CET 09:48:11 - 04/10/2009

مقالات مختارة

بقلم: د. محمد أبوالغار

يحتفل العالم كله هذا العام بذكرى مائتى عام على مولد تشارلز داروين العالم الإنجليزى الكبير صاحب نظرية النشوء والارتقاء التى نشرت منذ مائة وخمسين عاماً. وكذلك يحتفل العالم بنشر أبحاث جاليليو العالم الإيطالى الشهير منذ ٤٠٠ عام.

وجاليليو هو مخترع التليسكوب وأول من شاهد الأجرام السماوية عن قرب ومؤسس نظريات الفلك الحديثة، وقد لقى جاليليو اضطهاداً شديداً من الكنيسة الكاثوليكية التى حاكمته بتهمة الهرطقة وذلك لأنه رأى ما فى السماء ووصفه بدقة وهو ما ظن قساوسة الفاتيكان بأنه ملك لهم وحدهم، وبعد محاكمة غريبة ومفاوضات وتنازلات أفلت من عقوبة الإعدام وصدر عليه الحكم بالحبس داخل منزله حتى فقد بصره.

وبالرغم من أن تشارلز داروين قد لاقى المصاعب بعد أن نشر نظريته والأدلة عليها ومازال رجال الدين من جميع الديانات لا يؤمنون بهذه النظرية التى يعتبرونها مخالفة للديانات السماوية، إلا أن ظروفه كانت أفضل من جاليليو بسبب أنه نشر نظريته بعد مائتى عام من جاليليو وكانت الدنيا قد تغيرت إلى أفضل بالإضافة إلى أن الكنيسة البروتستانتية الإنجليزية والشعب الإنجليزى كانوا أكثر تفهماً لمناقشة العلم والتطور عبر التاريخ فلم يحاكم داروين مثلما حوكم جاليليو وإنما فقط تمت مناقشته.

إن نظرية داروين تقوم على مبدأ بسيط وهو أن أى كائن حى يتغير بمرور آلاف وملايين السنين، وتنقرض منه أجزاء لم تعد تستعمل أو قلت وظائفها وتكبر وتتعظم أجزاء أصبح استعمالها أكثر وأكبر أهمية، ويؤيد داروين نظريته بكثير من الأبحاث والملاحظات من الطبيعة وذلك بدراسة الحفريات القديمة والحيوانات التى انقرضت. وأصبحت النظرية تراثاً علمياً مهماً بنى عليه الكثير من علوم البيولوجى والأنثروبولوجى، وأصبحت جزءاً من المقرر الدراسى لعلوم البيولوجيا فى المدارس فى العالم كله.

ومنذ الأيام الأولى كانت هناك معارضة بهذه النظرية من الكنيسة ولكن بعد انفصال الدولة عن الكنيسة فى أوروبا أصبحت النظرية وتدريسها أمراً واقعاً. ولايزال هناك معارضون من المتشددين فى جميع الأديان ضد هذه النظرية وربما يكون غلاة المتطرفين من اليمينيين الجدد فى الولايات المتحدة هم الأكثر عنفاً ضد النظرية. وبعض رجال الدين عندهم تبسيط مخل للنظرية كاعتقادهم أن النظرية تقول إن الإنسان أصله قرد، إذاً أين آدم وحواء؟

تشارلز داروين نفسه درس اللاهوت فى الجامعة لمدة ٣ سنوات توطئة ليصبح قسيساً ولكنه ترك الجامعة وذهب فى رحلة بحرية لاكتشاف تفاصيل ساحل أمريكا الجنوبية وعمره ٢١ عاماً واستغرقت الرحلة أربع سنوات، وجمع مادة علمية بدأ بها إثبات النظرية ونشر كتابه الشهير الذى هو كتاب من ضمن واحد وعشرين كتاباً ألفها داروين من ضمنها سيرة ذاتية.وكان داروين يقول دائماً فى وجه معارضة الكنيسة إنه يؤمن بأن هناك قوة عظمى هى التى خلقت الحياة على وجه الأرض.

 وكان داروين شديد الذكاء متعدد المواهب، أراد أبوه الطبيب أن يخلفه فى المهنة نفسها ولكنه رفض وكان الأب يقول إن هذا الابن لن يفلح، ورفض الاستمرار فى المدرسة المنتظمة وكان ينمى قدراته بالقراءة فى المنزل واستطاع أن يدخل الجامعة التى كانت تسمح بالدخول بعد امتحان شخصى بغض النظر عن الشهادات.

وتزوج داروين عام ١٨٣٩ وقرر الانفصال عن العالم فى سبيل العلم وتوقف عن استقبال الزوار باستثناء صديقين من العلماء.وخلال رحلته شاهد جزيرة منعزلة مليئة بالحشرات والنباتات التى لم يلمسها إنسان وأخذ عينات من الطيور والنباتات. وهناك جزء كبير من الكتاب يحاول فيه داروين أن يقنع القارئ بنظريته ويجيب عن جميع الأسئلة التى تنقد النظرية ولا تصدقها.

الاهتمام الكبير فى أوروبا بذكرى داروين وذكرى نشر كتابه الأشهر وكذلك ذكرى نشر كتاب جاليليو يوضح أهمية العلم فى المجتمع الغربى. وحقيقة الأمر أن الغرب تطور هذا التطور المذهل حين انفصلت الدولة عن الكنيسة وأصبح لكل منهما استقلاله وعندئذ تفتحت كل الأفكار وبدأت الثورة الصناعية وانتقل الغرب من ثورة صناعية إلى ثورات أخرى حتى وصلنا إلى عصر المعلومات.

 يبدو لى أن ما يحدث فى مصر الآن ردة شديدة للخلف بينما كان العلم مهماً وكانت الدولة تشجعه وكان هناك عيد اسمه عيد العلم، أصبح العلم مهمشاً وتفرغ الشعب لمشاهدة قنوات تليفزيونية يسيطر عليها أكثر من داعية إسلامى لا أحد منهم يؤمن بالعلم، الجميع يتحدثون عن الغيبيات وأشياء هامشية فى الدين، لم يصبح الدين هو الجذوة والروح التى يمكن أن تحفز المصريين على التقدم والبحث العلمى والتصنيع، بل أصبح الحديث فى الدين وليس التدين الصحيح هو الذى يستنفد وقت وتفكير المصريين، ماذا تلبس، ماذا تأكل، ماذا تقول والمناقشات لا تنتهى ولن تنتهى عن الحديث المؤكد والحديث المدسوس والحديث المكذوب.

إن التغييب الذى حدث لعقول المصريين له أسباب واضحة أولها أن الدولة والنظام سعداء بذلك لأن المغيبين لا يشكلون خطورة عليهم وثانيها أن دول النفط تريد أن تنشر أفكارها المتخلفة التى تحط من قدر الإنسان وعقله ودفعت فى ذلك أموالاً باهظة، وثالثها أن الغرب سعيد بأن نكون مغيبين ولا ندخل فى أى منافسة. ومن يروجون لهذه الأمور أصبحوا مليونيرات من التجارة الصريحة والواضحة فى الدين والذى هو شىء روحانى سامٍ بين الإنسان وربه.

العالم يحتفل بمؤسسى العلم الحديث ونحن مازلنا نناقش أفكاراً سلفية فى مناقشات سقيمة عاد إلى مناقشتها المسلمون دائماً فى فترات انحطاطهم، أما فى فترات نهضتهم فهم يوظفون الإيمان لخدمة العلم والبحث ليصبحوا دولة متقدمة فتية قادرة على المنافسة.

نقلا عن جريدة المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع