إعداد: صبري الباجا
* على سبيل التقديم:
من المهم أن يسبق الحديث عن الإصلاح السياسي والتعديل الدستوري والانتخابات القادمة الحديث عن خلق تفاهم وطني حول قضايا التعايش والتفاعل بين شطري الأمة، وعلى أن يتم الإصلاح السياسي والمجتمعي الذي تسعى إليه الحركة الوطنية المصرية على أرضية واضحة ومتفاهم ومتفق عليها ومنها قضايا العزلة والتهميش وحالة الاحتقان القائمة بين شطري الأمة.
ويعتبر تراجع التمثيل البرلماني للمسيحيين وخاصة في أعقاب ثورة يوليو 52 أحد أهم مظاهر الخلل السياسي للمجتمع، وفي ذات الوقت (مشكلة) يلزم أن نبحث عن حل لها بهدف إعادة انخراط المسيحيين في صلب الحركة الوطنية وحضور برلماني مماثل على الأقل لما كانت عليه الأوضاع السياسية قبل قيام الثورة (1952)، ولتفعيل الحركة المشتركة للمصريين جميعًا وعلي أساس سياسي وليس أساس ديني، وقد يكون من المناسب أن يتم عرض الظاهرة وتحليلها واستطلاع آراء السياسيين والمهتمين بمستقبل مصر السياسي من خلال جزئين:
الجزء الأول: عرض ظاهرة تراجع التمثيل البرلماني وتطورها من خلال إتباع منهج تاريخي وإحصائي، يعرضه الباحث لتبيان تراجع نسب تمثيل المسيحيين في البرلمان في فترة ما بعد الثورة.
الجزء الثاني: الخروج من المأزق؟ رؤية مدعو فيها كل أصحاب الرأي والتجربة للكتابة فيها باقتراحات وأفكار تساهم في توسيع دائرة الاهتمام والمناقشة بهدف الوصول لمخرج من هذا المأزق. كما نأمل من إدارة الموقع إتاحة مشاركة واسعة للسيدات والسادة زوار وكتاب الموقع طالما ظل الالتزام في الكتابة بموضوعية الحوار.
ومن المؤكد أن الجزء الثاني هو الأكثر أهمية، على اعتبار أن أي جهد فردي ومهما بلغت درجة وعيه سيكون قاصرًا وأحادي النظرة أمام التنوع الفكري الذي سينتج عن المشاركة الجماعية والمتنوعة الاتجاهات والثقافات والرؤىَ المتعددة والتي يمكن الخروج منها بحل متكامل.
* الجزء الأول: تطور الظاهرة.
قد يكون الوقت الحالي ومصر مقبلة على انتخابات برلمانية هامة (2010) يمثل فرصة تاريخية لتحول سياسي في مصر يجب أن يشارك فيه الأقباط المسيحيين إخوانهم الأقباط المسلمين، ومن الملاحظ على غالبية الأقباط المسيحيين في الممارسات اليومية والعملية أنهم يراهنون على مصالحهم فقط كأقلية وليس باعتبارهم جزءًا أصيلاً من نسيج المجتمع المصري وذلك تحت تأثير تيارات وأوضاع متعددة، بعضها داخلي والآخر خارجي، وبعضها حقيقي، وبعضها مبالغ فيه!
يؤكد تلك الرؤية بعض الباحثين من الأقباط المسيحيين في دراسات متعددة منها دراسة الأستاذ "كمال حبيب" عن التوتر الطائفي والتي يرصد فيها (أن المسيحيين في مصر ليس لديهم رؤية سياسية أو مشروع سياسي تجاه وطنهم ومن ثم فالكنيسة هي التي تصنع لهم قراراتهم السياسية وهي التي تتحدث بلسانهم وتعبر عن مطالبهم بل وتقوم بالتنشئة السياسية والمجتمعية لهم، فهي تقوم فعلاً بوظائف الحزب السياسي كاملة غير منقوصة ولكن عبر رؤية تفتقد للسياسة التي هي في جوهرها فعل وتفاعل مع المجتمع والجماهير والناس وليس الانعزال عنهم وخلق مجتمعات موازية بعيدة في الظلام تعيد إلى الأذهان نمط الجماعات الإسلامية الدينية في أوائل السبعينات وهي بطبيعتها عامل تجزئة وانقسام رأسي) (1).
