بقلم: منير بشاي
في إحدى لقطات فيلم الإرهاب والكباب للكوميدي الشهير "عادل إمام" يظهر وزير الداخلية وهو يتفاوض مع الإرهابي الذي كان يحتجز عدة رهائن في مبنى المجمع الحكومي. وعندما تحين ساعة الصلاة يذهب الوزير -كأي مسئول مؤمن- ومَن معه من مساعدين للصلاة في المسجد المجاور، وأثناء الصلاة يردد إمام المسجد دعواته إلى الله ومنها هذا الدعاء: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. وهنا ينظر الوزير في امتعاض لمساعده الواقف إلى جواره متسائلاً: الراجل دة يقصد مين؟ ويجيب المساعد: يقصد الإرهابيين طبعًا يا أفندم ولكن من تعبيرات وجه الوزير يبدو أنه غير مقتنع.
وكنت قد قرأت مقالاً في العام الماضي يقول بأن الحكومة قد أصدرت تعليماتها إلى أئمة الجوامع بحظر الدعوات ضد المسئولين. ويقول المقال أنه لتفادي المسائلة لجأ الأئمة إلى حيلة ذكية وهي عدم ذكر الأسماء ولكن بالدعاء فقط ضد الظلمة والمستبدين. وطبعًا كان الجميع يعرفون من يقصد الأئمة بما فيهم المسئولين أنفسهم، ولكنهم كانوا لا يجرؤون على محاسبتهم لئلا يكون هذا اعترافًا ضمنيًا بأنهم فعلاً ظلمة ومستبدين.
والمعروف أن هذه الدعوات تزداد كثيرًا في صلاة التراويح خلال شهر رمضان اعتقادًا أن الله يسمع فيه الدعاء خاصة وأنه تقع في هذا الشهر ليلة القدر(غير معروف موعدها بالضبط) التي يعتقدون أنها خير من ألف شهر والتي تفتح فيها أبواب السماء وينال المسلم فيها ما يتمناه. ولذلك تنطلق الدعوات من خلال مكبرات الصوت من كل مسجد، وفي كل اتجاه مثل صواريخ دمار شامل مخترقة عنان السماء وهي تردد:
اللهم أهزم اليهود والنصارى.
اللهم فرّق جمعهم.
اللهم شتت شملهم.
اللهم أرسل عليهم الرياح العاتية، والأعاصير الفاتكة، والقوارع المدمرة.
اللهم أنصر الإسلام والمسلمين.
اللهم أنصر المجاهدين في كل مكان.
اللهم نسألك أن تدمر أمريكا وإسرائيل وجنودهم.
اللهم أحصهم عددًا.. وأقتلهم بددًا.. ولا تغادر منهم أحدًا.
اللهم رمّل نساءهم ويتم أطفالهم وخرّب بيوتهم.
ويرد الجميع: آمين يا رب العالمين.
ويبدو أن هذه الدعوات لم تأتى يومًا بنتيجة ضارة ضد الذين يسموهم (الكفار) بينما قد أساءت إلى صورة الإسلام والمسلمين وأظهرتهم بالتطرف والكراهية مما دفع بعض المعتدلين من الشيوخ بالمطالبة بإعادة النظر فيما يتلى من الدعوات.
وقد نُشر حديثًا خبر يفيد أن رجل الدين السعودي المشهور سليمان العودة قد حث المسلمين على عدم الدعاء على الكفار في نهاية صلاة الجمعة، وقال العودة أن دعاء كهذا حرام إلا في حالة تعرض مصالح المسلمين للأذى. والشيخ سليمان العودة يحظى بالتقدير في العالم الإسلامي وهو عضو في الرابطة العالمية للعلماء المسلمين ولذلك يعتقد أن هذه المبادرة منه سيكون لها ثقلاً وتأثيرًا.
وقبيل بدء شهر رمضان نشر الكاتب محمد الوشيحى مقالاً طريفًا ساخرًا وجريئًا تحت عنوان (آمال مشايخ آل كابونى) تعرض فيه بالنقد لمشايخ الفضائيات مطالبًا إياهم بالكف عن الدعاء هذا العام على النصارى، وهذا بعض ما كتبه: "بدلاً من الدعاء عليهم تعالوا ندعوا لهم. خاصة أنهم يقدمون ما هو مفيد للحضارة الإنسانية، بينما لا نستطيع نحن تقديم ولو جزء يسير مما يقدمونه للبشرية. فبين هؤلاء علماء ومفكرين وباحثين وعقولاً سخّرها الله لخدمة البشر. لماذا لا ندعو الله أن يصلح علاقتنا معهم وأن يساعدهم على اكتشاف علاج لمرض السكري الذي أبادنا ولا سيما أنهم شارفوا على الانتهاء من ذلك؟!"
ثم يتساءل: "ما هذه الغريزة الشريرة التي تتلبسكم؟ تقولون اللهم فرق شملهم... طيب ليش؟ وهم الذين اخترعوا لنا الأدوية والآلات الزراعة وتنقية مياه البحر... أهذا رد الجميل؟ وتدعون عليهم بالشلل بينما يؤكد أولئك أنهم سيقضون على الشلل قريبًا!!"
هذا ينقلنا إلى شريعة الكمال التي أسسها الرب يسوع والتي بنيت على أساس المحبة والبركة بدلا من البغضة واللعنة. فقد قال الرب يسوع في موعظته على الجبل:"سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين" (متى٥:٤٣-٤٥).
وما علّم به الرب يسوع طبقه عمليا في حياته. فعلى الصليب وبعد أن قاسى آلام الصلب المريعة والإهانات القاسية من سخرية واستهزاء لكنه مع ذلك لم يدعو بالنقمة على صالبيه ومعذبيه بل طلب لهم الغفران قائلاً "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا٢٣:٣٤).
وما عمله الرب يسوع طبقه تابعوه في حياتهم. فبعد أن رجم إسطفانوس وقبل أن يسلم الروح "جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية" (أعمال ٧:٦۰). فمثل سيده لم يطلب إسطفانوس لقاتليه النقمة أو حتى العدل ولكنه طلب لهم الرحمة والمغفرة.
ويكتب الرسول بولس بوحي من الروح القدس نفس هذه المبادئ في رسالته إلى أهل رومية ١٢:۱٤ "باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا تلعنوا".
وكم يكون جميلاً لو أننا كمسيحيين نتبع هذه التعاليم السامية فندعوا للناس بالخير ولا ندعوا عليهم بالشر. ليس ذلك لأن الله يستجيب الدعاء بالشر، وإلا لكان العالم قد هلك بمن فيه من زمن بعيد، ولكن لأن الدعاء بالشر يعكس مشاعر الكراهية التي بداخل من يدعو وهذا يحطم نفسية صاحب الدعاء نفسه.
فليكن هذا هو دعاؤنا:
اللهم بارك البشر جميعًا، العدو والصديق، البار منهم والشرير.
اللهم باركهم في أشخاصهم وفي عائلاتهم وفي ذريتهم.
اللهم باركهم في مالهم وأعمالهم ومعاملاتهم.
اللهم نجي البشرية كلها من ويلات الحروب والأمراض والأوبئة والمجاعات والزلازل والفيضانات والتسونامى وكل كوارث الطبيعة.
اللهم انزع الحقد والكراهية من قلوب الناس وازرع مكانها بذور الرحمة والشفقة.
اللهم، يا ملك السلام، عم بسلامك على عالمنا المضطرب، وقبل كل شيء دع سلامك يملك على قلوبنا وأفكارنا.
اللهم أهدى الجميع إلى طريقك وعرّفهم محبتك لأنك أنت اله محب بل أنت هو المحبة ذاتها.
آمين....
Mounir.bishay@sbcglobal.net |