرا الأمر وأبلغوا الجهات المسئولة والتي بدورها حددت موقع الشاب وألقت القبض عليه وتمت محاكمته بتهمة التحرش الجنسي لفتاة قاصر!!
وفي مصر تختطف الفتيات المسيحيات القاصرات أمام أعيننا وتهتك أعراضهن ولم نسمع قط عن محاكمة أحد هؤلاء الذئاب ، بالطبع الدولة لها دور هام وحاسم لردع هذه الظاهرة حتى لا يصل الأمر إلى حرب أهلية وسط غليان الأقباط لضياع بناتهم.
1- الرادع القانوني: فالقانون المصري يحكم على مختطف القاصر بالسجن والقاصر هي من لم تبلغ سن 18 سنة (في تعريف القانون للطفل) وبالرغم من إكتمال أركان الجريمة في حالة إختطاف فتاة مسيحية لكن لم تتحرك الدولة مطلقاًَ لتطبيق القانون على مرتكبي هذه الجرائم من إختطاف قاصر وإغتصابها دون إرادتها، والزواج من قاصر دون السن القانوني، والزواج من فتاة دون ولي أمرها، وإشهار أسلمة فتاة دون سن الرشد (وكانت لوائح الأزهر تحدد سن الرشد لإعتناق الإسلام 21 سنة)، فكما إهتزت مشاعر الوطن كله لقصة إغتصاب الطفلة هند البالغ عمرها 11 سنة، وطالبوا بتوقيع أقصى عقوبة للجاني، لكن لم يتحرك أحد لإختطاف الكثير من الفتيات المسيحيات القاصرات بل وتعاطف المجتمع مع مرتكبي هذه الجرائم.
2- تفعيل دور جلسات النصح والإرشاد: فمن حق الكنيسة والأسرة أن تطمئن لو كانت إبنتهم أسلمت بإرادتها الحرة ام تحت ضغط او إكراه وكانت الداخلية قد ألغت جلسات النصح والإرشاد ونددت جريدة وطني بإيقافها في العدد 2341 لسنة 48 الصادر بتاريخ 5 /11/2006
3-الحد من الإعلام الهادم: والذي يصور أسلمة فتاة كأنه عمل بطولي ويدافع عن زواج إيفون بأحمد وماريا بحسين وإهتداء مارجريت للإسلام وتغيير إسمها إلى فاطمة.
4- توعية الشباب المسلم: توعية الشباب المسلم بأنه ليس هذا هو المنهج الحقيقي لنشر الدعوة الإسلامية بل بالحوار والبينة والبرهان.
5- الوضوح من جانب أمن الدولة: فقضية ماري وكريستين ظلت طي الكتمان قرابة عامين وأربعين يوماًَ وأمن الدولة يتستر على القضية وبقدرة قادر ظهرت بعد 24 ساعة فقط من طلب الرئيس الوضوح وعدم التعتيم يريح الجميع حتى لو كان صعباًَ |