CET 00:00:00 - 29/09/2009

مساحة رأي

بقلم: أدولف موسى
هل فهمنا ما معنى العنصريه على حق؟ هل العنصريه شيء مريع لا يعرفه أو ينفذه إلا من هو سيء؟ هل العنصريه ذاتها شيئًا سيئًا؟ هل يمكن لإنسان أن يكون عنصريًا وفي نفس الوقت يتعالى على من يشحته ويؤكله؟ ما هي عنصرية "شحتني وأنا سيدك"؟

لقد تعلمت أنني عندما أريد أن أتكلم عن شيء لا بد أن أدرسه واُعَّرِفَهُ أولاً لكى أستطيع أن أفتي فيه بعد ذلك عن علم. فإن الجاهل هو الوحيد الذي يتحدث عن شيء لا يفهمه. فلنبدأ بالسؤال المطروح: ما هو تعريف العنصرية؟ إننا إذا بحثنا عن الإجابة التي يمكنها أن تفيدنا لا بد لنا أن نرجع إلى المراجع اللغوية والفكرية أيضًا. إن مختصر ما يمكن استخراجه من هذه المراجع هو أن العنصريه هي انتماء كل عنصر لعنصره، لكي يستطيع العنصري أن يكون عنصريًا لا بد أن يعرف ما العنصر الذي سوف يأخذه كزريعة يريد أن ينتمي إليها لتحقيق عنصريته.. لكن ما معنى التعريف "عنصرية"؟ إن معناه بكل بساطة أنه هناك عناصر عديدة على الأرض منها الكائنات الحية التي منها الإنسان والحيوان والنبات، -إننى لا أريد أن أتطرق هنا لفكرة وجود أرواح وأشباح ككائنات حية أيضًا لأنها لا تهمني حاليًا لأنني أريد أن أتحدث فقط عن من أراه أنا ويراه كل الناس وهذه هي الواقعيه-. فمعنى هذا أنه عند معرفتنا بوجود العناصر المتعدده مثل عنصر الإنسان وعنصر الحيوان وعنصر النبات ككائنات حيه هل هذا يكفى للرد على ما نبحث عنه؟ هل نستطيع أن نقف إلى هذا التعريف ونعتبر أنفسنا قد وصلنا لهدفنا في التعريف النهائي للعنصرية؟ هل لكل عنصر من ما ذكرت الحق في التعصب لعنصره؟ حتى على حساب العناصر الأخرى؟ دعنا نكمل ونترك للبحث محاولة إيجاد الإجابة لنا.
دعنا نأخذ دائمًا مثلاً واحدًا لكى لا نطيل الشرح. فعنصر الحيوان مثلاً ينقسم بدوره إلى عناصر أخرى وهي مثلاً الزواحف والطيوروالثدييات والأسماك والحشرات والكائنات البدائية الأخرى. هل نكتفى بهذا؟ بالطبع لا.. لأن كلُّ من هذه العناصر ينقسم بدوره إلى عناصر أخرى. الثدييات كمثل نتقسم إلى عناصر وهى تسمى أيضًا بالعائلات مثل عائلة السنانير (القطط) وعائلة الكلاب وهلم جر. هل أخيرًا وصلنا للنهاية؟ بالطبع لا.. لأن عائلة القطط تنقسم إلى اسود ونمور والقطط وهلم جر. هل وصلنا إلى النهايه؟ بالطبع لا.. ولكنى أريد أن أقف إلى هذا الحد لأني إذا أكملت أكثر من ذلك سوف ننسى هدفنا الرئيسي. فلنأخذ القطط كمثل لنا ولنطرح السؤال التالي: ما هو الانتماء العنصري للقطط؟ هل هم ينتمون للكائنات الحيه فقط؟ الحيوان فقط؟ الثدييات فقط؟ عائلة السنانير فقط؟ أم آكلي اللحوم؟ لكن أيضًا الكلاب من آكلي اللحوم وهم ينتموا لعائلة أخرى مختلفة. إذا أراد القط أن يكون عنصريًا.. فلأي عنصر يمكنه أن يتعصب؟

