CET 00:00:00 - 20/03/2009

مساحة رأي

بقلم / نبيل المقدس
إحدى ذكرياتي الحقيقية في الربيع ..
وأنا في الكلية... كان لنا زميل أطلقنا عليه إسم ربيع... لأنه كان كثير الغياب, ومرة واحدة نجده جالس في المدرج, وكأنه موجود منذ الأزل... كان لا يتحدث مع أحد وليس له أي صديق... على الأقل لكي يسأله عن المحاضرات التي تغيّب فيها... فعندما نجده موجوداًَ في المدرج بعد غياب, نبدأ أنا والشلة في الغمس والهمز والتعليقات الشبابية مثل "ربيع وصل وجاب معاه الصقيع", "شد الغطا على عمك بديع"... وهكذا... !
بالإضافة إلى أن ربيع هذا كان منطوياًَ على نفسه, كان يبدو عليه أنه من عائلة مُعدمة... وصدقوني حاولنا تكراراًَ أن نتقرب إليه لكن هذه المحاولات آلت إلى الفشل حتى أننا لم نكن نعرف له مسكن... كل ما في الأمر أنه بعد الإنتهاء من المحاضرات وغيرها نجده يستقل عربة نقل ويختفي... لدرجة أن فِكرنا ذهب بنا أنه بيعمل تبّاع لسائق العربة النقل لكي يسترزق قرشين ليصرفهم على نفسه.... حقيقةًَ كان غامضاًَ. 

في السنة قبل الأخيرة, تغيّر ربيع تغيراًَ عجيباًَ... فبدأ يتقرب منا, ويحاول إرضائنا بأساليب كثيرة... فمثلاًَ نجده يجهز لنا الكراسي بإحضارهم إلى المكان المفضل لنا في فناء الكلية... وكان يحضر لنا المطاليب, وكأنه يعمل صبي بوفيه... شعرنا منه أنه خدوم لدرجة كبيرة وصاحب قلب كبير... العيب الوحيد الذي كان واضحاًَ عليه هو قليل الكلام جداًَ لكنه يضحك بإفراط عندما يسمع نكتة قالها أحد الزملاء للدرجة أننا نجده يتكّوم على إحدى الكراسي من كـُثر الضحك... وأحلى حاجة في ضحكته أنها كانت تشبه صياح الديك الرومي... وعندما نحاول معرفة أصله إيه...أو .. ساكن فين... كان رده مع عمي إللي بأركب معاه العربية النقل. والملاحظة التي أبهرتنا وأزعجتنا أنه لم يعد بعد يستقل العربة النقل بل في هذه السنة بالذات كان يستقل سيارة فيات 1100.

قبل عيد الربيع كنت في جلسة مع الشلة نتكلم عن مكان نقضي فيه عيد الربيع... وكنا محتارين جداًَ في إيجاد مكان يشملنا حيث أننا أنهينا على جميع الأماكن المحدودة والتي كانت موجودة في أسيوط.
ولأول مرة يفاجئنا ربيع بأنه يتكلم... فقد إعتزل الضحك وبدأ يتكلم... حالة من الصمت الرهيب هلّت علينا... ولأول مرة يلتفت كل واحد فينا إلى كلام ربيع... حيث قال: إتركوا لي هذا الموضوع... فأنا أعرف مكان جميل نستطيع أن نقضي فيه يوم الربيع بدون أي غرامة.
نظر كل واحد فينا إلى الآخر ومرة واحدة نزل علينا الضحك حتى لم نستطع أن نوقفه لكن صاحبنا ربيع صاح فينا بجدية وقال بثقة وبدون توقف: "سوف نتجمع في هذا المكان الساعة السادسة صباحاًَ وسوف تجدون ميكروباصاًَ منتظركم لينقلنا إلى المكان المحدد".

فعلاًَ تجمعنا في المكان المحدد والوقت المحدد... وركبنا الميكرباص, وكان هو معنا خطوة بخطوة... وعندما نسأله هتودينا على فين يا أبو سريع؟؟ يضحك ويقول لنا "على دُنيا ربيع"... وبعد ساعة إلا ربع تقريباًَ دخلنا في حديقة كبيرة تتوسطها مزارع وحظائر بقر... وهناك علي الشمال مبني كبير لإنتاج البيض... ووقفت بنا الحافلة الصغيرة أمام بيت كبير (سرايا) مثل هذه البيوت التي كنا نشاهدها في الأفلام العربية الأبيض والأسود.. بالضبط منظر البيت مثل البيت الذي ظهر فيه عمر الشريف مع فاتن حمامة في فيلم سيدة القصر ... وجدنا الفلاحات والفلاحين وأطفالهم يأتون بفرحة نحونا قائلين "نورت العزبة يا خليل بيه انت وأصحابك" ... أخذنا نتلفت حوالينا لكي نعرف من هو خليل بيه.... أخيراًَ إستيقظنا وإفتكرنا أن إسم ربيع الحقيقي هو خليل ذكري... إنبهرنا وإندهشنا... ثم أتت والدته ووالده وإخوته... كلهم ما شاء الله زي الفُل... رحبوا بنا أحسن ترحاب... وسمعنا والدته تقول لنا أحنا حاولنا ننقل خليل (إللي هو ربيع بالنسبة لنا) من الهندسة إلى الزراعة زي إخواته أو حتى دكتور بيطري لكنه رفض علشان أحبكم من أول يوم ما دخل فيه الكلية.

والغريب بعد ما تركتنا العائلة لوحدينا ومعنا ربيع (خليل بيه) سألناه: ليه يا خليل بيه (قاطعنا قائلاًَ قولوا ربيع بلاش خليل... خليكم على طبيعتكم), أعدنا السؤال مرة تانية: ليه يا "ربيع بيه" كنت بتخبي عننا أصلك, وكل ما كنت تعمله معنا هو إفراطك في الضحك فقط... أخذ يضحك ضحكته المعروفة والتي تشبه صياح الديك الرومي حتى أننا سمعنا جميع البلالين أي "الفراخ"  والتي تحوم حول العزبة ترد عليه بالضحك وكأنها لغتهن مع "ربيع بيه" للتفاهم... قال لنا يصراحة كنت بأضحك على خيبتكم.... التي كانت تدل على طيبتكم وصفاء قلوبكم!!

والمفاجأة الأخيرة والتي جعلت أحد الزملاء والذي يتوهم أنه جاذب الصبايا, وأن أي فتاة تقول له: صباح الخير, يتخيّل أنها وقعت في شباك حبة.. قد حلّ عليه الضحك الهستيري بعدما وصلت عربة خاصة تنزل منها إحدى أجمل الزميلات لنا في الكلية.. الكل كان يتمنى رضاها... ويتقدم إليها "ربيع بيه" لكي يستقبلها بحرارة, ثم يأتي بها إلينا ويقدمها لنا كخطيبته.... فقد جاءت لكي تقول لأمي "كل سنة وإنت طيبة يا أمي".
قضينا ربيعاًَ جميلاًَ مع زميلنا خليل بيه لأ قصدي "ربيع بيه وخطيبته ربيعة هانم" ... ورجعنا وبنغني وبنقول:
الدنيا ربيع ... والجو بديع... أقفلي على كل المواضيع!! وكل سنة وإنتم بخير..!

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١٩ تعليق