CET 07:48:29 - 20/01/2013

مقالات مختارة

بقل: محمد الخازندار

توقفت لدقائق أمام شهادات متواترة عن حادث قطار البدرشين يقول فيها المجندون إنهم قد شعروا بحالة القطار المتدهورة، وإنهم قد حاولوا النزول من القطار هرباً من المصير الذي واجهوه، لكن قياداتهم رفضت ذلك، وأصرت على استكمال الرحلة للنهاية وهددتهم بالتحويل للتحقيق. يبدو لي هذا المشهد واصفاً بدقة الصراع الجاري في طول البلاد وعرضها طوال العامين الماضيين، صراع بين من يشعرون بأن النظام القائم يقود الجميع لكارثة من ناحية وبين سلطة مصرة على استكمال الطريق حتى نهايته وأن أي محاولة لإيقاف قطارها المتهالك تنال من سلطتها وهيبتها من ناحية أخرى.

كان الإصرار على استمرار القطار حاضراً منذ أول يوم، وأتذكر تحديداً هذا البيان الذي أصدرته وزارة الثقافة يوم الخميس 27 يناير 2011 - عشية جمعة الغضب - تؤكد فيه أن مبارك سيفتتح معرض الكتاب في 29 يناير في موعده، وكأنها ترسل رسالة مفادها أن أحداً لا يستطيع أن يوقف قطار السلطة أو يعطله. وظل هذا المنهج مستمراً حتى وقف الرئيس مرسي ليقول إن معارضيه الواقفين في «حارة مزنوقة» لن يتمكنوا من إيقاف القطار الذي أصبح يقوده هو.
 
فكرت في هذا وأنا أقرأ تعليقات من أرادوا إبعاد المسؤولية عن رئيس الجمهورية في حادثة قطار البدرشين معللين ذلك بأنه لم يكن يقود هذا القطار بنفسه ليتحمل مسؤوليته، وتساءلت: هل يا ترى لو كانت الظروف قد وضعت شخص الرئيس فعلاً مكان سائق القطار ما كان الحادث قد وقع؟ أغلب ظني أن هذا لم يكن ليمنع الحادث على الإطلاق. فالرئيس بالفعل يقود قطار الدولة المتهالك ويبدو مصراً بشدة على الاستمرار في رحلته للنهاية. ورغم أنه من حين إلى آخر يبدي تذمراً من حالة القطار المزرية ويلقي اللوم على من سلمه القطار بهذه الصورة، إلا أنه يرى أن مجرد قيادته للقطار ستضمن إصلاحاً ذاتياً لهيكله المتآكل.
 
تماماً كسائق قطار البدرشين، لا تزعج الرئيس تلك الأصوات الصادرة من عربات القطار، ولا يقلقه الصوت الصادر من عربة الشرطة رغم أنها مؤهلة للخروج عن القضبان في أي وقت، ولم يهتم كثيراً بالتذمر الذي حدث في عربة الصحة، كما يصر على أن عربة الاقتصاد بخير حتى لو صرخ فيه الجميع بأنها على وشك الانفصال عن القطار. وحتى لو علت أي من تلك الأصوات لتقلقه فإن أولويته دائما ستظل أن يحافظ على استمرار القطار في الحركة لأنه يرى ذلك وظيفته ومسؤوليته الوحيدة.
 
ما يزعج الرئيس حقاً هو هؤلاء الركاب الغاضبون الذين يصرخون لإيقاف القطار قبل أن يودي بحياتهم. هؤلاء في نظره من يعيقونه عن استمرار عمله، هم في نظره إما حاقدون يريدون أن يقودوا القطار مكانه أو غير واثقين في قدراته الفائقة في قيادة القطارات. لا يعرف الرئيس (السائق) وسيلة لإسكات هؤلاء، فرغم أنه ومساعديه لا يملون من تذكيرهم بأن السائق هو من يتحمل مسؤولية القطار وعليهم أن يتركوه ليؤدي وظيفته، لا يمل هؤلاء الغاضبون من الصراخ بأن حياة الركاب أهم من استمرار الرحلة، وأن السائق لو أراد الاستمرار في القيادة فعليه أن يتوقف أولا لإصلاح القطار أو استبداله وهو ما يراه الرئيس ضد هدفه الأساسي في استمرار القطار في الحركة.
 
كل هذا لا يجعلني أرى التساؤل عن قيادة مرسي للقطار بنفسه سبباً وجيهاً لنفي المسؤولية عنه، كما لا أجد سبباً منطقياً للابتهاج بالتحفظ على سائق القطار إذا كانت كل جريمته أنه قاد قطاره بنفس الفلسفة التي يقود بها الرئيس دولته. وهو ما يوحي لي بأن النتيجة ما كانت ستصير أقل كارثية لو كان الرئيس يمتلك خبرة في قيادة القطارات، وقرر أن يقود القطار بنفسه فعلاً، بل ربما كانت ستدفعه هتافات أنصاره للقيادة بثقة أكبر وربما استئناف الرحلة بعد الحادث لأن ما وقع ليس خطأه ولا مسؤوليته.
 
«يا نجيب حقهم .. يا نموت زيهم» هكذا كنا وما زلنا نهتف تهديداً للسلطة بأنها إذا لم تتمكن من تحقيق العدالة والقصاص لمن قُتلوا عمداً لأنهم حاولوا الوقوف أمام قطارها وإيقافه فإننا مستعدون لأن نلحق بهم في سبيل إيقاف قطارها الظالم. وهو نفس الهتاف الذي يمكن أن نردده بنبرة أخرى لتهديد أنفسنا، بأننا إذا لم نتمكن من القصاص لأولئك الذين قُتلوا إهمالاً تحت عجلات قطار السلطة المتهالك والضغط بقوة لاستبدال هذا القطار، فإننا معرضون للحاق بهم تحت نفس العجلات.

نقلاً عن مصراوي
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع