بقلم: القس رفعت فكري
أصبحت ظاهرة العنف من أخطر الظواهر التي تجتاح عالمنا في هذه الأيام, فلا تكاد تخلو دولة واحدة من دول العالم من هذه الظاهرة الخطيرة, فإلى جانب العنف البدني المتمثل في القتل والضرب والتدمير, هناك أيضاً العنف اللفظي الذي يتمثل في استخدام اللسان في التفوه بأقبح الألفاظ وأبشعها, الأمر الذي يؤذي الآخرين ويجرح مشاعرهم ويحطم معنوياتهم.
ولكن ترى إلى أي مدى يمكن أن ينجح العنف ويُحدث تأثيراً ؟! جاء في إحدى الأساطير, أن العاصفة قالت للنسيم ألا تتمنى أن تكون لك قوتي, فأنا أحطم الأشجار, وأهدم البيوت , وأغرق السفن, وأجعل عالي الأشياء سافلها, فيتوارى الناس عند مروري لئلا أقتلعهم .. فما رأيك ؟! هنا أحمر وجه النسيم خجلاً وإتضاعاً, ثم تنفس فتهلل كل شيء في الكون, تفتحت أكمام الأزهار, واشرأبت أعناق البراعم, وامتلأت الأرض عطراً, فتزحزح الكابوس عن صدور الناس, وصاحوا جميعاً : ما ألطف هذا النسيم وما أحلاه, وما كان أبشع تلك العاصفة!!
إن الإنسان غير الناضج كثيراً ما يفشل في علاقاته مع الآخرين بسبب تعامله معهم بالشدة والعنف, بعكس الإنسان السوي الشخصية, المتحكم في عواطفه وانفعالاته والذي يحسن التعامل مع الناس باللطف واللين, فهو غالباً ما يكون ناجحاً في علاقاته.
قارئي العزيز ... إن الشخص الذي يتعامل بالعنف مع الآخرين سواء كان هذا العنف لفظياً أو بدنياً , يكون أردأ من العاصفة, , قال السيد المسيح " قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم. ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع. ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم. فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك، فاترك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً إصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك"
وكلمة "رقا" في أصلها لا تعني مجرد كلمة عنيفة ولكنها تعني حركة أو إماءة أو نظرة بها احتقار للآخرين وازدراء بهم, فلماذا لا تكون يا صديقي نسيماً رقيقاً هادئاً عندما تتعامل مع الآخرين, بدلاً من أن تكون عاصفة هوجاء تعصف بكل ما يقابلها ؟! ألم يقل لنا الرسول بولس "كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين" (أفسس 4: 32). وكذلك الرسول بطرس "كونوا جميعاً .. مشفقين لطفاء" (1 بطرس 3: 8). هذا فضلاً عن أن الشخص الحكيم الناضج لا يتعامل باللطف مع أصدقائه فقط, ولكنه مع أعدائه أيضاً يكون حليماً لطيفاً رقيقاً, ذات مرة سمعت سيدة, الرئيس الأمريكي السابق إبراهام لنكولن وهو يثني على أعدائه خلال الحرب الأهلية الأمريكية, ويذكرهم بالعطف والخير والود, فسألته متعجبة : أتخص بهذا الثناء الجميل أعداء تسعى إلى تحطيمهم؟!! فأجابها لنكولن متسائلاً : أولست أحطمهم يا سيدتي حين أجعلهم أصدقائي؟!
قارئي العزيز هل تستطيع أن تضع نفسك مكان من يسيئون إليك ؟! هل يمكنك أن تقدم لهم محبة حققية دون مجاملة ودون نفاق ؟!! هل تستطيع أن تكون كشجرة الصندل التي تعطر الفأس التي تقطعها والتي لا تبخل بظلالها الوارفة حتى على الحطاب الذي يحاول قطعها ؟!
إن من ينثر في طريق حياته أزهار المحبة والعطف والشفقة على الآخرين سوف يراها طالعة نامية مغدقة عليه بالبركات, وأما من يضع في طريق حياته أشواك الكراهية والبغضة فهذه سوف تطلع وتدمي قدميه.
فهيا ننثر في طريق حياتنا بذار الحب والتسامح والغفران ولنتعامل مع بعضنا ومع الآخرين باللطف لا بالعنف.
راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com |