إن هذا المثل يمكن تطبيقه على الإنسان أيضًا. فهل ينتمي الإنسان لعنصر الكائنات الحيه فقط؟ الحيوان؟ الثدييات؟ الهوموسابيا؟ الأبيض أم الأسود؟ أفيريقي أم أوروبي أم أمريكي؟ مصري أم ألماني أم فرنسي؟ من القاهرة أم من الإسكندرية؟ من مصر الجديدة أم من الظاهر أم من بولاق؟ ورغم كل هذه التساؤلات وبعد هذا الحصر نجد أن هناك ما يجمع البعض بالآخر وهم بينهم مسافات كبيرة. فنجد مَن منهم يسكن مختلف القارات له لغات مختلفة وحضارات مختلفة أيضًا ولكنهم يجتمعون تحت الليبرالية كمسار سياسي. إن منهم أيضًا من يلتقي تحت مذهب ديني مسيحي، مسلم، بوذي أو أي عقيدة أخرى رغم الاختلاف في باقي عناصرهم.
سؤالاً آخرًا: هل من الممكن أن تجد حتى ولو اثنين فقط يجتمع فيهم كل مقومات العناصر العنصرية التى ذُكِرَت؟ الإجابة: مستحيل.. فكيف يمكن لأي كائن حي وأولهم الإنسان أن يكون عنصريًا؟ إن الانسان الخالي الذهن يبحث دائمًا لنفسه على شيء يشغله. فيحدد دائمًا لنفسه نوعية عنصريته ما يختارها لنفسه ويبحث عن من تتوافر لديهم هذه المقومات، يهديهم اللقب الذى اختاره لهذا الغباء ويبدأ بالاستمتاع بالتشنج للشيء الذي ابتدعه.

إن العنصرية كعنصريه ليس فيها خطرًا لأن كل كائن حى -وليس الإنسان وحده- في طبيعته عنصريًا، لكن اذا استُعْمِلت العنصريه للضرر أو لسفك الدماء هنا لا بد الوقوف لسؤال من يستغلها هذا الاستغلال الخَطِر ومحاسبته. هل لأي إنسان الحق في استعمال أيٌ هذه المسارات العنصريه ليفرضها على الآخرين؟ هل لهذا الإنسان الحق في إجبار الآخر ليتبع المسار العنصري الذي يتبعه؟ إن خطورة الإنسان هي طبيعته، وطبيعته هي الشك في كل شيء -مهزوز الشخصية- من أهم أهدافه أن يكون ديكتاتورًا إذا اُعطيت له الفرصه لذلك، ورغم هذا يخاف من كل شيء، جبان جدًا وأكثر ما يرعبه هو الخوف من المجهول.
كيف يستطيع الإنسان جمع كل هذه الخصائص في شخصية واحدة؟ إن الصدفه تلعب في كثير من الأحيان دورًا كبيرًا في تحديد مسار حياة الإنسان والتى بدورها تحدد له بدون وعي المسار الذي يتبعه ويتعصب له. أناسًا كثيرين يحاولون الوصول للسلطة ولكن القليلون يصلوا إليها، فعندما يعتلي الإنسان أي مركز قيادي له سلطان إعطاء الأوامر التي لا بد أن تُنفذ حتى إن كانت متخلفة كالذي أصدرها يُعْطَى هذا الإنسان أيضًا الفرصه لفرض رأيه حتى بالقوة إن لم يجد أحدًا له القُدْرَة على محاسبته أو إيقافه، كما أن تمادي الإنسان في الافتراء يرجع لجهل أو استسلام من يُقادوا منه وعدد من يساعدوه على فرض إرادته، مع العلم أن من يساعده لا بد أن يكون إما للاستفادة الشخصية من هذا النظام أو عن جهله المقبع الذي لا يُمَّكِنَه من استيعاب أن هذا هو سبب خراب المجتمع الذي يقاد.

