CET 00:00:00 - 19/09/2009

مساحة رأي

بقلم: كمال غبريال
العلاقة بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانوناً، لعبة معقدة على حبل مشدود. . لعبة محكومة بعدد من العلاقات مختلفة نوعياً، أغلبها سري يجري تحت السطح، وتدار حواراته همساً خلف الأبواب المغلقة. . هكذا نفقد طريقنا إلى فهم هذه الشبكة من العلاقات، لو ركزنا على جانب واحد، أو علاقة واحدة من تلك العلاقات، وجهلنا أو تجاهلنا البقية.
حين نتحدث عن جماعة الإخوان المسلمين، فإننا نكون بإزاء أمرين وليس أمراً واحداً. . هناك الإخوان المسلمون  التنظيم، والإخوان المسلمون الفكر. . يقدر عدد المنتمين تنظيمياً لهذه الجماعة، ما بين ثلاثة أرباع المليون إلى مليون عضو، وهو رقم تقديري بهامش خطأ يمكن أن يكون كبيراً، فالرقم الحقيقي يعد سراً خطيراً للجماعة، وإن كان من الصعب تصور أنه غير معلوم للأجهزة الأمنية. . لكن قوة هذه الجماعة، نابعة أساساً من قوة التنظيم وانضباطه البالغ، على الأقل مقارنة بالمقاييس والمعدلات المصرية للانضباط. . لكنها تستند إلى جيوش جرارة من المؤمنين بفكر الجماعة، باختلاف التصنيفات والأسباب، ونستطيع أن نعدد هؤلاء كالتالي، بدءاً بالأكثر التصاقاً بتلك الجماعة الخطيرة المشكلة:

* أفراد الجماعة الذين تم زرعهم عمداً أو وفق الظروف في كافة مؤسسات الدولة وأجهزتها، بما فيها أخطر الأجهزة السيادية، بما يشمل الداخلية وأمن الدولة والقضاء، وبالطبع في وزارة التربية والتعليم خطيرة التأثير، وفي مختلف أجهزة الإعلام. . هؤلاء يقلبون في الواقع تصور أن العلاقة بين الدولة وبين الجماعة المحظورة اسماً هي علاقة مواجهة، إلى تصورها كعلاقة وحدة عضوية بين الجماعة والدولة. . نعم تبقى العلاقة بين الدولة والشق التنظيمي للجماعة يحكمها التنافس (وليس الصراع) على الاستئثار بالسلطة، وعلى كسب ولاء الجماهير، فتراقب الدولة التحركات الميدانية للجماعة على مستوى الشارع، لتضرب وتجهض في الوقت المناسب أي خروج لها عن الحدود التي يسمح بها النظام، وهي الحدود التي تمس أمن النظام والجالسين على سدته بالتحديد، فيما تتحين الجماعة الفرص، لتقتنص أي بادرة تتيح لها المزيد من السيطرة، أو حتى استعراض القوة. . لكن على مستوى الشق الثاني من الجماعة وهو الشق الفكري -سواء جرياً على نهج المزايدة على الجماعة، أو بفعل التأثير القوي لعناصر الجماعة داخل النظام- تقوم الدولة بترويج وتفعيل فكر الجماعة في الحياة المصرية بجميع مجالاتها. . أي تعمل الدولة كما لو كانت جناحاً من تلك الجماعة المسماة محظورة، رغم أنها المكون المجتمعي الوحيد الذي يتمتع بحرية غير متاحة لأي قوى أخرى، بما فيها الأحزاب الشرعية. . وهذا نستطيع أن نراه بوضوح في موقف الكثير من أجهزة الدولة فيما يثار من قضايا مجتمعية، وآخرها القبض على المفطرين في رمضان، وموقف القضاء من البهائيين والشيعة والمتنصرين والعائدين للمسيحية، وفي وقوف الأجهزة الأمنية موقف المتفرج، وربما المبارك أيضاً، مما يحدث من اعتداءات طائفية على الأقباط، الذين يقتلون، وتحرق منازلهم وكنائسهم، دون أي رد فعل حقيقي من الدولة، وكأن الأمر لا يعدو مشاهد لتصوير فيلم سينمائي، يجمع بعدها المخرج ديكوراته وممثليه، ليعيد تكرار المشاهد في موقع آخر. . بل ويتم القبض في بعض الحالات على المجني عليهم الأقباط أو عائلاتهم وشهودهم، حتى يتوسلون العفو والإفراج، مقابل تبرءة ساحة الجناة. . ربما يدعونا هذا إلى الاعتقاد أن المكون الإخواني داخل أجهزة الدولة، هو الأنشط والأكثر إخلاصاً في أداء مهامه، من جميع أجنحة الدولة الأخرى، والتي يغلب على أدائها الترهل والفساد.

