بقلم / مايكل فارس
مذكرة اعتقال البشير أخرجت الأفكار القابعة في جحورها مرة أخرى لنقف على حقائق ليست جديدة ولكنها كانت مستترة أو غير معلنة فنجد مثلاً الفكر الليبرالي المصري مع اعتقال هذا الطاغية الذي ذبح إما بأمره المباشر أو بتعليمات غير مباشرة مئات الآلاف من الأهالي في دارفور، هؤلاء الذين كان كل حلمهم لا أن يسكنوا القصور ولا أن يعيشوا عيشة كريمة حتى بل كان حلم أصغر من أن يقال أقل من أن يذكر هو حلم... يتعلق بضمان الحد الأدنى من الطعام والشراب.
يعيشون في أغنى منطقة في السودان "دارفور" ذلك الإقليم الذي يتمتع بخيرة ثروات السودان سواء المعدنية أو الطبيعية إلا أن الوحيدون المحرومون من هذه الثروات هم أهل هذا الإقليم وكأنها أصبحت قاعدة في الشرق الأوسط (أن يُحرم أصحاب المكان من حقوقهم لتذهب لغيرهم)!!
ومَن يستطيع الخروج للدفاع عن حقه؟ وحتى إن حاول فلابد وأن يحارب بكل قوة وهو ما حدث بالفعل حينما قامت حركات التمرد مثل حركة العدل والمساواة حينما أرادت الحصول على حقوق هؤلاء الذين لا أمل لهم وبعد أن باءت كل المحاولات السلمية بالفشل حاولت أن تجبر ذلك النظام القمعي الديكتاتوري الحصول على حقوقهم، ولكن أنها سياسة دولة أن لا تعطي مواطنيها حقوقها (وهو ما يحدث في مصر الآن كلاهما وجهان لعملة واحدة مع اختلاف نوعية الحقوق المطلوب تحقيقها).
ذهبت حركة العدل والمساواة في مايو 2008 لتكوين قوة عسكرية وهددت بدخول الخرطوم وعزل البشير ولكن الجيش السوداني تدخل ليقمعها ويعتقل ما يعتقل ويقتل ما يقتل....... فكيف للناس تطالب بحقوقها؟ وما فائدة الجيش إذاً؟ وهو ما حدث قديماً في مصر عند ثورة الأشمونيين ضد الوالي الذي أرسل جيوش لإخماد الثورة..... فالقاعدة عند الطغاة... (الحقوق ممنوحة وليست مكتسبة).
فأهل دارفور في السودان هم الأقباط في مصر، والآلاف التي ماتت بالسلاح في دارفور أكثر منهم مات في مصر ولكن ليس بالسلاح بل ماتوا معنوياً ونفسياً وتمنوا الموت من وطأة ما يحدث لهم.
المجتمع المدني العالمي يضغط على النظام السوداني لإعطاء دارفور حقها وهو نفس المجتمع الذي يضغط على النظام المصري لإعطاء المصريين عموماً والأقباط خصوصاًَ حقوقهم.
وبعض المفكرين الإسلاميين يرون أن قرار اعتقال البشير ليس إلا حرب على الإسلام وحرب على العروبة وحرب على المنطقة العربية واختراقها.. والولايات المتحدة الأمريكية تريد الهيمنة مرة أخرى على السودان خاصة لما قام به البشير في الآونة الأخيرة من زيارة لدمشق ومقابلة خالد مشعل وكأنه يقول أنه مع المقاومة (الإسلامية) في فلسطين، وهناك فرق بين المقاومة الوطنية التي يشارك بها كل الشعب والمقاومة الإسلامية التي يشارك فيها الفيصل الإسلامي فقط..... كانت رسالة ضمنية عن فكر ذلك البشير، رسالة أثلجت صدور محبيها....
هؤلاء الذين فرحوا برفض البشير لقرار الاعتقال ونسوا مئات الآلاف الذين ماتوا في بلادهم دون حرب.. فالعدو هو الحاكم وهو المسيطر على قوت يومهم أراد قتلهم ضمنياً وكأنها حرب تصفية جسد أو تصفية عرقية من نوع جديد لأنهم طالبوا بحقوقهم.
فإلى هؤلاء المفكرين المحسوبين على صفحات هذا الوطن ليس بفكرهم أكثر من صوتهم الغوغائي العالي.. انظروا إلى تلك الحروب التي تدور رحاها في الوطن نفسه بين فصيلين، فصيل دائماً مهزوم، حقوقه منتهكة، وفصيل آخر دائماً فائز يقمع ويقتل كيفما شاء..
انظروا لكمة حق وعدل ومساواة إن كنتم تفهمونها لأنكم لو فهمتم ستطلبون اعتقال البشير اليوم قبل غد. |