من المستحيل أن أدخل في مناقشات عن صحة أو عدم صحة المعتقدات التي يسمونها بالمعتقدات الدينية، لأن ليس لهذا النقاش الحق في التدخل فيما نتحدث عنه الآن. إن التمسك بالعنصرية في شيء ما والذى يريد البعض فرضه على مجتمعات بأكملها لا بد أن يثبت أولاً صلاحيته وإلا اتُهموا ما يريدون تطبيقه بالغباء عند تطبيق ما هو خطر على هذه المجتمعات والتي تؤدي إلى تخلفها، أيضًا عند إثبات أي مبدأ باليقين أنه خائب وفاشل وقد أورط مجتمعات كاملة وأضرها فإنه من الغباء التمسك به والثبات عليه بل لا بد من التخلص السريع منه، ورغم ذلك يصر هؤلاء الذين يسكنون هذه المجتمعات على الاحتفاظ به، بأي عقلية غبية تفكر بها هذه المجتمعات؟ هل هو الجهل فقط أم الغباء أيضًا؟ إن كفاءة العقلية الشرقية التي تركت نفسها للفكر الاستسلامي أن يتحكم فيها كفاءة عقلية محدودة. فمن ليس له القدرة على معرفة ما هو ضار قد حكم على نفسه بالإعدام الفكري وسوف يظل إلى الأبد في حضيض الإنسانية. من الوقاحة الكبيرة أن يجد مجتمع ما نفسه في الضياع بسبب فكر فاشل ويصر على أن يتبعه. إذا أرادنا أن نبحث عن مَثَل لما نقول فلن نجد مثالاً أحسن من المجتمعات الشرقية، حفاة عراة حياتهم أكبر مَثَل من أمثال الضياع الفكري المحدود العقيم وهذا أوصلهم إلى الفشل في الوصول لأقل شيء وهو إيجاد ما يملأ بطونهم بدون مد اليد، يمدون أيديهم للعالم لكي يستطيعوا أن يَصِلوا إلى رغيف الخبز، ورغم كل ذلك يدَّعون أنهم أفضل أُمَّة اُخْرِجت إلى الناس! يتعالون على من يمدوا هم لهم أيديهم ليطعموهم، يحتقرون كل من خالف شرعهم، هذا الشرع الذي أضاعهم، ويطلقوا على من أحسن إليهم لقب الكافرون -المغضوب عليهم، الضالون، أبناء القردة والخنازير، وكل شئ حقير-، يتعالوا على من يحسن إليهم... عجيبة يا دنيا!

إنني أرى أكبر صور العنصرية المتخلفة في كل من يظهر في الإعلام الشرقي في صورة متخلف ما يضع على رأسه طرحة النساء ليتمثل بمن لم يراه ويسميه "أشرف الخلق"، يحفظ سموم التخلف والعنصرية الوقحة، يلقي بهذه السموم على ضحاياه بلغة عربية فصحى عقيمة الفهم وعقيمة الفكر، لا يريد أن يفهمها أحد لأنه في جهل وغباء مُسْتَمعيه يسكن انتفاعه، يُلقى بسمومه التي لا يفهمها حتى هو ولا يعرف صحة منبعها لكنه له تأثير على من يسمعه ويوصل له فكرة واحدة وهي "لا تفكر ودعني أنا أفكر لك لأنني أنا الوحيد المستفيد من جهلك وغباءك يا غبي، خذ كلماتي المباركة واهدم بها نفسك ومجتمعك لأن هذه الكلمات قد أُنزلت ولا تقبل النقاش أو فتح الأذهان، هذه الكلمات قيلت لتثبيت الجهل في مجتمعات فقدت قيمتها في عائلة الإنسان".
سيدى القارئ سيدتى القارئة، ما أريد توصيله لسيادتكم هو أن العنصرية لا تنتج إلا عن الغباء والتخلف والجهل.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق