بقلم: جرجس بشرى
قامت الدنيا ولم تقُعد عقب التصريحات التي أدلىَ بها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس لبرنامج "في الصميم" على قناة " B.B.C" لا لشيء إلا لأن الرجل طالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري، والتي تنص على أن "الإسلام دين الدولة واللُغة العربية لغتها والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، وقد برر ساويرس مطلبه بإلغاء هذه المادة إلى أنها تؤدي إلى الخلط أو المزج بين الدين والسياسة وكذلك لأنها تؤدي إلى نسيان "تجاهُل" 15 مليون مسيحي في مصر.
وفي الحقيقة لم يتوقع كثيرين صدور تصريح بهذه القوة والجُرأة لساويرس، خاصة وأن الرجل من رجال الاقتصاد الذين يُشار إليهم بالبنان في مصر بل والعالم كله ومعروف عن رأس المال أنه جبان كما يقولون، ومن المُفجع أن هناك مُغيبين ومتطرفين اعتبروا تصريحات ساويرس بمثابة طعنًا في الشريعة الإسلامية وازدراءً بالإسلام، لدرجة أن قام أحد المُحامين برفع قضية على ساويرس لهجومه على المادة الثانية واتهامه بالإساءة للإسلام وشريعته وتحريض الأقباط بل والعدوان على الإسلام!!
الغريب أننا لم نسمع لهذا المحامي صوتًا من قبل وهو بلا شك لم يقدم واحد على المليار مما يقدمه ساويرس من وقته وعرقه وجهده لخدمة بني وطنه "مصر" بلا تمييز.
ولم يعلم هذا المُحامي أن المادة الثانية ليست آية قرآنية أو نصًا مكتوبًا في القرآن أو وحيًا أنزله الله على الأنبياء!! بل مادة وضعية صاغتها عقول بشرية جاهلة لتغييب المسيحيين أصحاب هذا البلد وإقصاؤهم عن كافة مناحي الحياة في محاولة للأسلمة الجبرية للدولة المصرية التي تنفرد دون غيرها بأنها بلد التعددية الدينية والثقافية والحضارية.
ومن المُثير للسخرية قول هذا المُحامي بأن ساويرس غفل عن أن شريعة الإسلام هي الشريعة التي اعترفت بالأديان وشرعت لهم حقوق!! ونحن نسأل هذا المُحامي علامة عصره: عن أي حقوق تتكلم والواقع يؤكد بما لا يدع مجالاً لشبه شك بأن من بداية الثورة بدأ مُخطط الأسلمة وكشرت حكومات الثورة عن أنيابها ضد أتباع الديانات الأخرى من اليهود المصريين والمسيحيين، فتم إبادة اليهود من مصر وبدأ مُخطط إقصاء المسيحيين عن الوظائف القيادية العليا بالدولة لدرجة أنه لم يوجد مسيحيًا ولو واحدًا بقيادات الثورة، كما استخدم رجال الثورة كتاب تابعين لهم لتزوير وتزييف التاريخ القبطي والعمل على محوه وهو ما نرى نتائجه واضحة اليوم، كما اعتمد رجال الثورة على الإخوان المسلمين وعينوا منهم الشيخ الباقوري وزيرًا للأوقاف آنذاك، كما غيّر جمال عبد الناصر اسم مصر الذي نعتز به ونعشقه بل ويعشقه العالم إلى "الجمهورية العربية المُتحدة" وقام بتأسيس جامعة الأزهر وإذاعة القرآن الكريم في الوقت الذي كانت تحارب فيه الحكومات آنذاك أي بث إذاعي مسيحي وتقوم بالغلوشة المُتعمدة على الإذاعات المسيحية التي تبث من الخارج!!
ويبدو أن هذا المُحامي تناسى ما فعله الرئيس السادات لاستمرار مُخطط الأسلمة الجبرية لمصر لدرجة أنه قال "أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة" وكما قال في مؤتمر بجدة بالسعودية "سأجعل من المسيحيين في غضون عشرة سنوات إما أن يتحولوا إلى الإسلام أو يكونوا ماسحي أحذية"!!
ثم قام السادات بوضع المادة الثانية بالدستور للتأكيد على هوية الدولة الإسلامية بشكل رسمي، فالسادات لم يكتف بنص المادة الثانية على صيغتها الأولى بل إمعانًا في أسلمة الدولة وإذلال الأقباط وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى، قام بتعديلها مرة ثانية لتكون "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" وليس "مصدرًا من مصادر التشريع"!!!
وقد كان لهذه المادة العنصرية البغيضة آثارها المُدمرة على حقوق الأقباط، فالدولة لم تسمح بإصدار القانون الموحد لدور العبادة استنادًا إلى هذه المادة التي العنصرية على اعتبار أن الكنائس ديار للكفر، كما لم تسمح الدولة للبهائيين والعائدين للمسيحية بإثبات ديانتهم في الأوراق الثبوتية بالدولة، ولم تسمح الدولة بتعيين المسيحيين في المناصب العليا بالمخابرات وأمن الدولة وغيرهم على اعتبار أنهم خونة ولا يجوز –مُطلقًا- ولاية غير المُسلم على المُسلم، كما تُبرئ الحكومة المصرية المُسلمين المُعتدين على المسيحيين في أحداث الاحتقان والعنف الطائفي استنادًا لنص "أنصر أخاك المُسلم ظالمًا أو مظلومًا" أو "لا يحل دم المسلم على غير المُسلم"!
في الحقيقة لم يخف ساويرس ولم يهتز بل قال ما يُمليه عليه ضميره الوطني والإنساني، قال ذلك لأنه يشعر بضيق وتأوهات إخوته في الإنسانية والمسيح الذين تُهدر حقوقهم ودماؤهم كل يوم في وسط صمت حكومي سافر، قال ساويرس ذلك لأنه قال الحق، والحق مهما طال سينتصر على الظُلم.
كان أجدر بالمُحامي الذي رفع قضيه على ساويرس وهو مُحامي غاوي شهرة وسيخسر القضية بلا شك أن يطالب أيضًا بتقديم المجموعة الضخمة من الكتاب والحقوقيين الكبار الذين طالبوا الرئيس مبارك بتعديل هذه المادة وقت التعديلات الدستورية الأخيرة، ليبين الوجه القبيح الذي جعل عليه المتأسلمون مصر العظيمة.
يا سادة أن المادة الثانية ليست هي القرآن وليست هي الإسلام بل نصًا وضعيًا بالدستور ويجوز لأي مواطن مُتضرر منه أن يفتح فمه ويتكلم ويصرخ محتجًا على ما ألحقته هذه المادة به من أضرار جسيمة وبالغة.
أننا قد أصبحنا مهزلة أمام العالم بسبب هذه المادة وسوف تظل مصر تتراجع إلى الخلف وإلى عصور أهل الكهف والحمير والمعيز طالما وجدت هذه المادة العنصرية بالدستور أثبتت أنها ضد سماحة الإسلام، إن كل مصري وطن غيور على بلده يرفع قبعته وينحني انحناءة اعتزاز وتقدير للبطل نجيب ساويرس المُحب لمصر، ويقول له: تعظيم سلام نجيب ساويرس. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|