بقلم: نشأت عدلي
ما أجمل أن يُخرج الإنسان ما بداخله على الورق.. يدمع.. يبكي.. يصرخ.. يفرح ويغني.. يفرغ ما بداخله.. شحنات الألم.. بعض الإكتئاب..
حياتنا ليست على وتيرة واحدة، إننا نعيش فى عالم يحسب لك ويحاسبك على كل كلمة تخرج منك.. كل أهة يلفظها داخلك بحرقة قلب من داخل أحشاء ملتهبة، وعندما نضحك.. نضحك بشفاهنا.. ليس من قلوبنا، حتى ضحكاتنا مملوءة بأسى داخلى.. وكأننا نستعذب الألم وننعم بمؤانسته، فيتخلل حتى قسمات وجهك وينحت عليها صورته.. خارجك شيء.. وداخلك آخر مختلف تمامًا، ربما لو خرج لملأ الكون دموعًا.
ولحظة يجف الكلام في حلقك.. تتوه المعاني.. تهرب الألفاظ وكأنها أبت أن تخرج وهي عارية.. لا تطيق أن تتجمل.. ولا تتحدث إلا باالدموع، دموع مملوءة صدقًا من حرقة قلب، والعين إن أغمضتها لا ترى إلا ظلام.. وكأنها أبت أن تنعم وتتخيل.. أبت أن تنظر لعالمها المنسوج بخيوطة الحريرية وتسبح فيه.. قتل الواقع حلمها.. وبماذا تحلم؟.. ولماذا؟؟.. هل تحلم بعالم أفضل كمدينة أفلاطون في بلد كبلدنا هذه؟!! أم تحلم بعدل يحوط حياتك بعدما اشتد الظلم وأصبح هو أساس حكمنا وقاعدتنا الأساسية التي نرتكن عليها؟!.. أم بحب يخترق القلب في زمن عز فيه الحب وامتلأ بالمشاكل؟.. أم بثروة تهبط عليها كالسارقين الحالمين في زمن قد أنهى السارقين على كل شيء فيه فلم يعد هناك شيء يُسرق؟.. وهذا أيضًا فإذ به سراب.. كمن يمسك الهواء ليستنشقه وقت أن يعز الهواء علينا..
أم نحلم بأبناء علمهم الزمن الجفاء وحب الذات والأنانية وعدم الولاء.. وكل مايعنيهم رغباتهم أيًا كانت.. غير عابئين بآبائهم؟
بماذا نحلم في أيامنا هذه؟؟.. حتى أحلامنا قد سُرِقت.. وتسربت الأيام من بين أيدينا.. وأجبرنا الواقع أن نختزل أحلامنا وأمانينا ونضعها في بوتقة النسيان.. فنسيناها، نسينا حتى أن نحلم.. ومعها حلو الكلام وأجمل التعابير.. فأصابتنا الأعطاب والأعطال.. أصابنا مرض الجفاء.. أصاب قلوبنا بل أحشائنا وإمتد لأفواهنا.. فأصبحت ألفاظنا جافة.. مليئة بالسخرية، حتى من المشاعر الإنسانية.. غريبة التعابير.. كلماتنا بلا أحاسيس.. فلم تكن لنا حيلة.. فخلدنا إلى السكينة.. فإذ بها تضيع مع بقية الأشياء الجميلة..
وها نحن الآن.. أصبحنا كآلات وتروس.. تدور دون أن تدري.. لا تشعر بالتعب.. ولكن بالملل، لا تريد الوقوف.. ولا أن تسير.. ولكن تتحرك في نفس الدائرة، لا تجوع.. ولكن تأكل لكي تعيش.. حتى مذاق الطعام قد فقد نكهته وطعمه، فلم نعد نستسيغ طعمًا.. ولم أعد أملك إلا قلب كسير.. ونفس جريحة تحاول أن تلملم أشلائها وتصرخ بعزّم ما فيها..
حتى القلم بدأ يجف مدادة من كثرة ما كتب، وها هو أيضًا ينكسر أمام جفائي.. لا يزال واقفًا على الورقة ينتظرني وينظر إليَّ.. بل يترجاني.. وهو لا يعلم أن الخريف بدأ يزحف لأوصالي. |