* المجموعة الثانية هي من لا يرتبطون بالجماعة كتنظيم بأي علاقة مباشرة، لكنهم متطابقون معها في الفكر والرؤية تطابقاً تاماً أو شبه تام، ويحتل هؤلاء مناصب هامة وقيادية في أجهزة الدولة، وعلى رأس هؤلاء أغلب المنتمين إلى مؤسسة الأزهر، الذي يتهم بالوسطية وهو منها بريء. . هؤلاء أيضاً يمثلون قطاعاً كبيراً فيما يسمى بالحزب الوطني، ولم يعد يدهشنا ما يصدر عن الرئيس الأبدي لمجلس الشعب من تصريحات، لا يذهب لأبعد منها مرشد الجماعة صاحب الطزات الشهيرة، وإلا فماذا نقول عن تصريح سيادته بالارتباط بين الدين والدولة في الإسلام، أليس هذا هوالعمود الفقري لدعوة الإخوان المسلين، وهو ما حظره الدستور، بتحريم قيام أحزاب على أساس ديني أو مرجعية دينية؟. . كما نجد هؤلاء خلف إنشاء فروع للمعاملات الإسلامية داخل البنوك المملوكة للدولة مثلاً، بما يتضمن هذا من إقرار بأن المعاملات العادية غير إسلامية، أو بتعبير آخر مخالفة لصحيح الإسلام. . هنا الدولة المدنية (افتراضاً) تضرب نفسها بنفسها، حين تسقط عن مؤسساتها شرعيتها، لتسقط الثمرات تحت أقدام الجماعة المدعوة محظورة.

* المجموعة الأخيرة والأكبر عدداً، والأعظم تأثيراً في أي انتخابات أو استطلاعات رأي جماهيرية، هي عموم الناس الذين تم اقناعهم بأن ما يقوله الإخوان المسلمون هو الإسلام الصحيح، وأنهم رجال الله الأنقياء الأتقياء، في مقابل رجال الدولة التي يشيع فيها الفساد. . يندرج ضمن تلك المجموعة أعداد خفيرة من الفقراء، الذين تأسرهم الجماعة بخدماتها العلاجية والاجتماعية، ويتلقى بعضهم أيضاً مساعدات مادية، تصل إلى مستوى الرواتب الشهرية. . نعم جزء لا يستهان به من هذه المجموعة، يثق في الإخوان كرجال دين صحيح، ويتبعون ما يقولون به في قضايا دينية مثل قضية الحجاب، لكنهم لا يثقون فيهم كقادة سياسيين، ويتخوفون منهم إذا ما تولوا السلطة، أن يأخذوا البلاد إلى طريق الصدام والخراب، كما فعلت حماس مثلاً في غزة، لكن بقاء الولاء الديني للجماعة بصفة عامة لدى هذا القطاع العريض من الجماهير المصرية، التي يحتل الفكر الديني لديها موقعاً مركزياً، يعطي الجماعة قوة لا نظير لها في الساحة المصرية.

