بقلم: د. مصطفى النبراوي
أشار سيادة الرئيس خلال اجتماعه الأخير مع أمانة الحزب الوطني الحاكم أن النظام الإنتخابي الذي سوف تُجرى على أساسه الإنتخابات التشريعية القادمة هو "النظام الفردي".. وأكد سيادته على أنه النظام الأمثل للحالة المصرية.
بعد موجات التحول الديمقراطي التي شهدها العالم في العقدين الأخيرين من القرن العشرين تُجري معظم دول العالم انتخابات من نوع ما، بيد أن نحو نصف دول العالم فقط تشهد انتخابات توصف بأنها ديمقراطية وتنافسية. أما بقية الانتخابات فلا توصف بذلك. الإنتخابات أحد أهم آليات ممارسة الديمقراطية، وتأتى الإنتخابات البرلمانية في مقدمة هذه الإنتخابات من حيث الأهمية لكونها تفرز المجلس النيابي المُعبر عن الإرادة الشعبية خلال ممارسته لدوره الرقابي والتشريعي.
السؤال الذي سوف أترك الإجابة عليه لك عزيزي القارئ... هل حققت الإنتخابات البرلمانية في مصر أهدافها؟ وقبل الإجابة علينا أن نحدد ماهية هذه الأهداف وكيف يمكن رصدها.
أولاً: ما هو الهدف من الإنتخابات؟
1. التأكيد على أن الشعب هو مصدر السلطات.
2. إفراز هرم سياسي معبر عن القوى الفاعلة في الحياة السياسية.
3. اكتساب الشرعية السياسية أو تجديدها أو إلغائها.
ثانيًا: يمكن رصد أهداف الإنتخابات الديمقراطية ونتائجها من خلال عدة مؤشرات:
1- هل الإنتخابات تُشكل آلية للتمثيل السياسي المعبر عن مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطات؟
2- هل تضمن الإنتخابات التداول على السلطة وتغيير الحكومات بطرق سلمية؟
3- هل أفضت الإنتخابات إلى ظهور مجلس نيابي يضمن التعددية السياسية عن طريق تمثيل كافة التيارات الرئيسية في المجتمع؟
4- هل تم تمثيل الأقليات والمرأة بطريقة تعكس حقيقة التوزيع السكاني للمجتمع؟
5- هل قبلت كافة الأحزاب المتنافسة وكذا المرشحون المتنافسون نتائج الإنتخابات؟
6- هل تُستخدم الإنتخابات كوسيلة لمحاسبة الحكام ومساءلتهم؟
القوانين والنظم الإنتخابية: يلعب اختيار نوع النظام الإنتخابي وتنظيم الإنتخابات دورًا حاسمًا في تقرير نتائج الإنتخابات. وهناك نظامان انتخابيان أساسيان، يعتمد الأول الفوز بأكثرية الأصوات، بينما يعتمد الثاني التمثيل النسبي، وجدير بالذكر إلى أنه ليس من الضروري أن يفضي نظام انتخابي معين إلى النتائج نفسها بحسب البلد الذي يطبق فيه. فعلى الرغم من التجارب المشتركة، تتوقف الآثار الإيجابية والسلبية نظام انتخابي ما على الوضع الاجتماعي والسياسي والإقتصادى القائم حيث يطبق هذا النظام، إذ تدخل في الحسبان هنا عوامل عدة: بنية المجتمع على الصعد الأيديولوجية والدينية والإثنية والعرقية والإقليمية واللغوية أو الإجتماعية، مرحلة التحول التي تمر بها الديمقراطية، الحياة الحزبية.. وغيرها من العوامل النسبية.
وعند صياغة نظام انتخابي يجب أن يأخذ في الحسبان الأهداف التالية:
- ضمان قيام برلمان ذو صفة تمثيلية واسعة ويضم كل ألوان الطيف السياسي.
- التأكد من أن الانتخابات هي في متناول الناخب العادي وأنها صحيحة.
- تشجيع التوافق بين أحزاب متناقضة لتكوين المشترك الوطني.
- تعزيز شرعية السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.
- تشجيع قيام حكومة مستقرة وفعالة.
- تنمية حس المسؤولية إلى أعلى درجة لدى الحكومة والنواب المنتخبين.
- تشجيع التقارب داخل الأحزاب السياسية.
- بلورة معارضة برلمانية.
- مراعاة طاقات وإمكانيات البلد الإدارية والمالية.
- تشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات ولذلك لا بد من تسهيل الإجراءات على المواطنين وتحفيزهم على المشاركة الفاعلة في العملية الانتخابية اقتراعًا وترشيحًا.
- تشجيع التنمية السياسية والتعددية الحزبية.
- تشجيع الشباب والنساء على المشاركة الفاعلة في الانتخابات.
أن قانون الإنتخاب المعمول به في مصر ما زال يعكس مصالح قوى الواقع، بغض النظر عن كونه يفرز تمثيل حقيقي للطيف الثقافي والسياسي أم لا. لذا أرى ضرورة ملحة لقانون انتخاب يتم أفرازه ديمقراطيًا، يُفعل ويعكس التنوع السياسي والثقافي والنوعي في المجتمع ومتوافق مع خصائصه، قانون لا يعكس الواقع السياسي فقط بل يدعو إلى تغييره. واللجوء إلى النظم الإنتخابية المختلطة لتحسين نسب التمثيل و الشرعية. وأرى أن نظام القائمة النسبية هو أفضل الأنظمة الإنتخابية التي يمكن أن توفر درجة تمثيل جيدة للمرأة وفي نفس الوقت بعيدًا عن سلبيات "الكوته" –قائمة نسبية على أساس مبدأ الصوت الواحد الإنتقالي، أي إن العضو الذي يحصل على كفايته من الأصوات تنقل الأصوات الباقية لزميله. و يمكن وضع شرط مؤقت ينص على أن تكون امرأة واحدة على الأقل ضمن أول ثلاثة مرشحين في كل قائمة- حيث يضمن هذا النظام تمثيل الأغلبية والأقلية على أساس عادل، ويتجنب الأصوات المهدرة، ويظهر الزعامات وينمي القيادات، ويقلل التزوير، ويؤكد على التصويت السياسي للحزب حيث يُختار النائب من عدد من قوائم مرشحي الأحزاب.
في النهاية أؤكد على أنني أنتمي للفريق الذي يؤمن بأن النمو الديمقراطي هو محصلة خطوات تغيير حقيقي متراكمة، وأن كل تجربة يمر بها مجتمع ما سوف تنعكس إيجابًا على مسيرة تقدمه بشرط أن يعي إيجابياتها وسلبيتها، وأن يحاول في كل مرة تعظيم الإيجابيات وتقليل السلبيات. إن الإنتخاب وممارسة ثقافة الأختيار يحتاج لوقت من أجل تكريس هذه الثقافة في المجتمع وممارستها وتحسين الأداء واختيار الأفضل دائمًا.
Mostafa_elnabarawy@yahoo.com |