بقلم: المستشار نجيب وهبة
هناك أمور تحدث قد يتم مرورها بهدوء، لكن هناك أمورًا لا يمكن السكوت عليها لأن الصمت ستكون نتائجه مدمرة، لأنها تتعلق بمصير الوطن. انظر معي قارئي.. لقد حوّلوا كنائس شبه الجزيرة العربية إلى مساجد، ثم اتجهوا إلى مصر. وفي عام 970م أنشأ الاستعمار الفاطمي المسجد الأزهر حتى يكون بوق دعاية سياسية للسلاطين الفاطمية.
وبزوال الاستعمار الفاطمي وعودة الاستعمار العباسي على يد صلاح الدين الأيوبي، تم إغلاق هذا المسجد بالضبّة والمفتاح. وأبّان عصر العبيد المصطلح على تسميتهم "المماليك" تمكن العبد "الظاهر بيبرس" من حكم مصر، ولمّا كان بحاجة سريعة لمسجد يدعو له ويضع لحكمه المشروعية قام بإعادة فتح المسجد الأزهر مرة أخرى لنفسه، وجعل منه الجامع الأول الرسمي في مصر. ثم جاء الاحتلال العثماني وتم إصدار فرمان سلطاني بتحويل المسجد الأزهر إلى المؤسسة الدينية الأولى في مصر، ولم يكن في مصر كلها سوى سبع مدارس إبتدائية وثانوية تتبع الأزهر أُطلق عليها تفخيمًا (المعاهد الأزهرية)، ولك أن تندهش أو تُصعق إن شئت، عندما تعلم أن عددها الآن قد أصبح ينيف على ستة آلاف معهد، إضافة إلى 280 معهدًا عاليًا للعلوم الدينية وحدها!! مع ملاحظة هامة وخطيرة هي عدم تبعية هذه المدارس أو المعاهد لوزارة التربية والتعليم ونظمها على الإطلاق. ثم لك أن تعلم أن عدد تلاميذ المراحل قبل الجامعية بهذه المدارس قد بلغ مليونًا ونصف مليون تلميذ.
ثم تم تحويل الأزهر من جامعة لاهوتية تختص بأمور الدين وعلومه إلى جامعة كاملة فيها كل ألوان العلوم الدنيوية من كليات الهندسة إلى الطب إلى العلوم إلى الصيدلة، إضافة إلى ثلاث عشرة كلية لها فروع أخرى بالمحافظات. وشرطها الأول لقبول الطالب أن يكون مسلمًا. وبذلك قامت بتخريج ألوف الخريجين الموزَعين في مؤسسات الدولة على أساس عنصري وطائفي كامل.
أما ماعدا ذلك فليست هناك أية شروط، فمصروفات تلميذ المرحلة قبل الجامعة في المعاهد الأزهرية 210 قروش، وتصل المصروفات السنوية الجامعية للطالب إلى خمسة جنيهات.
وأقام الأزهر لنفسه لائحة نظام خاصة غير مسبوقة ولا مكررة في أي دار علم أخرى. فلطلاب الثانوية الأزهرية الحق في دخول امتحان دور ثان في أربع مواد، وذلك إذا فشل الطالب في اجتياز الدور الأول. أما جامعات الأزهر فتستوعب جميع الناجحين في مدارس الأزهر حتى لو بلغت درجاتهم الحد الأدنى فقط للنجاح. ومن ثَمَّ ضم الأزهر جميع الفاشلين علميًا ليلقنهم فنون العنصرية والطائفية.
وكان التزايد العددي الهائل مع التسامح في قبول الفاشلين في الدراسة الثانوية العامة وتأهيلهم عنصريًا وطائفيًا في معهد الإعداد والتوجيه، كل هذا كان له دوره في إيجاد منظومة كبرى قوية لا تملك عقلاً للتفكير بقدر ما تُطيع فقط الأوامر.
وللعلم.. فقد وصل عدد الشيوخ الأزاهرة في مصر إلى خمسمائة ألف شيخ، ينتشرون في 190.000 مسجد وزاوية –حسب إحصاء عام 1992-، إضافة إلى 120.000 أزهري يقومون بالتدريس في مدارس الأزهر، إضافة إلى خريجي الكليات الأخرى كالهندسة والطب الذين يدينون بالفضل في وظائفهم وألقابهم إلى الأزهر.
فهل تعلم الدولة هذه الحقائق المرعبة؟! أم هي لا تدري بها؟!.
وهل الأكثر أمنًا وأمانًا أن تظل الدولة بحاجة لمشايخ التبرير الديني؟ أم إلحاق كل تلك المعاهد بوزارة التربية والتعليم وعودة الأزهر لدوره الديني؟
هل هذا الأسلوب يمكن أن يخدم أهداف الدولة؟
لماذا يا أزهر؟، وقد سمحوا لك بجعل معاهدك وجامعتك مأوى لكل فاشل دراسيًا، ثم أنعموا على خريجيك بلقب العلماء، ومن يومها اختفى من بلادنا علماء الفيزياء والكيمياء والأحياء، ولم يبق سوى علمائك، ورضينا بهم قسمة وحظًا ونصيبًا.. |