هذه الخريطة للجماعة المحظورة تجعل العلاقة بينها وبين الدولة، ليست مجرد علاقة مطاردة وتربص كل منهما بالأخرى، ولا هي أيضاً مجرد علاقة توظيف الدولة للجماعة كفزاعة، سواء للمجتمع المصري أو العالمي، ليقبل المصريون وأقباط مصر وسائر أقلياتها والمجتمع العالمي النظام المصري الحالي بكل عيوبه، تفضيلاً له على حكم الإخوان، وما يمكن أن يجره من مصائب داخلية وخارجية. . العلاقة هكذا بين الدولة والإخوان علاقة وحدة عضوية، تنتابها تقلصات وأزمات، فالمثل الشعبي يقول "المصارين في البطن بتتخانق"، والإخوان هكذا جزء من شرايين الدولة المصرية وأحشائها. . هنا لا يجب أن يفوتنا أن حملات الدولة الموسمية والمحسوبة على الجماعة، تؤدي لها خدمة جليلة، إذ تضعها أمام الجماهير في موقف الشهيد المضحي بنفسه من أجل الله، ومن أجل العدالة والخير للناس، فهل هنالك أكثر من هذا توافق وتناغم، بين دولتنا الرشيدة، وجماعتها الحبيبة المحظورة؟!!

الآن هل من وسيلة أو طريق لتغيير قواعد اللعب بين الدولة أو المجتمع المصري، وبين هذه الجماعة الفيروس، التي تخرجت منها سائر جماعات التكفير والإرهاب على المستوى العالمي، وليس على مستوى الساحة المصرية فقط؟
لا نظن أن هذا ممكن على المدى القصير أو حتى المتوسط، فقد صار الفكر الإخواني متوطناً في البلاد، مثله مثل البلهارسيا والالتهاب الكبدي الوبائي وإنفلونزا الطيور. . والتغيير المأمول يمكن أن يكون على المدى البعيد، بتجفيف منابع هذا الفكر، وهذا لا يمكن أن يحدث، بغير توحيد المناهج التعليمية، وتطويرها لتكون مناهج علمانية حقيقية، تنتج لنا مواطناً حداثياً، قادراً على التفكير النقدي والمستقل، وليس آلة حفظ واستظهار واجترار لما يُلقن له. . مع الإلغاء التام للتعليم الأزهري في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، واقتصار التعليم الأزهري العالي على كليات الشريعة وأصول الدين وما شابه، ليدخلها من يريدون التخصص في علوم الدين، أما سائر الكليات العملية والنظرية، التابعة الآن لجامعة الأزهر، فلابد من تحويل تبعيتها للجامعات المصرية العلمانية، ليستقيم حالها العلمي والتربوي.
لا منقذ لمصر إلا نظام تعليم ينتج أجيالاً قادرة على مسايرة العصر، بدلاً من إنتاج إرهابيين وأعداء للحضارة، أو قطعان من الجهلة عديمي الحول والقوة، يتسولون خبزهم ومقومات حياتهم من أعداء الله وأعداء الدين!!

فهل سنسير بالفعل في هذا الطريق الصعب والطويل والحتمي؟
الإجابة لدي هي نعم وبكل تأكيد. . سيستفيق الشعب المصري من غفوته، وينهض من رقاده في مستنقع الجهالة والتعصب، ليقف عليه قدميه، ويسرع الخطى للالتحاق بالشعوب السائرة في طريق التقدم. . سوف نفعل هذا بالتأكيد، سواء بإرادتنا أو رغماً عنا. . فلم يعد بالعالم مكاناً للنائمين في كهوف الأزمان الغابرة. . ولا مهرب لنا إلا أن نواجه مصيرنا، ونعمل عقولنا لصالح أولادنا وأحفادنا، قبل أن تجرفنا جرافات الحضارة أمامها، لتلقي بنا في مزبلة التاريخ.

kghobrial@yahoo.com
Kamal Ghobrial
Alexandria- Egypt

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق