بقلم: د. رأفت فهيم جندى
كانت المشاعر متضاربة تجاه وزير الثقافة المصرى فاروق حسنى لمنصب رئاسة اليونسكو، لم نتمنى خسارته، ولكنا ايضا قطعا لن نفرح لو كان قد فاز. لم نود خسارته لأنه مصرى ومحبة مصر تملأ الوجدان ونتمنى لها الرفعة فى كل المجالات، ودائما نعتبر أن ما يحدث بمصر للأقباط ليس مصريا اصيلا بل هو ذباب وجراد عبر لمصر من البحر الأحمر. ولم نتمنى خسارته ايضا لأننا نحب شخصية الانسان الفنان فاروق حسنى، ويكفى انه من الحالات الوزارية المصرية النادرة الذى قدم فيها الوزير إستقالته لإحساسه بالذنب بعد حادث حريق قصر الثقافة فى بنى سويف بالرغم من أنه كان خطأ رجال المطافى التابعين لوزارة الداخلية، ولهذا لم تقبل إستقالته.
ولكننا كنا موقنين ايضا اننا لن نفرح إذا نجح، وذلك لأنه الوزير الذى عينه النظام المصرى لكى يدير مذبحة الثقافة المصرية لحساب الفكر الوهابى الذى ينفق مليارات الدولارات لكى يطمس المعالم القبطية فى مصر كلها ولا يتبقى بها غير فحيح الأفاعى وعواء البومة وصوت إنسكاب بول البعير!
خسارة فاروق حسنى جعلت مصر تخسر تبوء احد أبنائها موقعا عالميا مرموقا، ولكن نجاحه كان من الممكن أن يكون طامة كبرى لليونسكو وللثقافة فى العالم أجمعه، فهو مثل إعطاء خزانة العالم لمن لم يحافظ على خزانه بلده!
الذى تابع انتخابات اليونسكو من الممكن له ايضا ان يشعر بأن الناخبين انتابتهم نفس المشاعر بين محبة للأنسان وبين عدم نسيان لما فعله فى الثقافة المصرية وما بدر منه من الفاظ عاد واعتذر عنها. في الجولات الأولى حصل فاروق حسنى على 29 صوتا بينما ايرينا بوكوفا التى فازت حصلت فقط على صوتين لا غير، ولكن فى الجولة الأخيرة عاد الذين شعروا بالخطر على الثقافة العالمية لكى يتضافروا، ومنهم من انسحب من الأنتخابات كى لا تنقسم الأصوات ولا يقود اليونسكو من هانت عليه ثقافة بلده.
لم يتخيل مثقفو العالم أن النظام الذى يستقبل عمر البشير ملقيا بقرار المحكمة الجنائية الدولية فى القمامة يخرج منه رجل لكى يترأس تثقيفهم من خلال اليونسكو! لم يتحمل مفكرى العالم ان الفكر الذى يقبض على من يغير ديانته من الأسلام للمسيحية ويعذبه حتى الموت ممكن أن يأتى منه من يشكل الثقافة الحرة للبشرية جمعاء! هل يتخيل احد أنه ممكن أن يسمح مهذبو فكر العالم لأحد المسؤولين فى حكومة تسترت على جريمة الكشح البشعة كى يشعل النور للمسكونة كلها؟!
عندما قال فاروق حسنى فى موجه غضب أنه ممكن ان يحرق الكتب اليهودية لو وجدت فى المكتبات المصرية، فانه كان يستمد هذا من ثقافة دخيلة عبرت إلينا قسرا بعدما احرق الخليفة عثمان بن عفان 13 مصاحف مختلفة لكى يُبقى مصحفا واحدا فقط يسمى "مصحف عثمان"، وايضا يكمل ما فعله الخليفة عمر بن الخطاب عندما ارسل لعمرو بن العاص يأمره بحرق مكتبة الإسكندرية قائلا، أن كان ما بها متفق مع كتاب الله فما حاجتنا اليها؟ وان كان مختلفا عنه فلماذا نبقيها؟
الذى سقط ايضا معنويا فى أنتخابات اليونسكو هو النظام الشرس الذى ضحى بخنازير الفقراء وصار أضحوكة العالم وسخطه ايضا، لكى يقبض الثمن من الجيوب الوهابية الفضفاضة ولترتع بعدها القاهرة فى كومة زبالة كبيرة تكون عنوانا لقرارات متعفنة النية والضمير! فالذى اسقط الوزير فاروق حسنى فى هذه الأنتخابات هو النظام المصرى الذى يتدفأ بالوهابية فى حضنه لكى تعود وتعضه بعد ان تمنحه بعض الدفء اولا. فالذى سقط فى هذه الأنتخابات ليس هو فاروق حسنى الفنان والأنسان ولكنه الوزير الذى قاده عميان القلب ومتبلدو الحس والثقافة لطمسها ومسخها! هل كان المفروض ان يقود الثقافة العالمية من يحجر على الثقافة المحلية، ويرغم المكتبات أن تكتب على الكتب المسيحية "لا تباع لغير المسيحيين"؟!!! حقا كان هناك خطر كبير فى نجاح هذا الوزير. |