CET 00:00:00 - 07/10/2009

مساحة رأي

بقلم: منير بشاي
تصاعدت فى الآونة الأخيرة نداءات تطالب الأقباط بالوحدة وتنعى ما وصلوا إليه من إنقسامات. وفى المقابل إرتفعت أصوات ترفض الإتحاد مع من أسموهم بالخونة والعملاء وتهددهم بالويل والثبور وعظائم الأمور. شايفين حتى فى موضوع الوحدة نفسه.. برضة الأقباط مختلفين!!
السيد المسيح قد صلى من أجل الوحدة طالبا من الآب: "ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط بل أيضا من أجل الذين يؤمنون بى بكلامهم ليكون الجميع واحدا كما أنك أنت أيها الآب فى وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدا فينا" (يوحنا ١٧:٢٠-٢۱). هذا هو الكمال المسيحى الذى يجب أن نصبوا إليه. والمسيحيون أمام هذا مستويات كل حسب بلوغه الروحى. ولكن سيظل المقياس الذى وضعه السيد المسيح هو الهدف الذى نسعى إليه. ولكن ليس بالضرورة أننا جميعا سنبلغ قياس قامته طالما كنا على الأرض.
الخلافات قديمة قدم الإنسان وظهرت حتى فى أيام الكنيسة الأولى. فنقرأ عن ظهور شكوى فى التمييز فى المعاملة بين أراملة اليونانيين والعبرانيين (أعمال ١٦:١-٦).  وقد عالج الرسل المشكلة فور ظهورها بطريقة عملية وديموقراطية. بل ويذكر (أعمال ١٥:٣٩) عن خلاف عنيف فى وجهات النظر حدث بين عمالقة وهما برنابا وبولس. ولكن هذا الإختلاف لم يثنى أحدهما عن الإستمرار فى الخدمة، ولم يتطور الى إهانة الواحد للآخر، ولم يسبب القطيعة بينهما، بل ولم يدمر العلاقة المستقبلية بينهما فنقرأ أن الإثنين تعاونا فى الخدمة بعد ذلك دون مشكلة.

وربما الشئ الذى يمكن أن نتفق عليه هو أن الخلافات بين البشر حقيقة واقعة لا يمكن تفاديها. والسبب أساسا بيولوجيا وهو أن عقولنا ليست كلها أو حتى بعضها فى حالة الكمال الخلقى. فهناك عيوب موجودة فى تكويننا وتظهر فى طريقة تفكيرنا وهذا نتيجة هذا الجسد الذى أفسدته الخطية الذى ورثناه عن أبوينا الأولين. ثم أن الله لم يصنعنا نسخة طبق الأصل بل كل واحد منا يحمل بصمات فريدة من نوعها. وكل منا يعتقد أن عقله هو الأفضل والأصح وأن عقول الناس جميعا على خطأ. والمثل الشهير يقول: عندما وزع الله الأرزاق محدش عجبه رزقه وعندما وزع الله العقول كل واحد عجبه عقله.
والخلافات ليست كلها سلبية. بعض الخلافات صحية ومطلوبة وتسبب إثراء للفكر وتساعد على كشف الجوانب الغامضة من القضايا المختلف عليها. وبعض الخلافات لا يمكن تفاديها مثل ضرورة مواجهة المبتدعين والهراطقة والمخربين. ولو لم يختلف أثناسيوس الرسولى مع خصومه فى مجمع نيقية لما حفظ لنا الإيمان المستقيم ولما أعطانا قانون الإيمان المسيحى.

ولكن هناك خلافات غير جوهرية حتى بين أصحاب العقيدة الواحدة. هذه الخلافات هى فى أمور غير واضحة ويمكن فهمها على أوجه مختلفة. وهذه ستحسم فى اليوم الأخير عندما نلتقى بالرب يسوع ونعرف منه الحق المطلق "فإننا ننظر الآن فى مرآة فى لغز ولكن حينئذ وجها لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة ولكن حينئذ سأعرف كما عرفت" (۱ كرونثوس ١٢:١٣).
وهناك خلافات فى الأسلوب والطريقة ولكن الهدف واحد. وهذه نراها فى مجال السياسة كالفارق مثلا بين توجهات الليبراليين والمحافظين. هذه الخلافات قد تتسبب فى نقاش قد يحمو أحيانا بين الأطراف ولكن فى نهاية الأمر يمكن التعايش بين المتخالفين والحياة تستمر فى وجود المرونة والإحتكام لرأى الغالبية.
ولكن الخلافات الخطيرة هىالتى تأخذ منحنى خطيرا وتصل إلى درجة التجريح والكراهية وقد تأخذ منحنى أكثر خطورة وهو الإنتقام. وهنا يكون المرض قد إستفحل ووصل إلى سرطان مدمر من شأنه أن يقضى على الجسد كله. والمشكلة هى أننا سمحنا للخلافات أن تخرج عن إطارها المقبول وتعبر عن نفسها بطريقة فجة وقبيحة.

لست أظن أننا سنصل يوما إلى نوعية من البشر لا يوجد بينها أية خلافات على الإطلاق. ولكن المفتاح هو أن نصل إلى مرحلة من النضوج بحيث نعبر عن خلافاتنا بطريقة متحضرة وأن نجعل خلافاتنا لا تؤثر على علاقات الود الشخصية. وليكن شعارنا "إتفقنا على ألا نتفق".
ولكن حتى مع وجود بعض الخلافات فمن الممكن أن تكون هناك مساحة للعمل المشترك. ومع ذلك يجب أن نعترف أن الإنسان ليس في إمكانه أن يتعامل مع كل بنى البشر. فهناك أشخاص لهم طرق وتوجهات وأسلوب لا يمكن فيها لشخص مخالف أن يتعامل معهم.  مفيش مشكلة!.. فهناك أشخاص آخرين يمكننا التعامل معهم. ومن الطبيعى أن يعمل الإنسان مع المجموعة التى تتفق مع معظم توجهاته (لاحظ كلمة معظم). وعليه أن يبتعد عن الذين يناقضونه تماما، فليس من الحكمة أن يتعامل الإنسان مع فريق ثم يتعارك معهم طوال الوقت.

الشئ الذى يجب أن نركز عليه هو ما يجمعنا ونضع جانبا ما يفرقنا. فمن المؤكد أنه حتى مع وجود خلافات ولكن يوجد خط للإتفاق يمكن التركيز عليه والإستفادة منه. ليس هذا كلاما نظريا ولكنه يحدث طوال الوقت. فمع وجود خلافات بين النشطاء الأقباط ولكن إذا لزم الأمر فإن الأطراف المتنازعة تجدها تتحد عند الحاجة لإنجاز عمل معين يتفق عليه الجميع. وقد حدث هذا فعلا من مدة ليست بعيدة.
أنا مثلكم أتمنى أن تحدث الوحدة الكاملة والمحبة التامة. ولكن لنكن واقعيين فلا أظن أن هذا سيتحقق قريبا. ولكن ليس معنى صعوبة الوحدة الكاملة هو أن نلجأ إلى تمثيل وتزييف شكل الوحدة، بينما الذى فى القلب هو فى القلب، ولابد أن يظهر فى يوم من الأيام. فلنختلف ولكن بتحضر وإحترام، ونحاول أن نتعلم كيفية التعامل مع بعضنا البعض حتى مع وجود الخلافات.
وأتمنى أن لا يجد مقالى هذا خلافا كبيرا من القراء..وإن كان لا بد من الخلاف فليكن بشىء من الحنان..أرجوكم!
Mounir.bishay@sbcglobal.net

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٧ تعليق