بقلم / مجدي ملاك
لو كان الأمر بيدي لأعطيتك أعلى وسام شرف يمكن أن يمنحه ملك لأميرة في هذا الزمان، لو كان الأمر بيدي لخدمتك سنين طويلة أعوضك فيها عن التعب الذي كان حين كنت صغير وحين كنت كبير، حين كنت أعلن حزني وكنتِ أنتِ الحنان والدفء والطمأنينة التي أشبعتني في حياة ملئت حياتي بكثير من الأحزان والأفكار حين كنت أفكر ولم يكن هناك سواكي في حياة من الصعب أن يجد أحد بجواره، فقد كنتِ ليَّ الأمل والدافع.
هذه الكلمات ليست وليده مناسبة بل المناسبة وليدة تلك الكلمات البسيطة التي يجب على كل منّا أن يعبر بها عن الإنسانة التي ضَحّت بالكثير من أجل أن يكون لنا وجود في هذه الحياة، بالفعل من أصعب الأشياء أن تحاول أن تبحث عن ما يمكن أن تعوضه للأم فلا تجد ما يمكن أن يوفي حقها التي تنازلت عنه من أجلنا، فالأمر بالفعل يحتاج إلى تأمل في حياة هي الأصعب بالنسبة للأم وهي الأحلى بالنسبة للأبناء، فنحن نستمتع ونلعب ونلهو ونطلب وفي كل هذا تستجيب هي لكل ما نطلبه وتتحمل مسئوليتنا في كل شيء بداية من الطفولة مروراً بالدراسة وانتهاءاً بتحمل همومنا في الحياة.
وفي الحقيقة ونحن نتذكر أمنا بالجسد لا يجب أن نتغافل عن أمهات كثيرة لم يكن لهن أبناء بالجسد ولكن كان لهن الفضل في تغيير واقع كثير من الأبناء في حياة بدت لهم وكأنها مظلمة ليتحول الكثير من هؤلاء إلى أبناء لها دون أن تكون هناك علاقة جسدية بينهم.
ومن أمثلة ذلك الأم تريزا التي خدمت بكل أمانة أبناء كثيرين حُرموا من أمهاتهم نتيجة الظروف الاجتماعية القاسية والمشاكل الأسرية التي تطيح في كثير من الأحيان بالأبناء ليكونوا أول ضحايا تلك العلاقات وهو ما أود التركيز عليه في ذلك المقال، فالأم مازالت هي التي تعطي حتى لو كانت لم تنجب وهو إحساس غرزه الله في الأم دون غيرها، فحتى الأم التي لم تنجب تشعر بأن لديها إحساس كبير بأن تصبح أم وأن تعطي فتلجأ إلى تبني طفل من أجل رعايته والاهتمام به، فإحساس الأمومة إحساس تشعر معه الزوجة أنه بدونه لا تستطيع أن تعيش حياة طبيعية سليمة يمكن أن ينتج عنها استقرار في حياتها الزوجية.
ومن ثم مفهوم الأمومة هو مفهوم مرتبط بالمرأة بشكل عام وليس بالأم فقط التي أنجبت أبناء، فكم من امرأة حُرمت من الخلفة في العالم ولكنها لم تستلم لذلك بل رأت في ذلك حكمة من الله أن يكون ذلك فرصة من أجل البحث عن مَن يستحق تلك الرعاية التي يستحقها ولا يجدها وفي ذلك فقد بهرني أحد المواقع الالكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية التي اطلعت عليها ووجدت رابطة تدعو الأمهات التي لم تنجب إلى الانضمام لتلك الرابطة من أجل المشاركة في رعاية أطفال يحتاجون إلى مشاعر أم حرموا منها طويلاً وهو ما يعمل على استغلال أمثل لاحتياج متبادل للأم التي تحتاج إلى العطاء وإلى الابن الذي حرم من هذا العطاء.
يأتي هذا الاحتفال ونحن نتابع قضية الأم الأمريكية والأب المصري الذي أراد تبني طفل داخل مصر ثم اكتشفت السُلطات المصرية هذا الحدث واعتبرته ضد القانون لأن الدولة المصرية تُحرّم التبني بحكم الشريعة الإسلامية وهو أمر يجب إعادة النظر فيه كما يعاد النظر في كثير من القوانين في الفترة الحالية فلا يمكن اعتبار تبني طفل والاهتمام به باطل من وجهة نظر واحدة فقط فإذا كان الدين الإسلامي يحرم التبني ونحن نحترم ذلك فيجب عليهم أيضاً أن يحترموا أن الأديان الأخرى لم تحرم التبني بل تعتبره نوع من أنواعه الرحمة أن يقوم أحد الأفراد القادرين بتبني طفل يتيم الأم والأب أو مجهول النسب فلا يعرف قيمة الشيء إلا مَن حُرم منه، وطالما يمكن تعويض هذا الحرمان فلماذا نقف ضده طالما أمكن تقنينه فيما يتوافق مع القانون المصري.
ونحن نحتفل بهذا اليوم نقدم لكل أم وردة ليست بديلة عن ما قدمته ولا تعويضاً عن كل ما بذلته لأن ما قدمته لا يمكن أن يعوضه شيء ولكنه تعبير صغير عن الحب الذي يجب أن نعطيه للأم ليس في هذا اليوم فقط ولكن في كل الأيام، وليكون هذا اليوم بمثابة تذكير لنا عن تلك الأيام التي حرمت نفسها من كثير من الأشياء لأجلنا وفي هذا أيضاً لا يمكن أن ننسى أن الأم ليس من وَلَدت ولكنها من أعطت، وأن هناك أمهات كثيرة لن ينساها التاريخ على الرغم أنه لم يكن لهم أولاد بالجسد. |