في ذات الوقت يرجع الأستاذ "نعيم لبيب" المحامي (2) عدم مشاركة المسيحيين النشاط السياسي وعزوفهم لفهمهم أن الإنجيل يطلب منهم ذلك مستشهدًا بما جاء علي لسان السيد المسيح "مملكتي ليست في هذا العالم" ، ويرى إن للكنيسة دور في ذلك (الكنيسة لا تمارس السياسة وأن البابا شنوده يرفض العمل السياسي إلا في الحدود التي تحقق السلام للكنيسة) (3).
البابا يدعو للمشاركة الفعالة:
(من يعرف خيرًا ولا يفعل فتلك خطيئة)
علي العكس من رؤية الأستاذ نعيم، وللإنصاف تشير بعض الوثائق المنشورة -التي رجع الباحث إليها- إلى أن قداسة البابا شنوده كان يوجّه عشية الانتخابات البرلمانية نداء للمسيحيين بالتوجه لصناديق الانتخاب تحت شعار (أعط صوتك للأفضل) (4).
هذا التباين والاختلاف في وجهات النظر ليس محل بحث وتمحيص في هذا الجزء من البحث، ومتروك معالجته في الجزء التالي يتسع فيه المجال لكافة الرؤىَ والاتجاهات للوصول لتشخيص يحدد لنا مسار العلاج، ويقتصر دور الباحث في هذا الجزء على مجرد عرض للخطوط العريضة للظاهرة.
(1) كمال حبيب التوتر الطائفي بمصر.. ضرورة بناء عقد اجتماعي جديد 12/1/2008 مقال منشور موقع المعرفة
(2) نعيم لبيب من قيادات حزب الوفد بأسوان –حوار الانتخابات البرلمانية في مصر- مركز البحوث العربية سينا للنشر 1990.
(3) المصدر السابق.
(4) تصريحًا لقداسة البابا منشورة بالصحف اليومية عشية الانتخابات.
(4) للمزيد من التفاصيل يرجع لمناقشات الهيئة البرلمانية للحزب الوطني لاختيار رئيس المجلس وهيئة المكتب.
ولتوضيح مدى تراجع نسبة تمثيل المسيحيين في البرلمان -هدف هذا الجزء- استعان الباحث بالدراسات المتعلقة بنتائج الانتخابات البرلمانية لفترة ما قبل الثورة، وفي مرحلة ما بعد الثورة (5) والتي تشير إلى ضعف نسبة المرشحين من المسيحيين للبرلمان بالدرجة الأولى والتي ترجع إلى فقدانهم الرغبة في الترشيح أو اعتقادهم بعدم جدواه رغم أن الكنيسة أكدت -كما سبق الإشارة إليه- أن المشاركة للمسيحيين في الانتخابات واجب وطني وفقًا لتصريحات بعض الآباء وخاصة قداسة البابا (6).
ويعتقد الباحث أن عوامل موضوعية أدت إلى التراجع في نسبة المشاركة في الحياة السياسية للمصريين جميعًا بشكل عام و(المسيحيين) بشكل خاص ويرجعها الباحث إلى عوامل متعددة يأتي على رأسهـا:
1- عجز الأحزاب السياسية وبما فيهم الحزب الوطني عن توفير عدد من المرشحين المسيحيين لخوض الانتخابات، ونظرة على المرشحين المسيحيين وفقًا لانتماءاتهم الحزبية تشير إلى غالبية من خاضوا الانتخابات السابقة وخاصة انتخابات (1995/ 2000/ 2005) خاضوا هذه الانتخابات بصفتهم مستقلين (7).
2- العنف الطائفي واستحداث شعارات طائفية مثل (الإسلام هو الحل) ساهم دون شك في ابتعاد المسيحيين عن المشاركة في الترشيح والمنافسة لتقديراتهم بأن الأغلبية من المسلمين وراء هذا الشعار، رغم بعض محاولات لحزب العمل وجماعة الإخوان المسلمين العمل على ترشيح شخصيات مسيحية في انتخابات سابقة.
3- عدم الاطمئنان إلى نزاهة الانتخابات لما شاب كافة مراحل الانتخاب من تزوير متعمد.
4- معايير انتخاب المواطنين لنوابهم في البرلمان بعد 1952 أصبحت معايير العصبية والمجاملة والخدمات الفردية على حساب القدرة أو الفكرة أو القضية، بينما معيار الانتخابات قبل 1952 كان معيارًا سياسيًا ووطنيًا استوعب كافة التيارات للمرشحين سواء من المسلمين والمسيحيين.
5- محدودية أعداد المسيحيين داخل الأحزاب بسبب ضعف هذه الأحزاب، وعدم تضمن برامجها ما يحقق مطالب المسيحيين ساعد على عزوف المسيحيين عن الانضمام للأحزاب السياسية ومن ثم بعدهم عن العمل السياسي أو المشاركة فيه.
6- تعرض مصر لتأثيرات ثقافية وافدة مختلفة أثرت وخلقت اتجاهات سلبية كانت العلاقات بين الأقباط المسلمين والأقباط المسيحيين قد تجاوزتها.
7- اعتقاد شبه مؤكد من المصريين جميعًا بأن انتخابات البرلمان (عملية شكلية) جوهرها قائم على (تعيين) أعضاء البرلمان ويسترشدون بواقعة شهيرة مفادها (عندما اعترض بعض أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب الوطني على ترشيح المرحوم الدكتور رفعت المحجوب لرئاسة برلمان 1984 لكونه عضو معين به وليس منتخبًا) قال السيد رئيس الدولة ورئيس الحزب في رده على هذه الاعتراضات (كلكم معينون) (8) والدلالة ليست بخافية!!!
(5)- تحليلات الصحافة المصرية لنتائج الانتخابات ودراسات نتائج الانتخابات التي أعدتها بعض الجامعات ومراكز البحث وبعض المراكز البحثية.
(6)- تصريحات من بجريدة الأسبوع القاهرية 20/10 / 2000
(7)- انتخابات مجلس الشعب 2000، د. مصطفى علوي وآخرين -كلية الاقتصاد- جامعة القاهرة ط أولى 2000
(8)- للمزيد يرجع لمحاضر اجتماع الهيئة البرلمانية للحزب الوطني الخاصة بترشيح رئيس برلمان 198
وفيما يلي الإحصاءات الخاصة بالتمثيل النيابي للمسيحيين في البرلمان:
أولاً: فترة ما قبل ثورة .1952
جدول رقم (1) يوضح التمثيل النيابي للمسيحيين لفترة ما قبل ثورة يوليو 1952
مقاعد المسيحيين |
عدد الأعضاء |
برلمان سنة |
16 |
214 |
1924 |
15 |
214 |
1925 |
12 |
214 |
1926 |
23 |
235 |
1926 |
4 |
150 |
1931 |
20 |
232 |
1936 |
6 |
264 |
1938 |
27 |
264 |
1942 |
12 |
264 |
1945 |
10 |
319 |
1950 |
يلاحظ اندماج المسيحيين في الحياة السياسية قبل الثورة حيث كان يسود مناخ المواطنة وكانوا أعضاء فاعلين في حزب الوفد على وجه الخصوص ووصلوا إلى قياده حزب الوفد كما شاركوا في ثورة 1919م، وقد تجاوزت نسبة تمثيلهم في برلمان 1942نسبة الـ 10 % من إجمالي أعضاء البرلمان، وقد وصل ويصا باشا واصف لمنصب وكيل مجلس النواب في عام 1926م ثم رئيسًا لمجلس النواب في عام 1928م - ووصل زكي ميخائيل بشارة لمنصب وكيلاً لمجلس الشيوخ في عام 1945م, كما وصل عزيز مشرقي لأن يكون وكيلاً لمجلس النواب في 1949م.
ثانيًا: فترة ما بعد ثورة 1952
1- فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر
جدول رقم (2) يوضح التمثيل النيابي للمسيحيين لفترة حكم الرئيس عبد الناصر
إجمالي تمثيل المسيحيين في البرلمان |
مسيحيين معينين |
مسيحيين فائزين |
عدد النواب |
السنة |
------ |
لا يوجد |
لا يوجد |
350 |
1957 |
9 |
8 |
1 |
360 |
1964 |
9 |
7 |
2 |
348 |
1969 |
ويتضح من الجدول عزوف من جانب المسيحيين على المشاركة في الحياة السياسية، الأمر الذي أنعكس على تواجدهم بالمجلس ومن ثم تم استحداث نص في الدستور يرخص لرئيس الجمهورية تعيين عشرة نواب كانت غالبية المعينين منهم للمسيحيين وذلك لسد فجوة عدم اشتراك المسيحيين في الحياة السياسية وعدم مباشرة حقوقهم السياسية.
2ـ فترة حكم الرئيس أنور السادات
جدول رقم (3) يوضح التمثيل النيابي للمسيحيين لفترة حكم الرئيس السادات
إجمالي تمثيل المسيحيين في البرلمان |
مسيحيين معينين |
مسيحيين فائزين |
عدد النواب |
السنة |
12 |
9 |
3 |
360 |
1971 |
8 |
8 |
-- |
370 |
1976 |
14 |
10 |
4 |
360 |
1979 |
ويتضح من الجدول السابق أن متوسط نسبة النواب المسيحيين بالمجلس لم تتجاوز نسبة الـ 3% من إجمالي الأعضاء.
وتشير نتائج انتخابات 1976 إلى عدم فوز أي مرشح مسيحي، وقد استعاض السادات عن ذلك بمنح المسيحيين ثمان مقاعد بالتعيين، ثم في انتخابات 1979 خصص العشرة مقاعد بالكامل للمسيحيين.
3ـ فترة حكم الرئيس حسني مبارك.
جدول يوضح التمثيل النيابي للمسيحيين لفترة حكم الرئيس مبارك
عدد النواب الأقباط |
عدد النواب الأقباط المعينين |
عدد النواب الأقباط المنتخبين |
عدد النواب |
السنة |
9 |
5 |
4 |
468 |
1984 |
10 |
4 |
6 |
458 |
1987 |
7 |
6 |
1 |
454 |
1990 |
6 |
6 |
-- |
454 |
1995 |
6 |
3 |
3 |
454 |
2000 |
6 |
5 |
1 |
454 |
2005 |
وتعتبر فترة حكم الرئيس مبارك من أقل فترات التمثيل البرلماني للمسيحيين خلال حقبة ما بعد ثورة 1952 خاصة إذا ما نسبت نسبة تمثيلهم إلى عدد أعضاء البرلمان الذي ارتفع إلى أكثر من 460 عضو، أو إلى نسبة الزيادة السكاني التي تكاد تكون تضاعفت.
في 1995م رشح 57 مرشحًا مسيحيًا لدخول مجلس الشعب ولم ينجح أحد، وفي انتخابات سنة 2000 نجح ثلاثة أعضاء تقلص العدد إلى عضو واحد في انتخابات 2005 .
يلاحظ أيضًا أن نسبة الأعضاء المعينين خلال هذه الفترة لم تتجاوز ستة مقاعد من العشرة وانخفضت إلى ثلاث مقاعد فقط في برلمان 2005.
أهم المراجع:
1) - السيد عبد المطلب غانم (المشاركة السياسية في النظام السياسي المصري) دار المستقبل العربي.
2) - طارق البشري (الديمقراطية ونظام 23 يوليو) مؤسسة الأبحاث العربية بيروت ـ 1987
3) - علي الدين هلال وآخرون (انتخابات مجلس الشعب 87 مركز الدراسات السياسية) الأهرام 1989
4) - الراهب القمص أنطونيوس الأنطواني (وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها المعاصر) شركة الطباعة المصرية -الجزء الثالث- 2002
5) - د. فؤاد مرسي وآخرين (الانتخابات البرلمانية في مصر) دار سينا للنشر 1990
6) – د. مصطفى علوي وآخرين (انتخابات مجلس الشعب 2000) كلية الاقتصاد 2000
7) – د. كمال المنوفي (انتخابات مجلس الشعب 1995) كلية الاقتصاد 1996
8) - الصحف والمجلات أثناء فترة الانتخابات. |